الدكتور سهيل الصويص
قد تكون الانتقادات اللاذعة التي تغرس سهامها في فؤاد العمل النقابي الطبي منذ سنوات مبالغ بها أحياناً لكن ودون أدنى شك فإن لها بعض المبررات التي لا يمكن غض الطرف عنها إلى الأزل إن كنا حريصين على أن تبقى نقابة الأطباء تلك الهيئة القانونية المنتخبة التي وجدت لتنظيم الممارسة الطبية السليمة والدفاع عن حقوق المهنة والأطباء والمرضى .
      ها هي انتخابات نقابة الاطباء على الابواب لاختيار مجلس نقابي جديد والكثيرون ينتابهم شعور بالامتعاض من تغيب المجالس الطبية المتعاقبة عما يجري على الساحة الطبية من ممارسات في العلن والخفاء ألحقت الضرر بسمعة مهنة الطب الأردنية والاطباء الشرفاء الذين يمثلون الغالبية العظمى من أطباء المملكة . ويضاف إلى ذلك خيبات الامل المتراكمة من انعدام تحسين نظام التقاعد وحوافز الاطباء وظروف عمل أطباء وزارة الصحة وبقية أطباء القطاع العام والاطباء العامون المنسيون في أجندات المجالس الموقرة والأهم فرض معادلة تعامل منصفة مع شركات التأمين الصحي القوية التي تسيطر بقراراتها ورغباتها على مصالح الاطباء بتهاون متواصل من نقابتهم .
وقد أدى ذلك مع عوامل حيوية أخرى إلى خلق جو من انعدام ثقة بالنقابة بل وتشكيك البعض في دواعي وجودها وعندما يطالب البعض بتشريع اختيارية الانتساب وعندما يقاطع نصف الأطباء عملية انتخاب مجلس نقابي جديد تحت ذرائع واهنة فكم هو مستغرب أن لا نعيد تقييم أنفسنا في ظل هذه الظروف والنظر للمستقبل برؤيا واقعية .
ليس من الصعب الاستنتاج بأن نفور الاكثرية الصامتة عن التصويت يمثل أثمن هدية يقدموها لمن يستفيدوا من التركيبة المتعاقبة للمجالس النقابية التي يفرزها كل سنتين نفس المنتخبين المستفيدين من الوضع الحالي المتمثل بغياب أي نية للتجديد والتطوير وردع التجاوزات والفساد فهل يعقل أن تتباكى جموع العازفين عن التصويت على حقوقهم وهم الذين يتحملوا مسؤولية استمرار الوضع السكوني الحالي برفضهم تغيير مسار المجالس بأصواتهم الغائبة ؟
ما زلنا منذ عقود نختار المرشح حسب لون بطاقته دون النظر لخلفيته المهنية وجودة لائحة أعضائه وما قدموه في الدورات السابقة من خدمات لقاعدتهم الانتخابية فكيف يمكننا على هذا المنوال النجاح في ولادة نقابة مهنية فعلية لونها الوحيد شعار سمعة ومصلحة المهنة وعلم الأردن وهموم الأطباء ؟
الدستور الحالي يمنع النقيب من الترشيح لأكثر من دورتين متتاليتين لكن يسمح بوجود أعضاء مجالس نقابية مدى الحياة اقترب أوان تحنيط بعضهم في مجالس ديكورية لم نسمع يوماً عن إنجاز ولو عابر لها فكيف يمكننا انتظار بريق أمل بالتغيير ونحن نشهد تغيير المرشح للون طاقيته من دورة لأخرى واختياره لشعارات خلابة جديدة ثم يعود بعد الفوز لقاعدته الام ليتاَمر علينا من جديد .
لقد شهدنا ولثلاث دورات افتقار النقيب لأكثرية أعضاء المجلس التي تقوم بتعطيل كل أفكاره وقراراته ضاربة بعرض الحائط بمصالح المهنة والأطباء ومن ثم يقصفوا النقيب في الانتخابات المقبلة بالانتقادات والاتهامات بالفشل وعندما يحصلوا على الاكثرية يقبعوا في منصة المتفرجين ولا يقدموا للمهنة أي إنجاز يذكر .
أي مجلس نقابي سيرى النور وماذا سيميزه عمن سبقته من مجالس وهل سيكون مجلساً ممثلاً لكافة اطباء الوطن أم سيكون نسخة مطابقة لماض نرفض النظر لسلبياته وما تمخض عنه من مصائب للمهنة والاطباء والمرضى .
نقابة الاطباء هيئة حيوية للمهنة ولا يعقل ان تبقى إلى ما لا نهاية مؤسسة جباية وحماية للمتنفذين والفاسدين الذين يسحقوا المواهب والكفاءات بمؤازرة بعض جمعيات الاختصاص التي غدت بصمتها وتاَمرها بؤرة المأساة التي تعصف بمصالح وحقوق المرض والاطباء الشرفاء الذين يمثلون غالبية اطباء المملكة .
أي مستقبل يترصد بمستقبل أطباء الأردن إن لم يصحوا من غفوتهم ويعاد بفضل تغيبهم استنساخ مجالس اغتالت بسكونيتها وإهمالها سمعة المهنة ومصداقية واحترام الاطباء في مخيلة المرضى ووسائل الإعلام
ما الذي ننتظره لكي ترى النور نقابة من نوع جديد بأفكار عصرية وبوجوه جديدة وبنهج مهني متطور ؟  لكن هل يمكن التوصل لهذا الهدف وغالبية الزملاء تتغيب عن صناديق الاقتراع في اليوم الحاسم ام ان الوقت قد حان ليعرف الأطباء أن الخطر على مصالحهم يكمن في عزوفهم عن الاقتراع فأصواتهم الغائبة هي التي تفرز هذه المجالس التي سئمنا منها وان اللحظة الحاسمة قد حانت لينهضوا بعزم وتصميم لاختيار مجالس مهنية حضارية حريصة على همومنا ولتعود لنفوس اطباء الاردن الثقة التي تبخرت منذ عقدين أو ثلاثة وندفن إلى ما لا نهاية هذه المجالس الديكورية .