أضف إلى المفضلة
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024


الأردني بين جوع البطن وجوع الفكر

بقلم : سلطان كليب
30-05-2016 03:00 PM
معاناة يعيشها المواطن الأردني ما بين مطرقة جوع البطن والفكر، فأشغله جوع بطنه عن اشباع جوع فكره ، والغنى الوحيد الذي تغنى به المواطن هي الأحلام ما بين الحقيقة والخيال ،فلم يرى الحقيقة مع أنها تسكن فيه ، ولم يسعفه خياله لإدراك الحقيقة .

يحتل الأردن مرتبة متقدمه عربيا في التعليم ، ولكنه لم يتجاوز الصفر في التحليل وقراءة واقعه وماضيه، ومستقبله بمنظورٍ علمي يحسّن من واقعه الحقيقي ليخطوا كخطوات الطفولة انتصاباً وتعثُّراً،وبدل البحث عن الحقيقة والتماشي مع الواقع يفضل أن يعيش عالم الأحلام والأوهام والخيال كتعويض عن جوع بطنه وفكره منتظراً المخلّص له من الذي يشكوه .

إذا قرأنا الوضع الداخلي لحياة المواطن الأردني فهو مأساوي ومحزن ، وإن تطرقنا إلى النسب الحقيقية لمعاناة المواطن الأردني فهي مؤلمه ، إن بدات بسردها لن تنتهي، فكما تعلن الحكومة وأوهمت مواطنيها وتعمل جاهدة على إقناعهم أننا بلد محدود الإمكانيات والموارد، وعلى المواطن الأردني أن يعذر دولته ويقبل بالواقع المؤلم من أجل الحفاظ على امن وطنه ،ولإثبات هويته في الانتماء ،فعليه أن يصبر على الجوع حتى لا تزداد مأساته مأساه ، لذلك قبل المواطن الأردني أن يصبر على الجوع وإن أكل من الصنف الثالث من الطعام ،وتناول الطعام الفاسد والمسرطن ، ويصبر على الأمراض المزمنه من الضغط الى السكري ،وامراض القلب والشرايين التي تحتل نسبة 60% من حياة السكان ، وعليه أن يتقبل أعلى مرتبة بحوادث السير في العالم لأن امكانياتنا محدودة والظروف لا تسمح للشروع بالعمل للتقليل من حوادث السير واصلاح الطرق ،وعليه أن يقبل بارتفاع نسبة العنوسه وانتشار الرذيلة لتدني الرواتب وارتفاع تكاليف الزواج وتبعياتها حتى اصبح لدينا فائضا تجاوز 50 الف فتاه بلا زواج تجاوزن الاربعين من العمر،وعليه ان يرى الفساد يستشري وينخر الوطن ويصمت لأنه وطني شريف يخاف على وطنه كي لا يُنبت الربيع اسوة بمآسي الجيران ومحيطه الملتهب فالموت افرادا اخف وطأة من الموت جماعات .

وما بين جوع البطن والفكر، سياسيا لم تنسى الدولة أن تشق الصف الواحد بين أبناء الشعب لتبقى البطون خاويه والعقول هاويه ، فتجذر للمنابت والاصول، وتجذر للجهات الاربع ، وتعز العزيز ،وتذل الذليل ، رموز تعيش حياة الملوك ،وشعوب تبكي من فقدان العدالة والجوع .

المواطن الأردني بشكل عام لم يتعمق في كواليس السياسة الداخلية والخارجية ،ليطّلع كيف تدار شعوب العالم والأمم،ولم يدرك اغلب عوام الشعب ماهي القوى المهيمنة على سياسات العالم واقتصاده والتي ترسم معالم حياته حتى ادق جزئياتها ،وما هي المؤثرات الداخلية والخارجية على العملية السياسية،وكيف يتم اختيار قيادات الصف الأول في الدولة صانعي القرار منذ رسم الحدود والهويات والأعلام ، وما هي الأسباب الحقيقية لتهميش المواطن وإفقاره وتجويعه وتركيعه وتجويع بطنه لإشغال وتعطيل عقله وفكره .

إن أبعد أفق للرؤيا لدى مواطننا واكبر همٍّ يبتغيه تحسين ظروف معيشته وزيادةٍ لا تسمن ولا تغني من جوع ، واجتثاث الفساد الذي يؤرق مضاجعه ولا يملك من ذلك إلا تحميل المسئولية لرموز يتم تسليط الأضواء عليها دون غيرها علما أنها جزءًا صغيرا كشعرة في جلد ثور ، او يُحمّل المسئولية لمجلس نيابي فاشل كسر جرة فرحا برحيله ،او شعر بأن ثقلا أزيح عن صدره على اعتبار انه هو السبب بكل مآسيه ومعاناته وليته استغل حتى الجرة ووفر على نفسه ثمنها لأنه سيحتاج أن يكسرها مرّات أخرى .

إن الاصلاح السياسي التوأم الروحي للإصلاح الإقتصادي، والإجتماعي ،ولا يمكن للإصلاح أن يتحقق إن لم تشبع البطون ، كي ترتقي العقول وتفكر بشكل صحيح وباسلوبٍ علمي وحضاري يواكب روح العصر والتقدم العلمي والتكنلوجي ، ورؤية الأحداث المحيطة بنا بعقولنا لا بقلوبنا ، ومعرفة بواطن الخطر الداخلي والخارجي التي تؤثر على سير العملية السياسية التي لا يراد الوصول لها من خلال الإفقار والتجويع والتركيع ، لتمرير كل المخططات الخارجية التي تخدم أولا المنتفعين من شتى المنابت والاصول ،والمتآمرين خارجيا الداعمين للمتآمرين داخليا لتمرير كوكبة القرارات التي تخدم كل ما هو غير اردني ضمن مشروع مخططٌ له لم يكتمل حَمْلَهُ بعد.

الشعب الاردني طار فرحا برحيل حكومة النسور ومجلس النواب على اعتبار أنهما من أثقلا الدولة بالديون حتى تجاوزت الابعين مليار دولار ،وأفقرا المواطن الأردني حتى اعياه الفقر ، ولم يتم أي زيادة على رواتب الموظفين رغم ارتفاع اسعار كل ما يحتاجه المواطن من ضروريات وكماليات الحياة، وهذا صحيح لا ننكره ،ولكن هل يتحسن الوضع السياسي والاقتصادي في الاردن مع رحيل الحكومه ومجلس النواب؟ .

من يؤمن بذلك فلا يختلف عن تفكير الشيعه في انتظار خروج المهدي من السرداب لتخليصهم من اهل السنة، والانتقام من عُمر وابو بكر رضي الله عنهما ، أولاً العملية السياسية يحكمها أمران ،الأمر الأول وعيٌ ونضوج فكري عند المواطن الأردني أو أي سياسي في موقع المسئولية،بمعنى اعداد جيل تم تدريبه وتهيئته لقيادة العملية السياسية واختيار الكفاءات التي تقود الوطن للنهوض به كما يحصل في دول العالم المتقدمه ، وهذا العنصر مبتور ،نعم لدينا شهادات علمية وخبرات لكنها ليست مؤهله لقيادة العملية السياسية من أجل الاصلاح السياسي الحقيقي ، وإن وجدت بعض هذه القيادات لا يتم اختيارها لتشغل المناصب المناسبة لها من أجل عملية التطوير والتحديث ، وإن تم اختيار بعضها لا يتم توفير الإمكانيات المادية والعلمية لتقوم بدورها من أجل النهوض بالوطن وأبناء الوطن .

والأمر الآخر في السياسة لا توجد وطنية ولكن هناك مصالح سياسية وعلاقات دولية مشتركة بين الدول تمليها الظروف في سن القوانين والتشريعات ، لتواكب المتغيرات على الواقع ،فالضغوطات والاملاءات فوق ارادة اي شخصية وطنية يحلم بها المواطن الأردني الذي يحلم بوصولها للسلطة لتخلصه من همومه وضنك العيش ، ويبقى هذا الأمر وهماً وحلماً .

ومن المشاكل المستعصية في التقدم خطوة في الاصلاح فهي ثقافة الانتخاب ،هذه الثقافة المتجذرة في فكر المواطن الأردني بكل مؤسساته، وهي ثقافة من الصعب نزعها والتخلص منها ، فأي عمليه انتخابية من النادي والمنتدى، الى البلدية، ومجلس النواب، لازالت تقوم على العصبية القبيلية وهي الدور المكمل لدور الدولة في اختيار الحكومة واعضائها التي لم تتجاوز نادرا الطبقة الارستقراطية التي تناسلت وتوارثت(السلطة) رئاسة الحكومات والوزارات، فالمواطن الأردني كما دولته لا ينظر الى اختيار أصحاب الفكر والعلم بقدر اهتمامه التركيز على ابن العشيرة وعلاقة القُربى في تولي أدنى المناصب إلى أعلاها ، فكيف يمكن للعملية السياسية أن تنجح واطرافها الدولة والشعب يسيرون بخطِّ متوازي رغم ما نسمع من صراخ واحتجاجات وتذمر شعبي على ما وصل اليه حالنا على كافة المستويات ونحن الشركاء .

إذا كان المواطن الأردني يحلم بأي تغييرات ملموسه على المدى القريب والبعيد ،وتحسن في الوضع الإقتصادي الحمد لله أن الأحلام ليست وزراً ،ولكن الوزر أن تستفيق ولا تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، ولا بد هنا أن ننوه للشياطين الحقيقية التي تؤرِّقُ مضاجعنا ،من أكبر الشياطين هي منظومة الفساد التي لا يجرأ احد على أن يحاسبها ، أو يغيير من نمط حياتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية التي لا تدوم بدون استمرار الفساد والافساد على حساب عوام الشعب، واعتقد أنّ هؤلاء هم أبناء هذا الوطن وليسوا مستوردين من الخارج ، الأمر الآخر أن هناك أسسا وقواعد لا يمكن أن تتغير في اختيار الدولة لرئيس الحكومة لظروف داخلية وخارجية تمليها المرحلة السياسية لتخدم اجندة محددة ،حتى التشكيلة الوزارية لا تخلو من بعض التوجيهات ،او المحسوبيات على حساب الوطن ،ويبدو ان دولتنا حطمت الرقم القياسي في توارث مناصب دولة ومعالي ، لأن الخدمة والمصالح التي يقدمها الآباء يتوارثها الأبناء ويكملوا المسيرة .

لا يمكن أن نلمس على المدى القريب تغييرات على تفكير المواطن الأردني ليصبح همه وطنه قبل عشيرته، وقريته، ومصالحه، ومنافعه الخاصة ،ولا يمكننا أن ننأى بالسياسة الخارجية عن السياسة الداخلية التي تفرض سياسات اجتماعيه واقتصادية على الدولة والشعب،ولا تستطيع الحكومة ان تتجاوز القرارات الخارجية واملاءات بنك النقد الدولي لتنفيذ كثير من السياسات المفروضة .

من خلال هذه الامور وغيرها الكثير لا يمكن ان نلمس اصلاحا سياسيا ايجابيا يعود بالنفع على العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعيه ،لأن الدولة والشعب يكمّل كل منهما الاخر في تنمية وتطوير منظومة الفساد،وتسهيل الهيمنة الخارجية ،والجميع يعمل على تجنب اختيار الكفاءات النزيهة ،لتقف صدا منيعا في وجه الضغوطات الخارجية وعبث الفاسدين من الداخل .

مشكلتنا ليست بمجلس نواب،ولا حكومه يتم تشكيلها ،مشكلتنا ثقافة شعب يلهث كي يصل وإن وصل حكم وظلم ،ولنا في دولة عبدالله النسور خير مثال ، ولا استبشر خيرا بهذه الحكومة الجديدة التي تم تكليفها فمن وقّع على وادي عربه سيوقع على وادي الموجب، وما لم ينفذ من اتفاقيات السلام في المراحل القادمه سيتم تنفيذه ،وسيستمر الفقر والجوع وتدني الرواتب ،وتستمر الواسطة والمحسوبية ،وبيع نوائب الوطن لضمائرهم مقابل مصالحهم ومنافعهم حتى المجلس السابع والتسعون ،أما إن حصل أي زيادة على الرواتب بشكل مفاجئ وتحسن ملموس على المستوى المعيشي فجأة فاستعذ بالله واقرأ الكرسي والمعوذتين فلن يكون احتراما لك انما أمراً جلل هو قادم ينتظرك .

وإذا أردنا الاصلاح وننتظر أن تتغير الاحوال، هل تستطيع في المرحلة القادمة ان تكون انت أول المصلحين وتبدا بنفسك ؟ هل تستطيع أن تنزع العشائرية والقبليه من فكرك وتختار الافضل ؟ هل تستطيع ان تكون عادلا قبل ان تطالب الدولة بالعدل وتحاسب اي فاسد من ابناء عشيرتك وبلدتك ؟ هل انت جاهز لتطوير فكرك ومعرفة بواطن الخلل وتسليط الضوء عليها ؟ هل أنت قادر على اكتشاف اسباب معاناتك الحقيقية وتستغفر ربك على ذنبك وتقصيرك ؟ أعلم ان هذا مستحيل ،ولكن اعلم أنك تحلم فاستمر بحلمك !!!!

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012