29-06-2011 07:22 AM
كل الاردن -
رائـد العـزام
في خضم كلّ التناقضات العقلية والنفسية التي نعيشها لا أعرف إن كنت أجيد الاستماع أو الحديث،فما رضيت يوما عن ذاك ولا هذا رضاء حقيقيا كاملا،ولكن المؤكد أنّي اليوم بتّ أجيد الصمت أكثر أمام أبسط الأسئلة التي قد توجه إليّ ولكنه صمت الحيرة والضياع.هل تصورت يوما أن يسألك أحد،مثلا،هل أنت مع الحقّ والعدل؟ حينها تصمت لأّنك إن أجبت بنعم فقد يُقصد بذلك أنّك تقف مع وزير السياحة السابق وتطلب براءته وحينها عليك الخروج بمسيرة لنصرته وتأييد موقفه وتبرئته.ومن زاوية أخرى قد يقودك جوابك بنعم إلى فهم مقصدك أنّ البخيت على حقّ وعليك حينها التظاهر دعما له ،وإن قادك صمتك الى الإجابة بلا فأنت مجرم بحقّ الانسانية وتقف مع الفساد والظلم وعدوّ للحقّ والعدل.
لم يكن ما جرى بجلسة مجلس النواب فقط الدافع لهذا الحديث ولكنه قد يكون حرك ساكنا أو خوفا كان يتناوب على الإطاحة بذاكرتي يوما بعد يوم ويرسم في كلّ يوم ألف معنى لكلّ مفهوم يطرح على مسمعي فبتّ أصمت حتى أمام أكثر المفاهيم التي أتوق اليها فلا أجد لها معنى يجتمع حوله الناس بكلّ أطيافهم،فمثلا هل نتفق على معنى واضح للإصلاح والفساد والقانون والدستور والحقّ والعدل والحرية والصحافة والدولة المدنية والانتخابات وقانونها والمصلحة الوطنية والوطنية والانتماء والقومية والمقاومة والمواطنة والبناء والتقدم والاقتصاد والاجتماع وغيرها وغيرها الكثير مما يلقى على مسامعنا؟
بكلّ صدق أصمت أمام أيّ من المفاهيم السابقة، لأنّ فهم معناها مرتبط بحالة السائل أو المتحدث وكيف يرى هذا المفهوم أو ذاك،والحقيقة الأصعب أنّ الثقافة هنا لا تلعب دورا يذكر لحسم الموقف بل ربما تزيد الهوة بين مفاهيم المفهوم الواحد أكثر بين النخب المتعلمة والمثقفة.
في مرحلة بناء أيّ مجتمع لا بدّ من التوافق حول معنى واضح وعلميّ لكلّ مفهوم ليستطيع معه المواطن الاختيار دون وجود مصائد تخلق الخلافات وتجذرها وتبعدهم عن الهدف الأسمى.
وعليه فإنّ حاجتنا اليوم ماسة جدا لفتح حوار وإقامة المؤتمرات الوطنية للتعريف بالمفاهيم العامة والتوافق عليها أولا لا الحديث عنها بعموميات وكلّ حسب منطلقه وأهوائه وفي كلّ واحد منا مئات المعاني لكلّ مفهوم،وربما هذا ما يؤدي عادة الى حالة الفشل في التوافق على أيّ جزء إصلاحي يطرح.
اذا استطعنا اجتياز أنفسنا ولجأنا لفهم توافقي حقيقي لكلّ مفردة من مفرداتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، نكون قطعنا الشوط الأصعب والأكبر في طريق التوافق والتوحد مع الذات والآخر وحينها لا يكون مكانا للصمت أمام أيّ موقف أو سؤال.