أضف إلى المفضلة
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024


عطر المطبعة..

بقلم : احمد حسن الزعبي
03-09-2015 01:39 AM
أول حقيبة مدرسية اقتنيتها كانت تشبه حقيبة «المطهّر» مستطيلة ومنتفخة ، لكنها للأمانة كانت أصغر حجماً وأكثر رومانسية ، عليها رسمة ديك واثق المشية وثلاثة كتاكيت يتبعونه بطاعة متناهية..حملتها وتهت بين الصفوف، المعلّمون متشابهون الى حد كبير ..جميعهم طوال القامة ويفرقون شعرهم الى اليسار ويرتدون «الشارلستون» ولهم شوارب كثّة ويدخّنون بشراهة ويضربون العصي على الحيطان كلما تعالت أصوات الطلاّب...كيف لي أن اعرف صفي بين هذه الغرف المتلاصقة كزنازين انفرادية ، لقد ارتأت إدارة المدرسة الحكيمة آنذاك أن تضع الصفوف الابتدائية في طابق «التسوية» والصفوف الإعدادية في الطابق العلوي ،لذا كنا نحظى بعتمة ورطوبة مضاعفة مقارنة بباقي الفصول...بقيت جالساً في مفترق الصفوف وبين ساقي حقيبة الديك الفارغة...حتى سمعت صوتاً أبوياً يقول لي : «صفّك هون يا جحش»!...ففرحت ايما فرح ودخلت الغرفة كآخر طالب يلتحق بالصف الأول..
**
ما زلت أؤمن تماماً أن لمس أول كتاب في تاريخ الأبجدية ،يشبه تماماً لمس يد الحبيبة الأولى ،يبقى قوياً وحاضراً وحيّاً مهما طوي من سنين العمر ،وتبقى رائحة الكتب المدرسية، مثل رغيف أمي الصباحي في أيام كانون الباردة معلقاً في الذاكرة ، شهياً وحاراً وزاخراً بالحبر الطازج..في بداية كل عام ، عندما يعود اليّ أولادي بعد غياب قصير في اليوم الدراسي الأول ، افتح حقائبهم، أقلب كتبهم الجديدة، اتنفس عطر المطابع ، أمعن النظر في الرسوم التوضيحية والصور وأبطال القراءة وصور الفاكهة الملوّنة والأرقام المكتوبة بخطوط كبيرة ، علّها تستفيق الطفولة النائمة تحت أعمارنا، أتذكر كتاب القراءة والحساب وحقيبة الديك التي خذلتني في منتصف الفصل الأول... اتذكر توهاني في الممر المكتظ في اليوم الأول والبحث عن دورة المياه، لم أكن اعرف ان الخوف يضاعف الإدرار وقتها، حاولت الاعتماد على نفسي في ظل هذه الظروف الصعبة، فوجدت الحمامات مقفلة بقفل ضخم يشبه أقفال مخازن السلاح، التفت حولي ونفّذت المهمة على عدّة تعود لأحد عمال الصيانة ؛ «منخل ومجرفة وميزان لعمارة الطوب» ،لحسن حظي وسوء حظ الرجل كانت مركونة في احدى الزوايا فكان ما كان ..
**
فصل المدارس ..هو فصل السنة الخامس.. فيه تورق الدفاتر ، وتمطر النقاط على السطور ، تنتشر قصاصات التجليد ولزوجة الصمغ و تتساقط دوائر الخشب الوردية المبرية من رأس قلم الرصاص...وكما تنتشر رائحة التراب مع الشتوة الأولى في أيلول ...تنتشر رائحة المطابع في الحصة الأولى في أيلول أيضاَ...

(الراي)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
03-09-2015 09:05 AM

هذا الذي كتبته يصلح ان ينشر في

مذكراتك الشخصية وليس للرأي العام.

من المقال وغيره من مقالاتك تجعلنا

نشعر انك تعيش مع نفسك ولنفسك فقط,

تعدد بطولاتك ومغامراتك الشخصية,وتظن

أن الآخرين مشغولون بك وبحياتك.

الناس مشغولون مشاكلهم الشخصية,

مشغولون بالارهاب الذي يهددهم,مشغولون

بموت الاطفال السوريون على الشواطىْ وعلى حدود المجر,مشغولون بتفجيرات

الاخونجية والدواعش والنصرة واحرار

الشام وبراميل النظام السوري ولا تهمهم ذكرياتك الشخصية لا من قريب ولا من بعيد.

2) تعليق بواسطة :
03-09-2015 11:33 AM

صدقت يا أخي تجده اما يتكلم عن نفسه بنرجسيه أو مستهزء
بالعرب مقلل من شأنهم ومعجب بجماعة جون مع أنه يعيش على أرض العرب ويتنعم بخيرهم
مثل المداده شروشها عندنا وبتمد لبرا

3) تعليق بواسطة :
03-09-2015 04:46 PM

نعتذر

4) تعليق بواسطة :
06-09-2015 09:55 AM

مقالات رائعة جداً

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012