أضف إلى المفضلة
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
المعايطة: جداول الناخبين ستصدر الأسبوع القادم الحوثيون: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أميركية 3 وفيات جراء حادث سير مروع بوادي موسى الملك يتلقى اتصالين من رئيس التشيك ورئيس وزراء هولندا 2.27 مليون إجمالي عدد طلبة المدارس في المملكة قانون التنمية لسنة 2024 يدخل حيز التنفيذ وفاة و6 إصابات بحادثي سير في عمان الملك يستقبل وزير الخارجية والدفاع الإيرلندي قرارات مجلس الوزراء - تفاصيل أورنج الأردن وأوريدو فلسطين تجددان شراكتهما الاستراتيجية لتقديم خدمات الاتصال والتجوال الدولي للزبائن إنفاذاً لتوجيهات الملك.. رئيس الوزراء يوعز إلى جميع الوزارات والجهات الحكوميَّة بتقديم كلِّ الدَّعم والممكِّنات للهيئة المستقلَّة للانتخاب لإجراء الانتخابات النيَّابية مستقلة الانتخاب تحدد الثلاثاء 10 ايلول القادم موعدا للانتخابات النيابية ذروة الكتلة الحارة الخماسينية بالأردن يوم الخميس مشاريع مائية في اربد بقيمة 23 مليون يورو 6 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة لليوم 201 للحرب
بحث
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024


احمد عويدي العبادي يكتب : اربد عروس الشمال ووادي الرمان

بقلم : د .احمد عويدي العبادي
05-09-2015 11:43 AM


رحلتي الى اربد في السبت 5/10/2013 في عدة حلقات

بقلم د. احمد عويدي العبادي (مؤرخ ومفكر أردني)

الحلقة الأولى

1 = نشاط الندى وموسيقى الصدى

افقت اليوم قبل الفجر كما اعتدت كل يوم

ورأيت كيف يتشكل الندى ويئن الصدى (صوت انات الليل وخلجاته)

وكيف تولي فلول جيوش ظلام الليل هربا نحو الغرب وقد كادت إن تدركها شمس الصباح بالغرق الضوئي، ثم بدا قرص الشمس كوجه الحسناء في تمام عمرها، وليلة زفافها، وإذا بي أجد نفسي بين شموس كثيرة تزاحم بعضها واحتار بين ايهما اختار فللشمس على الارض اشباه واشباه

رأيت الندى يتشكل بين ثنايا الخيطين الابيض والاسود، ويمتزج مع، حنان الطبيعة وتلاقحها بين السماء والارض، وجذبتني نظراتها وسحرها ونعومة وردها وبردها وروعة حرها وحرارتها وقرها وقرارتها، وإذا بنسيم الصباح يتقدم بقده المهفهف وجناحه المرفرف

حتى إذا ما أسفر الصبح ولاح اديم الارض المفعم بالندى، طفقت ابحث عن قطرتي ندى وهما بغيتي ومقصودي، وهما للجود والغيد فوجدتهما في عيني من تستحق وصفهما، وإذا بهما فوق خدي عبلة كما وصفها عنترة بقوله وقد نثرت سطرا من الورد

انهما قطرة الامل في العين اليمنى، وقطرة العمل في العين اليسرى

فالأمل بدون عمل هرطقة، والعمل بدون امل زندقة

فالأمل يجدد الخلايا والشباب ويجعلني اولد كل يوم واشعر بشبابي في كل شيء وتجديد الخلايا كل يوم، والهرم هو وهم لا يأتي من لا يؤمن به ولا يستسلم اليه، والياس يهلك الخلايا ويجلب الشيخوخة وهرم خلايا الجسم. وكما عادتي منذ ريعان السباب، شرعت باحتساء القهوة مع الحليب والعسل الاصلي وغذاء الملكات، وحدقت من حولي فأبصرت مالم يبصره الناس. ابصرت القطرتين الحائرتين في عيني الزمان والمكان، ومن خلال الامل الذي لا يفارقني، تحول كل منهما الى بحر من الماء الفرات الزلال:

بحر من الامل، وبحر من العمل، ودخلت البحرين وانا لا اجيد السباحة في الماء وانما اجيدها في السياسة، حتى إذا ما اشرقت الشمس غرقت في البحرين غرق الحياة والنجاة، حيث وجدت الحياة واللذة التي لا تدانيها لذة والالهام الذي يعطي الالهام عبقريته، ولاذت الشمس على استحياء من جمال خدي شمس الاردن، وانزوى القمر من حمرة الحنون وخضرة الطيون. انه جمال الاردن كالدرر في اعماق البحر لا يكتشفه الا غواص في اعماق النفوس والبحار مثلي، ففي قلمي يظهر جماله لأنه أرقي وأعمق مما يراه العميان عنه والجهلة فيه والجاحدون لخيره، وإذا بشفافية الاحساس احساسكم بي، احساسي به واحساسه بي. وسرت باتجاه الشمال



2 = وعبرت نهر التماسيح

وعبرت نهر الزرقاء المسمى تاريخيا نهر التماسيح، الذي وصفه الرحالة في منتصف القرن التاسع عشر انه أعذب نهر في بلاد الشام والذي كان زمن شبيب الخيل ايام المتنبي موئلا للأسود وغزلان الريم، فلم يبقى اسدا ولم يبقى من الريم الا شاء الله إن يبقى. وتحول النهر العذب إلى مجرى للمياه الكريهة ومخرجات الخربة السمراء والمصانع والتلوث، كدليل لا يقبل الشك على سوء الادارة والفساد.

دخلنا في محافظة جرش التي كانت مرتع الغزلان والحضارة وفي روابيها يصلح قول الشاعر احمد وشقي

ريم على القاع بين البان والعلم

أحل سفك دمي في الاشهر الحرم

وما إن تجاوزنا ثغرة عصفور حتى واجهتنا غابة من الاشجار الحرجية تمت زراعتها عام 1968 وشاركت حينها في افتتاحها وانا برتبة ملازم ثان في جرش. وتابعنا الخطى الى سهول اربد حيث تنبسط الارض امامنا بين قرى وامتداد مدينة اربد ومدينة الرمثا، وبين اراضي مزروعة بالزيتون واخرى لم تزرع بالأشجار بعد وانما بالمزروعات الصيفية والشتوية الموسمية. ومررنا بالحصن حيت حصن أثرى وحيث تذكرت بيت شعر للمرحوم درويش العبد ابو درويش من معان عندما عالجته ممرضة جميلة من الحصن فقال فيها قصيدة تليق بها ومطلعها

يا وردة الحسن ناجي وردة الحصن يا بلسما شافيا للجرح والوسن

واقول انا من شعري توكيدا لكلامه:

: يا زهرة الحسن حاكي برعم الغصن ' إ في ارضكم بالهوى ينتابني شجني

يا تل اربد هل من طيف غانية هيفاء تنسج من خيط الجوي حزني

اليت الا افارق طيفها ابدا لكنها في النوى قد فارقت وسني

هيفاء لكنها تغدو بلا غضب وتنسج الروح في بحر بلا سفن

وقبل وصولنا إلى مبنى النقابات التقينا الشاعر خضر بني هاني الذي كان بانتظارنا ليقودنا إلى بيت معزبنا وهو شقيقه الاخ بسام بني هاني. وسار الشاعر خضر بسيارته امامنا وتبعناه عبر شوارع اربد المكتظة بالناس والسيارات، واسواقها العامرة أكثر مما هي اسواق عمان. واثناء ذلك عادت بي الذاكرة بانتظار

3= في رحاب سهول أرابيلا ومدينة احرار العرب

وهنا لابد من القول انه ومنذ أكثر من سنة خلت، والأخ الصديق بسام محمد جاد الله بني هاني وشقيقه الشاعر خضر يصرّان على استضافتي في (اربد)، وكلما عجزت عن تحقيق الطلب او حاولت الاعتذار عن تلبيته بحجة انني زرت اربد زيارة عادية، قالا ان هذا غير جائز وغير كافي طامعين بالمزيد، وبخاصة في موسم الرمّان. ومنذ شهر وانا احاول جاهدا لأجد في برنامجي سحابة يوم اقضيه كاملا في رحاب اربد وفي ضيافة الأخ بسام وشقيقه الشاعر خضر بني هاني. ومع سبق الاصرار بالزيارة وجاء اليوم الذي تظل ارضه سحب اردنية اتت بالهواء المنعش الطيب، وانخفضت درجات الحرارة فصار الجو ربيعاً ندياً وجميلاً. انه يزم السبت الموافق 5/10/2013

وجرى الترتيب للذهاب، حيث حضر إلى عندي ببيتي بوادي السير / حي الميدان السيد حسين محمود مصطفى الخرابشة، واستقلينا سيارته المرسيدس، وبعد اتصال وترتيب مع السيد عبد الناصر الزعبي في جرش الذي كان في اجتماع على ان يلحق بنا ومعه احمد القادري (ابو عقاب) ويأتوا الى حيث ننوي اداء الرحلة في وادي الرمان.بجانب بلدة كفرسوم شمال مدينة اربد العزيزة المحروسة

وعند الحديث عن اربد، فان له نكهة خاصة مرتبطة بالتاريخ والحاضر والمستقبل والمكان والزمان والانسان والسياسة وعلم الاجتماع. اما الزيارات العادية فانا لا انقطع عنها اصلا، فهي مدينة اردنية وانا اعشق الاردن بدون جدال والحمد لله رب العالمين

4= اربد الخرزات

عادت بي ذاكرة التاريخ وانا المغرم المولع به، فلولا التاريخ لما عرفنا الماضي ولا أدركنا ما في الحاضر والغابر، وبمعرفته نستشرف المستقبل. فقد كان الحديث عن شمال الاردن قديما يرتبط بعجلون وقلعة الربض على مدى قرون منذ زمن الايوبيين إلى منتصف القرن العشرين تقريبا، وكان ابن شمال الاردن يسمى في ارجاء الدولة العثمانية باسم: العجلوني نسبة إلى شمال الاردن التي كانت تسمى عجلون. وفي زمن التحالفات العشائرية الاردنية حتى نهاية القرن التاسع عشر كان اهل وسط الاردن يطلقون على اهل الشمال باسم جبل عجلون والعجلونية باعتبار إن الجبل هو الظاهر لمن هم في وسط الاردن. وايضا اسم الحوارنة نسبة إلى جوران التي تبدأ بعد جبل جرش بامتداد إلى الشمال حتى شيخ مسكين. واما عن عجلون عشائريا فقد كان العدوان حلفاء لابن فريح، كما كان العبابيد والصخور حلفاء لأهل المعراض (العتوم وقرى جرش الغربية) وللعبيدات، وبني يونس (برئاسة الشريدة).

وعندما اقبلت على اربد استذكرت شعر عرار وهو يقول:

يا إربدَ الخرزاتِ حيـَّاك الحَـيا رغمَ الجفاء ِ ورغمَ كلِّ تباعـُـد ِ

ذلك أن أهالي قصبة إربد عندما استقروا في سهل اربد في طلع القرن التاسع عشر تعارفوا على إطلاق اسم (عشائر الخرزات) على (7) عشائر وهي: الرشيدات والتلول والحجازات والخريسات والدلاقمه والشرايره والعبندات وعدد اخر كان ضمن هذه العشيرة او تلك في استخدام الماء من هذا البئر او ذاك، مثل الحتاملة وآل الجودة. واما سبب إطلاق إثم (عشائر الخرزات) عليها لأنها كانت تمتلك لآبار مياه لكل عشيرة بئر نبع وليس جمع، وكان لكل بئر فتحة توضع فوقها صخرة كبيرة من الحجر البركاني البازلتي الأسود مثقوبة من وسطها ومن المعروف في اللهجة الاردنية إن قطعة الحجر التي تغطي فوهة بئر الماء تسمى: الخرزة، فكانت العشائر التي تمتلك آبارا عليها تلك الخرزة تعرف بعشائر الخرزات، ولا تزال معظم عشائر الخرزات تحتفظ في مضافاتها أو في البيوت بخرزات آبارها،

وباستقرار عشائر الخرزات تحول تل اربد الاثري التاريخي إلى منطقة استقطاب للاستقرار في القرن التاسع عشر الميلادي، وقامت هذه العشائر ومن والاها باستعادة مجده الذي عفا عليه الزمن منذ سبعة الاف سنة قبل الميلادي وزمن الاشوريين (الذين كانوا أطلقوا عليها اسم ارابيلا)، تحولت بالعربية الحديثة إلى كلمة اربد، صارت اربد في العصر الحديث عاصمة لديار عجلون، واختفى دور عجلون اسما ونسبة وادارة امام ظهور اربد

5= عروس الشمال

ثم سميت اربد حديثا بعروس الشمال مثلما سميت معان عروس الصحراء والسلط غرة البلقاء والكرك خشم العقاب، والبتراء المدينة الوردية والعقبة ثغر الاردن الباسم، والطفيلة ارض الكروم، والشوبك جوهرة البادية وعمان قرية والزرقاء زرقاء شبيب وأم قيس مدينة الشعراء، وجرش مدينة الاعمدة والمسارح، والغور سلة غذاء الاردن والبادية بيوت الكرامة. فالأردنيون لم يتركوا مدينة الا وأطلقوا عليها لقبا يليق بها ويناسبها تمام المناسبة مضافا إلى اسمها الذي يخصها.

واما اربد فهي عروس فهي عروس الشمال لأنها مجمع لسائر اهالي وسكان الشمال، ولا تجد عشيرة في الشمال الا ومنها من يسكن اربد او يعمل فيها، كما إن اهلها يشكلون خليطا كما العرس وحضوره، وهي مزدهرة ومزينة وجميلة وعامرة ومزركشة تماما مثلما هو حال العروس ليلة عرسها بين اقرانها من النساء والبنات. لذا فالحديث عن اربد له نغمة خاصة وجميلة وهي بالفعل عروس الشمال دونما منازع، والسفر اليها يطلبه كل محب لها وعاشق لهواها وانا واحد منهم، ففيها قبر عرار شاعر الاردن الخالد، وفيها الخرزات السبعة من عشائر واماكن وثقافة تاريخية بهذا الصدد.

واما اسمها القديم فكان ارابيلا وهو الاسم الذي أطلقه عليها نبوخذ نصر في مطلع القرن الثامن قبل الميلاد عندما جاء لاحتلال القدس والقضاء على دولة اليهود في حينه واخذهم إلى السبي في بابل. وقد أطلق اسم ارابيلا تيمنا باسم اربيل التي كانت مدينة هامة في شمال مملكة نبوخذ نصر الذي اجتمع بملوك الاردن العمونيين والباشانيين والادوميين والمؤابيين في ارابيلا / اربد الحالية، وعقد معهم ميثاق التحالف لمؤازرته في القضاء على مملكة بني اسرائيل بالقدس وكذلك كان. وقد خلد هذا اللقاء في تل اربد بإطلاق اسم ارابيلا وهي كلمة اشورية تعني القلعة المحصنة المحروسة، والتل الدائري المحروس، وكانت التلال كلها في تلك الديا دائرية لأسباب دفاعية وامنية في مفهوم ذلك العصر، مثلما كان اسم الكرك ايضا باللغة الأردنية المؤابية القديمة: القلعة المحصنة المحروسة (قير حارسة) وايضا القلعة المدورة.

وإذا كان المغفور له شاعر الاردن قد قرن اربد بشيحان فإنما فعل ذلك استمرارا للتاريخ القديم الذي بقي ينظر إلى الاردن ويتأمل معه كوحدة جغرافية واحدة. ويقول عرار في ذلك واصفا حالنا العام سياسيا واجتماعيا الذي نحن فيه أفضل وصف اذ يقول رحمه الله:

يا اردنيات ان اوديت مغتربا...فانسجنها بأبي أنتن اكفاني

وقلن للصحب واروا بعض أعظمه. في تل اربد او في سفح شيحان

قالو قضى ومضى وهبي لطيته. تغمدت روحه رحمات رحمان

عسى تمر به يوما مكحلة. تتلو على روحه من حزب قرآن

قالو تدمشق قولوا ما يزال على. علاته اربدي اللون حوراني

قالو تحب؟؟اجل أنى أحب متى كان الهوى سبة يا اهل عماني

فحسبنا نعمة الذل التي نخرت...عظامنا واعزت اهل عمان

6= الفاتحة لروح عرار شاعر الأردن الخالد

اما انا فأقول: إن اربد بلدي ولها اثير حب عندي، وكنت تواقا لزيارتها منذ امد بعيد لغايات الكتابة وليس لمجرد الزيارة، وقرات الفاتحة على روح شاعرنا المبدع مصطفى وهبي التل، بينما كان خضر بني هاني يكابد لعبور زحمة السير باتجاه بلدته البارحة وهي حيث يسكن شقيقه السيد بسام بني هاني معزبنا الذي نحن نلبي دعوته للقيام بهذه الرحلة، وكان الاخ حسين الخرابشة يكابد بكل انتباه ليعبر بسلام من وراء خضر. اما انا فقد عشت في عالم اخر ليس مع حسين ولا مع خضر ولا مع الزحام الذي يجعل الناس تلتف الساق بالساق لكثرتهم ويختلط الحديد بالعبيد، ورأيت إن اقرا من ذاكرتي شيئا من التاريخ ريثما نتخلص من علقة السير. فمدينة اربد ليست مولودة البارحة بل هي غير ذلك. فأثارها التاريخية تدل على انها كانت مأهولة بالسكان منذ العصرين البرونزي الأول أي نحو 2,500 ق.م، والبرونزي المتوسط (2,000 -1,600 ق.م). كما دلت الادلة الاثرية على وجود نشاط بشري في موقع المدينة قبل نحو 7,000 سنة (أي حوالي عام 5,000 ق.م).

7= اربد والحضارات المتعاقبة

كانت مدينة إربد جُزءاً من الحضارات الاردنية ومنها: الآدومية والعونية والغسانية وحضارات الجماعات العربية الجنوبية القديمة. ولا يزال تلها الأثري الذي يرتفع نحو ستين متراً والذي بناه الإنسان من الصخر والحجارة منذ آلاف السنين قائماً إلى يومنا هذا حيث عُثر فيه على آثار إغريقية ورومانية وإسلامية. لابد من القول إن اهمية اربد التاريخية القديمة بداة تظهر في العصر اليوناني وتألق في العصر الروماني، حيث كانت إربد واحدة من مجموعة من المدن الإغريقية والرومانية الهامة التي نشأت في المنطقة في فترات متزامنة، ومن هذه المُدن:

إربد 'Arabella”، بيت رأس 'Capitola’s”، الحصن 'Dion”، أم قيس 'Gadara”، طبقة فحل 'Pella”، قولبة 'Abello'وهناك بناء ضخم في مدينة إربد أقيم تكريماً للإمبراطور الروماني ماركوس أنطونيوس راتيوس أغسطس. كما انتشرت المسيحية في هذه المنطقة مُنذ القرنين الثاني والثالث الميلاديين وقد أسس الغساسنة دولتهم في شمال الأردن في منطقة إربد والجولان وسهول حوران.

لا شك ان تاريخ مدينة إربد يشير لأهميتها عبر العصور، وان تاريخها لايزال مدفونا في جوف تلها المزروع بالعمارات والمنازل التي تحول دون البحث عن ذلك التاريخ، ورغم ذلك فهناك إشارات ودلائل تشير إلى أن إربد كانت مستوطنة زراعية في العصور القديمة، وقائمة على تلها الكبير، ومحاطة بسور ضخم لا تزال بقاياه ماثلة للعين في الطرف الغربي. وفي العهد الروماني أصبحت مدينة تجارية مزدهرة كونها أصبحت من إحدى مدن الحلف التجاري المشهور باسم(الديكابولس)، وكانت تسمى اربيلا

وفي صدر الإسلام تمكن القائد الإسلامي شرحبيل بن حسنة فاتح الاردن من ضمها سنة 13 هـ 634م، حيث سيطر على إربد وبيت رأس وأم قيس، كما ضم أبو عبيدة عامر بن الجراح طبقة فحل، وتمكن خالد بن الوليد في معركة اليرموك من التغلب على الرومان سنة 636م/15 هـ منهياً الوجود الروماني هناك.

وفي العصر الإسلامي كانت لها حظوة عند الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك الذي بنى على تلها قصرا كان ينزله متى شاء، وفيه قضى نحبه. وفي العصر الأيوبي كانت معبرا لجيوش صلاح الدين الأيوبي في حربه ضد الصليبين في فلسطين غربي إربد. وفي العصر المملوكي صار لها مكانة بارزة، فقد أصبحت محطة للقوافل التجارية، حيث أقيمت بها الخانات، ومحطات للحمام الزاجل، وأبراج للمراقبة، ومنارات للاتصالات بين دمشق والقاهرة.

8= اربد من اجل البلدان الشامية

وتظهر أهمية اربد في العصر المملوكي من خلال وصف القلقشندي لهذه المنطقة، حيث يقول:

'وهي جل البلاد الشامية، وبها أرزاق العساكر الإسلامية، وطريق الحاج إلى بيت الله الحرام، وزيارة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وإلى الأرض المقدسة التي هي على الخيرات مؤسسة، وإلى الأبواب الشريفة السلطانية، وممر التجار القاصدين الديار المصرية، ومنازل العربان، ومواطن العشر “.وكان لمدينة اربد في العصر الأيوبي دور مهم في حركة الاتصالات والمواصلات بين دمشق وعكا على الساحل الفلسطيني، وكان على من يريد أن يصل إلى عكا المرور عبر مدينة إربد. وحدثت في إربد تلك الواقعة المشهورة التي جرت في العصر الفاطمي وقت الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بين الدولة الفاطمية والقبائل العربية سنة 420 هـ 1029م.

ثم تراجع دورها في العهد العثماني إلى ما بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي عندما أنشئت الدولة العثمانية التنظيمات الإدارية في شمالي الأردن عام1851، وشكلت قضاء عجلون واتخذت من إربد مركزا له، وأقيمت بها أعمال عمرانية مثل: بناء السرايا (دار الحكومة) سنة1884.وكان في ساحتها حوض ماء “بركة' يستقي منها أهلها، ولم يكن يتجاوز عدد سكانها عام 1884 عن (700)نسمة، كما بنى الأتراك المسجد الغربي أو جددوا بناءه، ورمموا بركتها، وانشئوا مدرسة ابتدائية، ودارا للبلدية عام1883، وفرعا للبنك العثماني عام1900، وكل هذا أعطى المدينة بعدا عمرانيا وحضاريا، وشكل بداية للنمو السكاني المتزايد في البلدة.

وتبع ذلك قيام حركة تجارية نشطة أحدثها التجار الشاميين مع المنطقة في مطلع القرن العشرين، حيث أقاموا في المنطقة بشكل مؤقت ثم استوطنوا المدينة واخذوا يتوسعون في تجارتهم، كما قام تجار إربد وقراها بأعمال التجارة مع دمشق التي شكلت لهم السوق الرئيسي لبيع منتجاتهم ومحاصيلهم وشراء ما يحتاجونه منها، ومما ساعد الناس على الاستقرار والتوطن فيها قدوم عناصر إدارية وعسكرية وأمنية إليها في مهمات مؤقتة، وظلت مدينة اربد مركزا لإدارة قضاء عجلون حتى غروب العهد التركي عام1918 (104).

وفي سنة 1910 كان قضاء عجلون يتألف من مدينة اربد و 120 قرية أخرى، وعند إعلان الحرب العالمية الأولى عام 1914 فُرض التجنيد الإجباري على سكان سنجق عجلون ومن ضمنهم سُكّان مدينة إربد، وبعد أن حلَت الهزيمة بالأتراك انسحب الجيش التركي السابع من إربد عام 1917، وفي العام 1918 وصل لواء بريطاني إلى إربد لطرد بقية الأتراك؛ ولكنه لم يستطع الوصول إلى المدينة لإتمام مُهِمّته بسبب المقاومة الشرسة التي ابداها الأهالي بقيادة موسى المصطفى اليوسف التل.وبعد انسحاب الجيش البريطاني عام 1919 أصبحت إربد خاضعة للحكم الفيصلي في دمشق، وبقيت كذلك حتى انتهاء العهد الفيصلي في شهر تموز عام 1920.

وفي أوائل العام 1920 تألّفت في إمارة الأردن الانتقالية (Transjordan) ثلاث إدارات محلية عُرِفت باسم الحكومات المحلية وهي: حكومة عجلون، وحكومة السلط، وحكومة الكرك. أما بالنسبة إلى حكومة إربد فكان مركزها إربد برئاسة القائم مقام على خلقي الشرائري، الذي عُيّن كذلك رئيساً للمجلس الإداري التشريعي الذي تمّ تشكيله أصلاً لمساعدة القائم مقام على أداء مهامّه، ولا يزال في إربد العديد من مقامات صحابة محمد عليه الصلاة والسلام والعديد من المساجد والصروح الدينية، كمسجد إربد المملوكي والسرايا العثماني المعروف باسم السجن القديم. وفي عهد الإمارة بقيت مركزا لمتصرفية لواء عجلون أو لمتصرفية إربد حتى عام1966، حينما أصبحت تسمى 'محافظة إربد 'وبقي مركزاً إدارياً لمحافظة إربد منذ ذلك الوقت إلى اليوم.

كانت اربد ومن ثم ام قيس موقع تجمع العشائر الاردنية في معركتي حطين وعين جالوت وتحركهم الى ام قيس ثم الى ارض المعركة. ففي هذه المدينة كانت آثار خيل الاباء والاجداد الاردنيين وصهيل خيولهم منذ المشاركة في جيش شرحبيل بن حسنة وابو عبيدة في معارك اليرموك وطبقة فحل، الى حطين وعين جالوت الى حروب الاستنزاف مع العدو الصهيوني الى يومنا هذا. وبالتالي فان زيارة اربد او المرور فيها او الجلوس فيها، انما يختصر هذا الشريط برمته ومن قبله المدن العشرة زمن اليونان والرومان.كما أشرنا اليها اعلاه.

وللحديث بقية في الحلقة الثانية ان شاء الله

انتهى المقال

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012