أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 24 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
بحث
الأربعاء , 24 نيسان/أبريل 2024


ملامح من الشرق الأوسط الجديد: مصر الإخوانية وحماس المعتدلةوسورية المحاصرة والأردن الخليجي!

16-05-2011 01:13 PM
كل الاردن -

 

 

 

ناهض حتر 
 
" العثور" على أسامة بن لادن وتصفيته، حدث خلفي في العرض السينمائي الأميركي الراهن، لكنه من الخلفيات الأساسية للعرض الرومانسي لتجديد قصة الحب مع الإسلام السياسي المعتدل المتمثل في الإخوان المسلمين وتفرّعاتهم. حتى الفرع الفلسطيني ـ المعدود " إرهابيا"، أي حركة حماس، ليس مستبعدا. وقد إلتقط خالد مشعل، الإشارة في الوقت المناسب، واستعد للمهر المطلوب:" سوف ندفع أي ثمن". 
 {لا أعرف ـ ومَن يعرف أي شيء عن السياسة السورية اليوم ؟ ـ كيف رأت دمشق ، مشهد المصالحة الفتحاوي ـ الحمساوي في القاهرة. لكن المشهد، في إطار العرض العام والسريع والمفاجيء للتطورات في المنطقة، لا تخطئه العين الفاحصة؛ فنحن بإزاء " خيانة مشروعة " للحليف السوري. حماس ـ المحجوز مقعدها في حراك التفاهم الأميركي ـ الإسلامي للشرق الأوسط الجديد ـ وجدت قارب نجاة جاهزا بينما السفينة السورية تضربها الأمواج 
العنيفة. وفي نهاية الرحلة ما هو أكثر من النجاة؛ هنالك، أيضا، جائزة العمر: وراثة فتح ومقعد المفاوضات. وقد يكون هذا الإستنتاج متسرعا، لكن خطاب خالد مشعل في القاهرة لا لبس فيه من حيث كونه يمثّل روح مبادرة السلام العربية،بينما الحدث نفسه يمثّل انتقال حماس إلى صف المعتدلين. إن محور الاعتدال لم يمت، بل يتجدد بقوى جديدة سوف ترفع من سقف مطالبه وتحسّن أداءه: مصر ما بعد مبارك وتركيا والخليج وراء 
المبادرة القطرية والإخوان المسلمون. 
 
من أبرز نتائج الثورة المصرية، حصول الإخوان المسلمين على موقع الشريك  المدني في النظام الجديد الذي يتشكل على محور التحالف بين الإخوان والمؤسسة العسكرية والأمنية. وهو ما فرض نفسه في المصالحة الفلسطينية، ومكّن لحماس في القرار الفلسطيني والإقليمي بالإضافة إلى رعاية مصالح غزة من قبل الجار المصري. ولعلها غنائم جديرة باتباع سياسات تنسجم مع خط الإعتدال الذي يُعاد تأهيله.  وهكذا، توصل  مشعل إلى قرار مفصلي سبقه إليه ياسر عرفات حين ذهب إلى مدريد فأوسلو لئلا يربط مصيره بمصير نظام صدام حسين المحاصر مطلع التسعينات. مشعل قرر هو الآخر ألا يربط 
مصيره بمصير النظام السوري.

كل الدلائل تشير إلى أن النظام السوري سينجو. ولا يكمن السبب في قدرته البنيوية على الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة التحركات الهادفة إلى إسقاطه، ولكنه يكمن في شبكة أمان تتمثل في الآتي (1) ظهور طابع طائفي صريح في العديد من التحركات " الشعبية" أدت، بالمقابل، إلى تماسك تحالف الأقليات والفئات المدنية والعلمانية وراء النظام (2) صراحة التدخلات الخارجية المباشرة، وخصوصا من لدن التحالف التركي ـ الخليجي ـ الإخواني الدولي الناشيء، مما أثار ردة فعل وطنية مضادة (3)  الغطاء الروسي ـ الصيني الذي حال وسيحول دون استصدار قرارات دولية للتدخل الغربي في سورية، 
(4) صلابة الخاصرة اللبنانية الشيعية ـ المسيحية التي لا تريد حكما إخوانيا في دمشق، (5) فشل المعارضة السورية في  تقديم قيادات مؤثرة ذات نزاهة وصدقية. فمن عبد الحليم خدام حتى البيانوني يذكرنا المشهد بالمعارضة العراقية ضد الرئيس الراحل صدام حسين، ما يجعل القسم الأكبر من الجماهير السورية الواعية حذرة للغاية إزاء تغيير لن يكون بعيدا عن التغيير العراقي. 
 
لكن النظام السوري الناجي لن يكون هو نفسه، ذاك الذي نعرفه.سيكون معزولا ومجروحا  ـ والمفارقة أن العاصفة، بذلك، ستنجلي عن تحقيق أهداف المتآمرين، لكن ليس أهداف الشعب السوري في الإنتقال صوب الديموقراطية وتطوير بنى وآليات الحكم. 
 
بعد نجاح المعالجة الأمنية، سيكون على القيادة السورية، التفرغ  لمعالجة الأسباب الجوهرية للإحتجاجات الريفية . وهي احتجاجات اصيلة ونابعة من معطيات إقتصادية ـ إجتماعية شكّلها الغزو النيوليبرالي لسورية في العقد الأخير، ما فتّ في عضد القاعدة الاجتماعية التقليدية للنظام، أي جماهير الريف. وسوف تقع على عاتق النظام، إذا ما أراد البقاء، مهمات إقتصادية جسيمة لإنهاض الريف من جفافه، ووقف زواج البزنس والقيادات السياسية والأمنية، وإعادة تشغيل آليات القطاع العام وإدارة إعادة توزيع الثروة. غير أن هنالك من يفكر في دمشق باستلهام النموذج الصيني من تجاور الاستبداد 
السياسي واللبرلة الإقتصادية وتسريع النمو وتوليد فرص العمل للريفيين والربح للبرجوازية المدينية. وهو، في اعتقادي، نموذج لا يمكن استيراده، وسيؤول إلى نتائج كارثية.

أيا كانت طريق معالجة الأزمة السورية الداخلية، فستكون طريقا طويلة ، محفوفة بالمخاطر. وهو ما يعني أن عودة سورية للعب دور إقليمي مؤثّر ربما منتظرة في المدى القريب. وستجد القيادة السورية نفسها محصورة الخيارات في تحالفها الإيراني واللبناني؛ فتركيا التي كانت إلى الأمس القريب حليفا سياسيا وشريكا إقتصاديا مفضلا، أظهرت أنيابها العثمانية إزاء دمشق. لقد لاحت أمام  الحكومة التركية التي تمثل النموذج الأعلى للإسلام السياسي المعتدل الليبرالي، فرصة عثمانية غير مسبوقة؛ فالثورات العربية تدفع بحلفائها الإسلاميين إلى الشراكة في السلطة والقرار في العالم العربي. ولأن سورية تظل، في الجغرافيا، بوابة تركيا العربية، نرى حكومة أردوغان تتصدر العمليات الخارجية الساعية إلى تغييرفي سورية يأتي بالإخوان المسلمين شركاء أو حكاما. 
 
ما يزال مبكرا توقع ردّة الفعل المنتظرة من النظام السوري: هل سيتجه إلى إعادة تشغيل جبهة حزب العمال الكردستاني ( التركي) أم سيسير نحو تسوية مع أنقرة تقر بمتطلبات الأخيرة ؟ 
 
لعلني أسعف ذاكرة القراء بأن قطر ـ التي كانت إلى ما قبل حقبة الثورات العربية في حالة صراع على الدور مع السعودية والخليج بعامة ـ وجدت في سورية وحزب الله حليفين إقليميين قادرين على تظهير دورها بقوة. 

وسوف نتذكر الدور القطري في دعم حزب الله بعد حرب 2006  ودورها في تأمين اتفاق الدوحة لمصلحة حلفاء سورية في لبنان ودعمها المستمر لسورية وتنسيقها السياسي المنضبط مع القيادة السورية. في ذلك الزمن   كانت "الجزيرة" منبرا لخط المقاومة والممانعة، وكان محظورا فيها التعرّض للنظام السوري. بالعكس، كانت الأصوات السورية في الجزيرة هي الأبرز والأقوى. 
 
"الجزيرة "التي يقودها عضو في حماس، تحولت اليوم إلى منبر سياسي هجومي ضد النظام السوري، مفتقرة إلى الحد الأدنى من المهنية والنزاهة
  هذا دليل صلب على أن " الجزيرة" هي مجرد أداة قطرية. والسؤال هو عن الدور القطري نفسه. 
 
منذ اندلاع الثورات العربية مطلع هذا العام،انكشف " سر" قطر التي لا يستطيع المرء إلا أن ينظر بإعجاب لجرأتها ومبادرتها واتساع الخيال السياسي لدى حكامها. قطر، عبر سلسلة من المواقف المعترضة والمستقلة، فرضت نفسها شريكا إقليميا بحجم أكبر بكثير من حجمها. وقد راهنت  على التحالف مع حركة الإخوان المسلمين، ونجح رهانها مع اندلاع الثورات العربية. الإخوان صعدوا فجأة إلى مقدمة المسرح، وما كان على السعودية والخليج سوى التسليم بالدور القطري السياسي والإعلامي، لحماية مجتمعات "الأهل والغنيمة" من مؤثرات الثورات العربية. ولا بد من الإعتراف بأن " الجزيرة" ـ التي كسبت الشارع العربي من خلال تغطية ثورتي تونس ومصر ـ  لعبت دورا مهما في التعتيم على القمع الدموي للثورة البحرينية، وتهدئة عمان، وإغلاق الشاشة على لتحركات في السعودية. لكن الأهم أن عواصم النفط أدركت سريعا أن درء عدوى الثورة عن بلادها والحفاظ على مكانتها في العالم العربي الجديد، يرتبطان بتجديد{jcomments off} التحالف مع الإخوان المسلمين، وعاصمتهم اليوم في الدوحة.

في قطر قاعدة أميركية ، ولقطر علاقات طيبة مع إسرائيل، ونظام قبلي تقليدي يؤمن المصالح الغربية؛ فهي، إذن، تشبه الخليجيين، ولكنها تتميز عنهم باتباعها سياسات مستقلة وبتنضيدها شبكة علاقات " شعبية" واسعة تمتد من الشيخ يوسف القرضاوي إلى الدكتور عزمي بشارة. والطريف حقا أن الشيخ الإخواني المتشدد والدكتور القومي الديموقراطي معا، متفقان على أن المهمة اليوم هي " التركيز على سورية"!
سورية مستهدفة. وهذه حقيقة لا تبرر الجمود السياسي ولا الفساد ولا الخضوع لمتطلبات النيوليبرالية الفظة، كما أنها لا تبرر، بحال من الأحوال، القمع الدموي للإحتجاجات الشعبية لإعتقالات المعممة، لكنها تبقى حقيقة. ومن الواضح أن حجم التدخلات الخارجية في الشأن السوري يزيد على حجم التحركات الداخلية. وهذه التحركات من صنفين أحدهما اصيل وتدفعه فئات ديموقراطية مدينية وفئات ريفية متضررة من سياسات اللبرلة الإقتصادية، وثانيهما مفتعل وتدفعه قوى طائفية وكمبرادورية ومرتبطة بأجنحة النظام المستبعدة ( كعبد الحليم خدام ) وتتلقى الدعم من الحلف الخليجي ـ التركي المستجد. 
والمؤسف أن النظام السوري يعامل الصنفين بالطريقة الأمنية الدموية نفسها. ولا أعرف متى سيدركون في دمشق أن إمكانية صد التدخلات الخارجية والقوى الرجعية، مرتبط بإطلاق الحريات للشيوعيين واليساريين والقوميين السوريين والمثقفين الديموقراطيين ومقرطة اتحادات العمال والفلاحين وإعادة تكوين جبهة تقدمية حقيقية في سورية.

 جميع التدخلات الخارجية في سورية لها دوافع واضحة في إطار الشرق الأوسط الجديد قيد التشكّل، لكن التدخل غير المفهوم هو الذي تم في وعبر مدينة الرمثا. ومن المنصف القول أن السلطات الأردنية استدركت هذا الخطأ الفاحش، فليس النظام الأردني وحده، بل الدولة الأردنية نفسها هي اليوم في وضع المستبعد من الترتيبات الجارية للشرق الأوسط الجديد. وكما كان الوضع في منتصف السبعينات، حين قرر الزعماء العرب في الرباط  استبعاد الأردن من العملية السياسية الإقليمية،بإعلان منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، لم يجد الراحل الملك حسين سوى نظام الرئيس حافظ الأسد 
للتحالف معه خلال سنوات ما عُرف بالوحدة الأردنية ـ السورية. نظام الراحل الأسد كان، بدوره، معزولا بعد انفراط تحالفاته مع مصر السادات والمنظمات الفلسطينية على وقع "الانفتاح" المصري وهدير الحرب الأهلية اللبنانية.  

في أواخر السبعينات، نشأ التحالف الثاني بين الولايات المتحدة والإسلام السياسي الجهادي ضد الشيوعية والاتحاد السوفياتي في أفغانستان.( التحالف الأول تم في الخمسينات والستينات ضد الرئيس جمال عبد الناصر) وبدأت سلسلة الأحداث التي أفرزت القاعدة والمواجهة الأميركية مع ما سُمّي الإرهاب. اليوم نكتشف أن أسامة بن لادن كان في مخبأ فخم في قلب المؤسسة العسكرية في باكستان وليس في الجبال الأفغانية، وأنه كان تحت الأعين الأميركية ، ولم يُعتقَل أو يُقتَل، حتى إنتهى دوره، فتم " العثور" عليه و" إعدامه". وهي لحظة درامية لا بد منها لتسويغ التحالف الثالث مع الإسلام السياسي، المُعاد تأهيله اليوم كحركة ديموقراطية عنوانها تركيا ، العضو المسلم في حلف شمال الأطلسي، والمطلوب إشراكه في السلطة من المحيط إلى ما قبل 
الخليج!

وعلينا أن نلاحظ، هنا، أهمية حماس المضاعفة في هذا السياق. فليس استقدام حماس إلى صف الاعتدال الجديد ضرورة في الشأن الفلسطيني المحوري بحد ذاته، بل أن لإخراجها من محور الممانعة وحده أهمية استثنائية إذا ما تذكرنا أن حماس هي العضو السني الوحيد في ذلك المحور الذي سيتم تصويره،منذ الآن، باعتباره محورا شيعيا علويا. سيسهّل ذلك فرض حصار شامل على إيران التي لن يكون أمامها فرصة سوى الإقرار بالقيادة التركية 
للشرق الأوسط الجديد.
..........................
..........................
الأردن ـ كقوة مستقلة ـ ليس له مكان في اعادة تأهيل المحور الأميركي الجديد، لسببين؛ تلاشي دوره الإقليمي وتركيبته الداخلية. على المستوى الأول تخلت عمان عن القيام بدور سياسي مستقل فلسطينيا واقليميا، مكتفية بدورها البارز في مرحلة مكافحة الإرهاب. هذه المرحلة انتهت الآن . وعلى المستوى المحلي، فإن اندماج الأردن في سياق المرحلة الجديدة يتطلب تسوية داخلية مع الإسلاميين. لكن المشكلة الكأداء تكمن في أن 
الحركة الإسلامية الأردنية ليست فقط حركة محلية ، وإنما لها، أيضا، إرتباط إقليمي عضوي يتمثّل في علاقتها البنيوية مع حركة حماس. وهو ما يجعل إشراكها في النظام الأردني من موقع الند ـ وهو الشرط اللازم لقبول الأردن في نادي الاعتدال الجديد ـ مثابة لإشراك حماس في البنية السياسية الأردنية. هكذا انقلبت المعادلة. فبينما كانت عمان تتمنع، طوال عقد كامل، عن استخدام حماس في الساحة الفلسطينية والإقليمية، أصبح 
الأردن نفسه يرجو اليوم  مقعدا في سياق لحماس فيه موقع " الثلث المعطل". 
 
وتأمل عمان الخروج من هذا المأزق من خلال ما تعلقه من آمال على درجة ما من الإنضواء تحت عباءة مجلس التعاون الخليجي الذي يحتاج للقدرات الأمنية الأردنية في مواجهة احتمالات التغيير الداخلي. ولكن الوظيفة الأمنية تظل في مستوى منخفض في مقابل التموضع السياسي في شبكة الأمان الناشئة من التحالف مع تركيا والحركات الإسلامية الزاحفة إلى السلطة في العالم العربي. 
 
عضوية مجلس التعاون الخليجي ( وهي ، بحد ذاتها، مفارقة ؛ فالأردن ـ تاريخيا وثقافيا واجتماعيا وديموغرافيا ـ جزء من الهلال الخصيب وليس من الخليج )سوف تمنح الأردن على الأرجح المزيد من المساعدات والاستثمارات، لكن أيا تكن الزيادة تلك، فسوف تظل المشكلة الإقتصادية ـ الاجتماعية قائمة، ذلك أن الجانب الجوهري من تلك المشكلة يكمن في إنهيار منظومة التوزيع الداخلي تحت ضغط الخصخصة والفساد المؤسسي، كما أن طبيعة الاستثمارات لخليجية في الأردن، والمتركزة في القطاعات المالية والعقارية، لا توفر فرص العمل المطلوبة للأردنيين. 
 
تبقى إلميزة الرئيسية لعضوية مجلس التعاون، هي حرية الانتقال والعمل، بالنسبة للمواطنين الأردنيين، في دول المجلس. وبالنظر إلى المعطيات الاقتصادية في الدول النفطية الست، فإن الفرص المتاحة لجماهير الريف الأردني تظل محدودة في الاقتصادات الخليجية، اللهم في القطاع الأمني. مما يعني أن حرية الانتقال والعمل تعني، تحديدا، حرية توظيف أعداد متزايدة من المتقاعدين العسكريين من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية الخليجية. ومن شأن ذلك أن يخفّض الضغط الاجتماعي الداخلي في الريف الأردني. ومن شأنه، من جهة أخرى، أن يسمح بسيولة مواطني الضفة الغربية إلى الخليج، 
لكن عبر محطة  وسيطة هي الحصول على الجنسية الأردنية. 

وفي التمهيد لحل مؤقت وهدنة طويلة على المسار الفلسطيني، تتجه دول مجلس التعاون الخليجي إلى الموافقة على تحمل حصتها من الديموغرافيا الفلسطينية، لكن موافقتها على التوطين الإقتصادي مقترنة برفضها التوطين السياسي للفلسطينيين المستوعَبين من الضفة الغربية. وقد كان الحل عن طريق منح عضوية المجلس للأردن، على أن يقوم الأردن بتجنيس حوالي مليون مهجّر من الضفة الغربية مما يجسّر لهم الإقامة والعمل في دول الخليج 
بوصفهم مواطنين في دولة عضو.

إن السياق الخليجي للتوطين الإقتصادي هو الذي يفسر إصرار النظام الأردني على التوطين السياسي. وهو الذي يحول دون إخضاع تجنيس الفلسطينيين للقانون، والإبقاء على السيولة الديموغرافية بين الأردن والضفة الغربية.سيكون من غير المنصف بالطبع توجيه اللوم للأسر الفلسطينية المتقطعة بها السبل 
والباحثة عن الاستقرار والعيش الكريم، كما أنه من غير المنصف إدانة الريفيين الأردنيين الباحثين عن مواجهة مصاعب الحياة التي لا تطاق بالعمل في المنظومة الأمنية الخليجية، لكنه سياق سيعمق، بالنتيجة، الانقسام الوطني لكن هذه المرة بين " أغلبية" فلسطينية تتركز فيها الفئات المتبرجزة و" اقلية" اردنية تتركز فيها الفئات المهمشة إلا في الإطار الأمني.

الدور المتاح للأردن في الشرق الأوسط الجديد، سيكون،إذن، من شقين: رفد القوى الأمنية الخليجية بالرجال والخبرات على نطاق أوسع، وتسهيل استيعاب أعداد متزايدة من  اللاجئين والنازحين ومواطني الضفة (عبر محطة التجنيس والفلترة الأمنية في الأردن)، في سياق تأمين الشروط الإسرائيلية لقيام الدولة الفلسطينية المؤقتة.
.........................
.........................
 
مقاربة رئيس الوزراء معروف البخيت القائلة باعتبار المصالح الأردنية المنطلق للتعامل مع الشأن الفلسطيني، وتاليا تظهير الفيتو الأردني على أي تفاوض أو حل في هذاالشأن، لا يأخذ بالإعتبار عودة اللاجئين، هي المقاربة الوحيدة الممكنة لمجابهة التهميش الحالي والمنتظَر للأردن ودوره. وسوف يُحرج ذلك حماس والإسلاميين الأردنيين معا؛ إذ لا يستطيع هؤلاء التعرّض لحق العودة. غير انه من المشكوك فيه أن تغدو مقاربة البخيت محورا للسياسة الأردنية المحكومة بانعدام الخيال السياسي وتجنّب الجرأة والإنحكام لضغوط اللوبيات الداخلية. ومما يؤكد تشاؤمنا هذا إقدام السلطات الأردنية على منع مسيرة العودة في 15 أيار بالقوة. وهو أشبه ما يكون بإطلاق أحدهم الرصاص على قدمه. فلو كانت عمان تنطلق من المصالح الوطنية الأردنية فعلا، لكان 
عليها أن تحشّد بنفسها لمسيرة العودة وتتركها لتقرع أبواب الحدود الفلسطينية يوميا.
............................
............................
هنا، علينا أن نتوقف أمام مفارقة سيكون لها تأثيرها على مجمل الحياة السياسية الأردنية في المستقبل المنظور. وهي أن الإخوان المسلمين الأردنيين ـ الذين يقاطعون اليوم النظام الأردني ـ يباركون الصفقة السياسية بين حماس والنظام الفلسطيني! ألا 
يظهرهم هذا كفرع حمساوي صريح؟ 
 
دعنا من ذلك، ولكن بماذا سيحاجج الإسلامي الأردني، نظامَه؟ وادي عربة، التطبيع، القمع الفساد...الخ ولكن كل ما يمكن الهجوم عليه من سياسات وأوضاع هي محل معارضة مشروعة في الأردن، يبدو " معقولا" لدى مقارنته بالسياسات والأوضاع المشابهة في السلطة الفلسطينية التي أقسم خالد مشعل ـ باسمه واسم إخوانه في الفصائل بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ على بذل أي ثمن لإنجاح الصفقة معها! والسلطة ـ كما 
هو معروف ـ ليست معطى مستقلا، وإنما هي المعطى الرئيسي لاتفاقات أوسلو مع الاحتلال الاسرائيلي وسيكون طريفا جدا خصوص حديث حمساوي أردني عن المقاومة التي تدخل تحت جناح التنسيق الأمني بين رام الله وتل ابيب!
 
في السياسة التقليدية، هنالك، دائما، فجوة بين الشعار والممارسة. الشعار مقصود للدعاية والتبرير الأيدولوجي، بينما الممارسة تحكمها المصالح وموازين القوى. ولا نقصد القول أن شعار العودة ـ بالنسبة لحماس ـ هو مجرد دعاية، لكننا لا نستطيع القفز عن أن المطالبة الصريحة بالمحاصصة الديموغرافية في الأردن، صدرت عن الجناح الحمساوي بالذات، ذلك الجناح الذي كان مسؤولا عن المطالبة بقانون انتخابات على أساس الكثافة السكانية في 24 آذار الفائت.

 حماس العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تكرر فتح السبعينات. والأردن ما يزال عالقا! وبالنظر إلى مديونية تزيد قليلا على 60 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي وعجز متفاقم في الميزانية وتفكك القطاع العام الانتاجي وانسداد الأفق الاستثماري وتراكم المتطلبات الاجتماعية وتعمق الشروخ السياسية وتدني مستوى النخب، يبدو وكأن الخضوع لمتطلبات التهميش الخليجية ـ الحراسة والتوطين والتبعية ـ خيارا وحيدا ومخرجا ممكنا. لكنه في الحقيقة خيار انتحاري على المدى المتوسط؛ والبديل ممكن. ويتمثل في نزع سلطة التحالف الكمبرادور والفساد، والتوجه صوب بناء نظام ديموقراطي اجتماعي 
وتبني مداخلة تعكس المصالح الأردنية فعلا في السياسة الخارجية. وتبدأ هذه المداخلة من قرار سياسي بإخضاع الجنسية الأردنية للقانون، وتظهير وجود مهجرين فلسطينيين في الأردن يزيدون على المليون. وهؤلاء بحد ذاتهم قضية تتطلب العمل على ترتيب وضعهم القانوني والسياسي مع السلطة الفلسطينية وإعادة تأهيلهم إقتصاديا في وطنهم لا في الخليج .    
 
التعليقات

1) تعليق بواسطة :
16-05-2011 04:21 PM

- اعتقد ان الدفاع عن النظام السوري لا يجدي نفعا. هو نظام دائما و ابدا يبحث عن مصلحته و بقاؤه.
- الغاء العودة و السماح بتهجير اهل الضفة هو لب انضمام الاردن للخليجي. لكن ما سيحدث بعدها ببضع سنيين ان عضوية الاردن ستلغى و سيصفي الاردن متحمل تبعات ايواء اعداد اكبر من الفلسطينيين.

2) تعليق بواسطة :
16-05-2011 04:40 PM

تحليل نص صح لان النظام السوري خزق مخنا عن الممانعه ولا يملك المقاومة بضح علينا يا اخي

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012