25-07-2011 08:22 AM
كل الاردن -
د. حسين خازر المجالي
كنا نظنّ أن الحكومة وأجهزتها المختلفة تقف من جميع القوى الشعبية سواء المطالبة بالإصلاح أو المعترضة عليه مسافة واحدة بهدف تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على الوطن من الانهيار، فهناك المجموعة المطالبة بالإصلاح والتي تمثل قوى مختلفة منها الحركة الإسلامية، والثانية قوى الشد العكسي وهي إما المتكسبة من حالة الفساد التي تعمّ البلاد ويتكسبون منها، أو أولئك المغرر بهم والذين تم الضحك عليهم بتهويل حراك الإصلاح وارتباطه بمؤامرة الوطن البديل وغلبة إقليمية ما على أخرى بدعم خارجي وغير ذلك من المرجفات، لكنّ المتابع لما يجري يرقب حالة من سوء النية عند الحكومة وأجهزتها، فالخطة الحكومية والامنية باتت واضحة في اللعب بقوى الإصلاح، ومحاولة ضربها ببعض لتفتيتها وزرع الفتنة بينها، بالترهيب والترغيب، بالتشكيك والتزوير والدبلجة، بتجييش قوى على أخرى، مهما تكن الوسائل شريفة أو قذرة لكن لا بد من تحقيق الهدف وهو حلّ القوى المطالبة بالإصلاح وزرع الفتنة بينها وبالتالي تساقطها وتفرقها وضعفها وانسحابها من الشارع.
بدأت الحرب إعلامية لإظهار سيطرة الحركة الإسلامية على الشارع وتهميش القوى الأخرى المشاركة في الحراك الإصلاحي، هذا الأمر والحيلة أثارت ضغينة المنادين بالإصلاح من القوى الأخرى، وبدأت حرب الشكوك بين فصائل الحراك الإصلاحي، فانسحبت مجموعة منهم في موقعة النخيل لتظهر للقاصي والداني حجم الحركة الإسلامية، وصار كل فصيل يغني على ليلاه، وتتابعت الضربات الإعلامية من عدة أبواق ومحطات وصحف ومواقع للطعن بالحركة الإسلامية وتشويه مواقفها وقياداتها، وتمّ تسليط الضوء كثيرا على ما يسمى بلقاء همام سعيد بالسفير الأمريكي وما تمّ التخطيط له من خلالهما!! صرنا فجأة ضد أمريكا، وكأن أمريكا إذا أرادت عمل شيئ أن تعمله بالخفاء أو تحت الطاولة، للأسف أمريكا تأمر وتنهى وما على الساسة سوى الإنصياع وقول حاضر سيدي، فهي لو أرادت تغييرا أو لعب دور لفصيل أو آخر فإن ذلك يتم برابعة النهار وعلى الملأ ، وهل تصدقون أن ما تم بين السفير والمراقب العام للجماعة هو اتفاق بينهما على تسلم الإخوان المسلمين للسلطة من العائلة الهاشمية؟ !
هذا ما يتم ترويجه لكسب الشارع والانقلاب على قوى الحراك الإصلاحي والطعن في نواياهم، ولأنّ الإصلاح لا يعرف جغرافيا ولا طائفة ولا إقليم ولا تجمع، فإنّ من المنادين به بقوة هم المتقاعقون العسكريون وما يعرف بتيار الـ 36، فتمّ العمل على التخطيط لشقّ هذا التيار وعزله عن قوى الحراك الإصلاحي حسب ما طالعتنا به بعض المواقع الإلكترونية، وذلك بتخطيط أمني مدعوم من جهات عليا في الحكومة ومنها وزير الداخلية، ستتم خلال هذه اللقاءات تشكيك فصائل الحراك الإصلاحي ببعضها وزرع الفتنة بينها والترويج لأجندة كل فصيل والذهاب به بعيدا عن الوطن والوطنية بل والارتماء في حضن أمريكا وإسرائيل. وأنتم تعرفون وسائل الإقناع المختلفة التي يتمتع بها أهل السلطة.
سياسة (فرّق تسد) سياسة واضحة باتت من ملامح الخطة الحكومية لتفكيك قوى الحراك الإصلاحي وعزلها وجرها إلى حروب داخلية. والمستفيد من هذه الخطوة هو التجمع الثاني الذي يريد للحالة الأردنية أن تبقى على ما هي عليه من فساد ومكاسب شخصية وعصابات حكم وتوزيع مصالح، تماما كما كانت منذ عقد من الزمان، والحكومة بذلك لم تعد طرفا حياديا يحرص على المصلحة العامة للدولة الأردنية بل للأسف انحازت إلى قوى الشد العكسي وضربت الشعب ببعضه وصار الهدف بعيدا عن الجوهر الحقيقي الذي قام الأردنيين لأجله وهو: إصلاح النظام، ليصبح وللأسف المطالبة بحقن الدماء وتمكين الوحدة الوطنية وتفويت الفرصة على من يريدون شق هذه الوحدة والنيل منها، والحفاظ على الأردن من الوطن البديل؟؟!!!
قد تستمر هذه اللعبة وتمرر على المغفلين، لكني أعتقد أن غالبية الحراك الإصلاحي متيقظ من هذه اللعبة ومتيقن من عدم صدقية الحكومة وأجهزتها من المضيّ في طريق الإصلاح، لا زال الفساد قويا ومتمكنا في ذهنية الكثير من أصحاب السلطة، ويخشون لو سار الإصلاح كما نريد أن يقضي على المفسدين واحدا تلو الآخر وتترنح من وراء ذلك رؤوس كبيرة كثيرة.
هي معركة واضحة البيان والملامح بين فريقين اثنين لا ثالث لهما، فريق الإصلاح والانتقال بالدولة الأردنية إلى مرحلة جديدة من الشفافية والمسئولية والتطهير والشراكة في الحكم والقضاء على الفساد وأهله، وبين متخوفين من هذه المطالب ويحبون أن يبقوا على الحال المهين الذي تم استعبادنا واستغفالنا واستهبالنا فيه عقودا من الزمان، فأي الفريقين يا ترى سيتمكن من الآخر؟
المطلوب من الحركة الإسلامية وغيرها من القوى أن تظلّ ثابتة على مطالبها وتدافع عن نفسها في نوايا حراكهم الإصلاحي وأبعاده المستقبلية، أن تظهر للجميع سقف مطالبها وحرصها على الوطن من التجزئة أو التضحية، وأن تتنبه لمطامع قوى داخلية وخارجية في تهيئة الأردن ليكون مفتاح الحل النهائي لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الوطن الذي نحب: ترابا وإنسانا، صحيح أن الدفاع يوهم البعض بالضعف أو سوء النية، لكن لنفوّت على المشككين ما يزرعونه من فتنة، وقولوا للوطن: هذا بلاغ للناس، فباطننا كظاهرنا لا نتقن فنّ التقية والكذب والتآمر، وقللوا من خطابات الاستفزاز والتباهي، ليتحدث الناس عنكم بدل أن تتحدثوا عن أنفسكم، ينتظر الناس منكم خطابا واضحا تبددون من خلاله كل ما يروّج عنكم من تهم ونوايا بعيدة تنتهي بالتواطؤ على الدولة والتآمر لتفكيكها. لا بد من بيان صريح واضح لا يحتمل الاجتهاد، أن الحركة الإسلامية حركة إصلاحية، تحارب فكرة الوطن البديل وتسعى لتمكين الشعب الفلسطيني على أرضه وتدعم دولته المستقلة، وتحافظ على الأردن دولة ذات سيادة ولا يمكن في يوم من الأيام التنازل عن شبر واحد من أجل حل قضية شعب آخر على حساب شعبها الأصيل.
كنا ولا زلنا مع كل مخلص تقي نظيف في هذا الوطن، ولا نحتكر ذلك لفئة دون أخرى، فما أكثر الشرفاء في الوطن، والمطلوب اليوم مزيد من اللحمة والتعاون والتماسك بين فصائل وقوى الإصلاح، والاجتماع على أهداف واضحة، وإبعاد مصادر الخلاف، وتقريب التقاطعات بين هذه القوى وما أكثرها، فالمعركة الآن بين الإصلاح والفساد وجند كل منها، ونحن بين خيارات ثلاثة لا رابع لها:
- السير السلس في طريق الإصلاح وتحقيق المطالب التي ينادي بها الشعب المظلوم.
- البقاء في غياهب الظلم الفسادي الذي عشناه عقودا من الزمان.
- فتنة بين الناس تأكل الأخضر واليابس وتفلت الأمور ويصبح أمرنا بين الجهال ولا أحد يدري أين النهاية.
حمى الله الأردن، وجنبه الفتنة، وعجّل في نيل حريته وعزته وكرامته المسلوبة.
أكاديمي من الأردن
husseinalmajali@hotmail.com