05-07-2011 07:34 AM
كل الاردن -
كتب :د. حسين خازر المجالي :
نحترم إرادة الملك في إعادة تكليف معروف البخيت برئاسة الحكومة والتعديل الذي حصل عليها، ولعلها الفرصة الأخيرة للبخيت ليصحح ما أثير حوله من شبهات ضعف وعدم علم بما يجري واستجابته للضغوط الممارسة عليه من قبل جهات متنفذة ساعدت على تزوير الانتخابات البلدية والنيابية عام 2007 وأخرجت قضية الكازينو بهذه الصورة المزرية وساعدت على تهريب سجين أمام أعين أجهزة الدولة جميعها الحكومية والامنية.
كانت عقبة البخيت التي قيدته هي قضية الكازينو التي حصلت في عهده، والتي تمّت بضغوط من قوى متسلطة متحكمة بالقرار بل مغتالة له، وعلى رأسها مدير المخابرات السابق محمد الذهبي، هذا ما كشف عنه وزير السياحة الأسبق الذي كشف خيوطا ينبغي أن لا تمرر بدون توقف ومتابعة وتحقيق، فالبلد في عهد حكومة البخيت الأولى وإدارة محمد الذهبي الأمنية والإدارة الاقتصادية المشبوهة لباسم عوض الله من دفة الديوان الملكي كانت فوضى بدون ضوابط، كان القرار الامني يعلو على كل قرار ويخيف كل شخص ويعتبر حسما حازما لا تردد فيه ولا نقاش، فلا يملك رئيس الوزراء ومجلسه المحترم إلا الإنصياع وقول آمين خلف قراءة الذهبي لفاتحة تخريب الوطن وإيحاءات عوض الله لكل مشروع تخريبي بأنه (من فوق).
فرصة البخيت الأخيرة الآن أن يثبت قوته أمام المواطنين والقوى الحزبية في جلب هؤلاء المفسدين وتقديم كل الوثائق والشهود لإدانتهم، ومراجعة أرصدتهم وتفعيل قوانين الكسب غير المشروع ومن أين لك هذا، ومقارنة الحال قبل وبعد المنصب وكيف قفزت أرصدتهم هذه القفزات الفلكية، هؤلاء الذين استلموا المناصب واستغلوها لغايات جهوية وشخصية ولمصالح ضيقة لا بد من رئيس نظيف قوي يجلبهم واحدا تلو الآخر ومحاسبتهم على تجاوزاتهم وإعادة الاموال والأراضي والقصور المنهوبة إلى خزينة الدولة.
صحيح أن فترة الحكومة مع التعديل ستكون حتى إقرار القوانين الإصلاحية كقوانين الاحزاب والانتخابات والإصلاحات الدستورية، وبعدها سنودع المجلسين: الوزراء والنواب للاستعداد لمرحلة جديدة كنتاج للإصلاحات الجديدة، ولكن من مصلحة الرئيس أن يكسب الشارع الغاضب ويفك معضلة من مطالبه المتمثلة بالفساد والفاسدين، فإقرار القوانين على أهميتها لا يعفيه من المهمة التي باتت تشكل المطلب الأول للشارع وهي محاكمة الفاسدين وإطلاق الرصاصة الأخيرة على الفساد ومؤسساته والأيدي الخفية التي تديره.
يحترم الأردنيون الشخصيات المؤثرة في حياتهم حتى لو لم يروها، فهم يقدرون وصفي وحابس لمواقفهم في حفظ الوطن وصونه من المخاطر والفتن، وها هي الفرصة قد تكررت امام البخيت وأعتقد أنها للمرة الاخيرة ليسطر اسمه في عداد العظام الذين يتذكرهم الشعب في الذود عن مصالحه وحمايته من الفساد وأهله. ولعل أهم ما يبيض وجه هذا الرئيس هو أن يثبت قوته في لجم الفساد وأهله، وفك القيود جميعها عن الحريات، وترسيخ النهج الديمقراطي بلا تجزئة، فلا يجوز أن نُبقي ما نريد ونحذف ما نحذر في ظل انتقائية مخلّة، فالنهج الديمقراطي كوصفة دواء متكاملة للعلاج لا يجوز أن نتناول منها الحلو ونترك المرّ، فالإصلاح له ضريبة لا بد أن ندفعها جميعا: حاكم ومحكومين إن كنا فعلا نحب الوطن ونحرص على تقدمه وازدهاره.
ولا يحتاج البخيت أن نذكره أنه للأردنيين جميعا بأطيافهم وأحزابهم وتعدد أفكارهم ومواطنهم، فهو ليس ابن منطقة او عشيرة ضيقة، وليس من خندق ضد آخر، فالاردنيون جميعا على اختلاف مشاربهم وأحزابهم وقواهم يتنافسون في حب الوطن والحرص عليه، ولا يمكن لذي عقل أن يتهم المعارضة بتخريب الوطن ولا أن يُطمئن من يدّعي الموالاة بأنها هائمة في حب الوطن، بل إن ما لمسناه في الواقع هو خيانة بعض أهل السلطة والموالاة لهذا الوطن الحبيب، فبئس حبهم للوطن وادعاؤهم بالولاء له والانتماء إليه ذاك الذي جعلهم يتجرئون في نهش الوطن وسرقته ونهبه باسم الوطن وادعاء تطويره.
وهناك معضلة مهمة في المسيرة لا بد أن يضع البخيت لها العلاج المناسب، ألا وهي قوى الشد العكسي نحو مسيرة الإصلاح، ولعل أسهل الأسلحة وأهمها يمتلكها البخيت في هذا الموضوع هو إرادة الملك وحرصه على الإصلاح بل والإسراع به، فهذه الإرادة ينبغي أن تعطي الضوء الأخضر للبخيت والشجاعة الكافية للجم كل هذه القوى ذات المصالح الضيقة وتفكيكها، فالأيدي الخفية والعلنية التي باتت تتجرأ وتهدد المسيرة الإصلاحية التي يرعاها الملك بنفسه لا بد أن تقطع أو تقيد، فلا مساومة على الإصلاح ولا مخاطرة بعد الآن بأية توقعات ولا ترحيل لأزمات أو حلول، فالفرصة لا تعوض في بناء أردن متماسك ناضج قوي منتج ديمقراطي بعيد عن المصالح الضيقة التي قادت البلد إلى الحضيض الذي هو فيه الآن.
هل يستغلّ البخيت هذه الفرصة ويسجل اسمه قائدا أردنيا وطنيا شعبيا آثر الوطن ومصالحه على مصالح القوى المتنفذة التي عاثت فسادا عريضا في البلاد؟ أم يبقى كما هو يمرّ دون أن يترك أثرا أو منقبة يتذكرها الأردنيون يوما ما؟ نعوذ بالله من ذلك.
نحسن الظن بالرجال وندعو له بالتوفيق ونذكره بالقول الشهير: وكن رجلا إن أتوْا بعده يقولون مرّ وهذا الأثر. ونحن ننتظر الأثر الطيب والشجاع يا دولة معروف.
أكاديمي من الأردن
husseinalmajali@hotmail.com