30-07-2011 09:19 AM
كل الاردن -
د. حسين خازر المجالي
إن قال البخيت هذه المرة (لا أدري) عن تأمين الملاذ الآمن لمجرم فارّ من وجه العدالة مطارد من أمن بلده فهذه مصيبة أخرى تلحق بمصائب حكومتنا المهيبة، لا زلنا حتى اللحظة نتساءل عن خالد شاهين، كيف هرب أو هُرّب، ومن وراء تهريبه؟ وكم قبض الوزير والمدير والمستشار والطبيب كي يخرجوا عملية التهريب هذه بكل مهنية وإنسانية وشفقة؟ وبينما ينتظر الأردنيون بكل شغف وصول ذلك السجين المهرّب ليفتح لنا كل الصفحات المحرمة ويكشف لنا كل الأسرار المخفيّة، بينما نحن ننتظر تلك اللحظة نتفاجأ بفرار محمد دحلان إلى عمان بعد حصار قوى الأمن الفلسطينية لمنزله في رام الله. !!!!! كيف تمّ ذلك؟
بلا شك أن دحلان شخصية ذات أهمية كبرى، وأهميته ليست نابعة من كونه من فريق السلطة الفلسطينية أبدا، بل لأنه رجل إسرائيل الأول في فلسطين وعالمنا العربي، فهو يجهر بهذه الصلة وهذا التنسيق وهذا التعاون بينه وبين إسرائيل مستندا إلى الحائط القوي في معادلة الصراع الإقليمية، ومن هنا فهو جوكر اللعبة وسر من أسرارها ورأيه ليس كرأي أحد من السلطة الفلسطينية حتى لو كان رئيسها.
دحلان هذا صاحب الثروة والاستثمارات الضخمة في عدة أماكن، ورفيق لمتنفذين كثيرين في الأردن وغيرها من عواصم الإقليم لا مجال لذكرها، وأصدقاؤه في عمان كانوا في يوم من الأيام قادة أجهزة أمنية، بحكم التنسيق الأمني والعلاقة الشخصية والبزنس القذر، ولا نستغرب أن يمتلك الجنسية الأردنية مثله مثل أي فلسطيني تم تجنيسه حديثا، ولربما يمتلك رقما وطنيا كما كان يملكه رئيس السلطة الفلسطينية وحاشيته وذويهم، فالمطلوب كشف هذه الحقائق من وزير الداخلية وتوضيح إن كان يملك الجنسية الأردنية أم لا، وهل تم استقباله بقرار وطني أردني أم بضغط إسرائيلي لتهريب حليف مجرم من حلفائها، هذا ما نريد معرفته لنقف على حقيقة هيبة دولتنا التي هي دائما على المحك واليوم هي على واقع اختبار حقيقي.
ولمن لا يعرف دحلان فهو مجرم بكل ما تعني الكلمة من معنى، هو أول من قاد الفتنة الداخلية والحرب على حماس وغضب لأنها فازت في الانتخابات التشريعية، وهو وزير الداخلية القوي الذي يسجن ويقتل ويتآمر ويبتزّ نساء وبنات أصحابه في السلطة الفلسطينية، ولمن أحبّ المزيد فليرجع إلى الوثائق التي هددت حماس بنشرها عندما انقلبت على أجهزة الأمن التي كانت تحت إمرته يوما من الأيام. وهو العنصر الذي تستند عليه إسرائيل دائما من خلال شبكة عملائه بتعكير صفو الوفاق الفلسطيني وإفشال أية جهود تؤدي إلى تقارب الفصائل وتحرج الأسياد في إسرائيل.
والجريمة التي هزّت دبي مطلع عام 2010 باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح كانت بالتنسيق الكامل بين الموساد الإسرائيلي ورجلين من رجال محمد دحلان وهما: أحمد حسنين وهو عضو سابق في المخابرات الفلسطينية، وأنور شحيبر وهو ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني وقد هربا من هناك بعد الحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس عام 2007 وسيطرت بموجبه على القطاع، وهذين الرجلين يعملان موظفين في مؤسسة عقارية تابعة لمحمد دحلان في إمارة دبي، وكانا أعضاء في الخلية التابعة لجهاز الموساد التي نفذت الاغتيال والتقيا قائد الخلية التي أعلنت سلطات دبي الأمنية الكشف عنها. وللعلم فإن السلطات الأردنية قامت مشكورة حينها بتسليم هذين الرجلين إلى دبي على الفور وهو إجراء ذكي سليم على الصعيدين الأمني والسياسي.
دحلان الآن في عمان، في فيلته أو قصره، ولربما يحرج الأصدقاء في عمان، ولذلك فمن مصلحتهم أن لا يتواصلوا معه، لكن هذا لا يعفي السلطات الأردنية من السؤال المهم: كيف تمّ دخول دحلان إلى الأردن وقد سبق أن قرأنا أنه مطارد ومطلوب للسلطة الوطنية الفلسطينية؟ ألا يعرّض هذا الأردن لإحراج مع هذه السلطة ويضعنا في دائرة الاتهام لأن دحلان مطلوب في قضايا متنوعة ليس لها آخر وتمسّ الأمن القومي الفلسطيني والتعامل مع جهات خارجية وجرائم القتل على الساحتين الفلسطينية وخارجها.
مثل هذه العمليات أو لنقل الفضائح تترنح على إثرها رؤوس كثيرة، إن لم يكن رأس رئيس الوزراء منها فلا أقل أن يتحمل مسئوليتها وزير الداخلية أو مدراء الأجهزة الأمنية، فمعابرنا آمنة مراقبة محوسبة لا يستطيع الطير الطاير أن يعبرها بدون إجراء قانوني، أما أن نفتح المعابر ونؤمن الطريق لمجرم ملاحق ونحتضنه في عمان الشرف فهذه فوضى وتجاوزات وتلاعبات لا يمكن السكوت عليها، ومن حق كل أردني أن يطالب بتسليم دحلان فورا إلى السلطات الأمنية الفلسطينية، وذلك حرصا منا على علاقات حسن الجوار في زمن صعب يتطلب المصداقية مع الطرف الفلسطيني الذي يهمنا إعلان دولته على أرضه والمحاطة بالكثير من المهددات والأجواء المكهربة.
ننتظر القرار الشجاع من رئيس الوزراء البخيت في هذا الأمر، فقد تعلمنا أن المصالح العليا للوطن أهم بكثير من مصالح اللاعبين فيه، ونحن في غنى عن صداع من نوع آخر يجلبه لنا دحلان ورفاق دحلان على الساحة الأردنية، فمسيرتنا تسير نحو الهدف المنشود وليست بحاجة إلى من يوقفها أو يعكر صفوها من جديد.
أكاديمي من الأردن
husseinalmajali@hotmail.com