أضف إلى المفضلة
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024


موسى العدوان يستذكر : من صور البطولة على الأرض المقدسة – 4

بقلم : موسى العدوان
20-05-2016 12:41 PM

دخول القوات الأردنية إلى القدس
موسى العدوان
' أما وقد رُدّت السيوف إلى أغمادها، وعادت الجيوش إلى ثكناتها، وتحولت الدول العربية إلى مرحلة التصالح مع إسرائيل، آملة تحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، فقد رأيت أن الوقت قد حان لكي أنشر ما لدي من معلومات، عن وقائع حروبنا الماضية مع إسرائيل، وذلك خدمة للتاريخ ومنفعة لأجيالنا القادمة '.
' اللواء الركن صادق الشرع '
* * *
في 14 أيار 1948 شرع اليهود بمهاجمة المناطق العربية مباشرة بعد رحيل الإنجليز، فاحتلوا أولا البنايات الضخمة التي كان يشغلها الإنجليز في وسط مدينة القدس مثل النوتردام وغيرها. واستمرت هجمات اليهود خلال الأيام 15 و16 و17 مايو، واحتلوا أحياء القطمون والبقعة والطالبية والنبي داود والشيخ جراح. ولم يبق بيد العرب إلا المدينة القديمة. فأغلق السكان الأبواب الكبيرة على أنفسهم، واستحكموا وراء الأسوار يصدّون هجمات اليهود الشديدة.
ساءت الأحوال إلى درجة كبيرة، وتوقع الناس أن ينجح اليهود في هجماتهم على أبواب المدينة القديمة، واستولى الخوف والذعر الشديدان على أهل القدس، وأخذت النداءات والاستغاثات تتوالى على الملك عبد الله ليلا ونهارا طلبا للنجدة. وجاءت وفود من أهل القدس إلى عمان تشرح للملك خطورة الموقف وضعف المدافعين عن المدينة المقدسة، ويستغيثون به لكي يأمر قواته بالتدخل، وإنقاذ الصخرة والحرم وكنيسة القيامة. أمر الملك رئيس الأركان الفريق كلوب بالتدخل عسكريا، وبعث إليه بالرسالة التالية:
' عزيزي كلوب باشا
إن موقع القدس من العرب والمسلمين ونصارى العرب معلوم، وأن وقوع أي كارثة من اليهود على أهلها كأن يقتلوا أو يجلّوا أمر عظيم التبعة علينا، ولا يزال الموقف ليس بالميئوس منه. وإنني آمر بلزوم الاحتفاظ بما هو تحت اليد الآن : البلدة القديمة وطريق أريحا، إما بواسطة القوات التي في نواحي رام الله، أو بإرسال قوة من احتياط القوات هناك. إنني أرجو أن تنفذوا هذه الرغبة بكل سرعة عزيزي '. ( 7 رمضان 1367 هـ )
وفي ليلة 18 أيار اتصل أحمد حلمي باشا رئيس حكومة عموم فلسطين بهزاع المجالي قائلا : ' أناشدكم الله أن تنجدونا وتنقذوا المدينة وأهلها من سقوط مؤكد. وعندما أبلغ الملك بذلك أمر بعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء وعرض عليه خطورة الموقف، وقال أنه يتحمل مسئولية التدخل في القدس على عاتقه، وأصدر الأمر إلى رئيس الأركان للتحرك حالا.
تحركت كتيبة المشاة السادسة بقيادة الرائد عبد الله التل من أريحا، ودخلت القدس في صباح يوم 19 مايو، فاستقبلها أهل القدس بالتصفيق والهتاف وانتعشت آمالهم بعد اليأس، خاصة عندما أخذت مدافع الهاون والمدفعية من عيار 6 رطل، ومدافع المدرعات تطلق قنابلها على مراكز اليهود وأحيائهم.
كان عدد رجال الكتيبة السادسة 626 رجلا أخذوا على عاتقهم مواجهة 10 آلاف مسلّح من اليهود. وأسند للكتيبة مهمتان : الدفاع عن أسوار القدس وأبوابها، واحتلال الحي اليهودي القديم، والذي كان قد تحصن بداخله عدد من رجال الأرغون والهاجانا واستعدوا للقتال حتى النهاية.
وكان اليهود قبل دخول القوة الأردنية، قد تمكنوا من الاتصال بالحي اليهودي القديم، بعد أن نسفوا جانبا من بوابة صهيون، وأمدوا حاميتهم في ذلك الحي بالرجال والعتاد والمؤن. فسارع رجال الجيش إلى سد الثغرة ودفع اليهود إلى الوراء، وتمكنوا من عزل الحي اليهودي عن الأحياء الملاصقة له، ثم بدأوا بقتال الشوارع والأزقة الضيقة. كما نجحوا أيضا في صد هجمات اليهود الانتحارية، التي كانوا يشنونها من الخارج، للاتصال برفاقهم داخل الحي القديم.
ولكن المهمة كانت أكثر خطرا من كل هذا. فالقدس الجديدة تضم مئة ألف نسمة من اليهود، لا يقل عدد المقاتلين منهم عن عشرة آلاف مقاتل. ومن الصعب على قوة بحجم الكتيبة أن تهاجم هذه القوة الكبيرة، إذ أن العرف العسكري يقتضي أن يكون المهاجم ثلاثة أضعاف المدافع. وكان رئيس الأركان يتمنى تجنب الدخول في معركة القدس والقتال في المناطق المبنية.
ولكن اقتنع رئيس الأركان أخيرا بأن اليهود مصممون على احتلالها، ورأى أنهم إذا نجحوا في ذلك سيقلبون خططه كلها رأسا على عقب، وسيكون بمقدورهم عندئذ الهجوم على أريحا، وقطع خط المواصلات على قواته المتواجدة في القدس. ولم يكن هناك من بد من التضحية رغم الصعوبات والمحاذير. فالكتيبة الرابعة كانت مشتبكة مع اليهود في اللطرون، والكتيبة الأولى كانت مشتبكة في قلقيلية، والكتيبة الثالثة كانت مشتبكة في نابلس. فصدرت الأوامر للكتيبة الثانية بالهجوم على القدس الجديدة.
وبالرغم من صعوبة تحويل الوحدات العسكرية عن أهدافها، فقد صدر الأمر للكتيبة الثانية بالهجوم على القدس الجديدة. وتألفت قوة الهجوم من سرية مشاة وسرية مدرعات و4 مدافع عيار 6 رطل و 4 مدافع هاون 3 إنش تسندها سرية مدفعية عيار 25 رطل في التمهيد للهجوم. كان مجموع القوة 300 مقاتل بقيادة الرائد الإنجليزي سليد.
بدأ الهجوم الساعة الثالثة وخمسة وأربعين دقيقة من صباح يو 19 أيار من الناحية الشمالية عند شعفاط. وأخذت المدافع تصب حممها على الأحياء اليهودية، ثم سارت المدرعات في الطليعة يتبعها رجال المشاة وهدفها احتلال الشيخ جراح، وفك الحصار عن المدينة القديمة من الشمال. واشتبكت هذه القوة مع اليهود وجرح قائد الكتيبة سليد قبل الظهر، فتسلم قيادتها الرائد الإنجليزي بوكنن، والذي جرح أيضا عند العصر. ولكن أتمت القوة احتلال الشيخ جراح في الساعة السابعة والنصف صباح اليوم التالي. ثم واصلت القوة تقدمها واتصلت طلائعها بالمدينة القديمة عند باب العمود، في الساعة الثانية بعد الظهر بعد أن خسرت 6 شهداء.
التاريخ : 24 / 5 / 2016
المراجع :
- تاريخ الأردن في القرن العشرين / منيب الماضي وسليمان موسى.
- أيام لا تنسى / سليمان موسى.
- حروبنا مع إسرائيل / صادق الشرع.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
لا يمكن اضافة تعليق جديد
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012