07-08-2011 09:54 AM
كل الاردن -
د. جهاد ردايده
بالنظر إلى الظروف والملابسات التي تخللت عملية إنشاء جامعة البلقاء التطبيقية التي رافقتها عملية إلغاء وزارة التعليم العالي حينذاك وضم كليات المجتمع إليها كوريث لوزارة التعليم العالي، وبالنظر إلى الجدل الذي رافق هذه العملية في الأوساط الأكاديمية والسياسية والكيفية التي مرر بها قانون التعليم العالي رقم 6 لسنة 1998 والقانون رقم 5 لسنة 1998 القانون المعدل لقانون الجامعات الأردنية، نجد أن الجهات التي مارست ضغوطاً من أجل إلغاء الوزارة وإقرار القانونين المذكورين آنفاً لم تكن جهات أكاديمية وإنما جهات سياسية استطاعت أن تفرض هذا التغيير بالرغم من وقوف كبار الأكاديميين ضده. لن أدخل هنا في تفاصيل مبررات صانع القرار آنذاك ولكن سأحاول بشكل ما لفت الأنظار إلى آلية اتخاذ القرار:
· سنة 1998 الغاء وزارة التعليم العالي.
· سنة 1998 سلخ الكليات عن وزارة التعليم العالي وضمها لجامعة البلقاء وما رافق ذلك من معاناة مئات المعارين من الوزارة إلى الجامعة.
· سنة 2002 إعادة إنشاء وزارة التعليم العالي.
· سنة 2007- 2011 مشروع بحاجة للحسم: إنشاء هيئة مستقلة للتعليم التقني وضم كليات جامعة البلقاء في الأطراف إليها! أجهض هذا المشروع، ثم ما لبثوا أن جاؤا بمشروع جديد: إنشاء مديرية (أو أياً كان اسمها) للتعليم التقني في وزارة التعليم العالي تسترد بعض الكليات (الحصن والهندسة التكنولوجية بشكل أولي) من جامعة البلقاء مقابل 30 مليون من الخزينة لجامعة البلقاء بهدف إنشاء كلية بديلة في السلط يتم ترحيل الطلبة إليها وما تحتاجه من العاملين في الكليتين المذكورتين وقد لايتجاوز 30% من العاملين وهذا المشروع لم يحسم لتاريخه. و.... حلقة لا تنتهي من التخبط والارتجال ... وذلك لأن صاحب القرار في بلدنا شجاع ... التخطيط بالنسبة له مسألة سهلة غير مؤرقة، فهو ليس بحاجة لمعطيات .. لأنه مُلْهَم .. يعلم ما لا نعلم نحن الذين في الميدان.. يمارس الوصاية علينا ... ينصاع لإلهامه الأعلى ... ويرفض الانصياع للمعطيات السفلى، ولا نملك نحن إلا الإنصياع لقرار صاحب القرار و... الغوث الغوث يا رب.
إن عدم حسم هذا المشروع كان يؤجل مشاريع تحسين وتطوير البنى التحتية في كلية الحصن الجامعية وغيرها بحجة أن الجامعة المركز لن تخصص أية نفقات رأسمالية لكلية قد تنفصل عنها في المستقبل، حتى وصلت الحال ببعض الكليات إلى وضع متهالك في البنى التحتية والمختبرات والمشاغل والوسائل التعليمية. هذا على الرغم من أن هذه الكليات تعتبر رابحة بالمنظور التجاري وعلى رأسها كلية الحصن الجامعية، هذا مع تحفظنا على مصطلح (المنظور التجاري).
إن كلية الحصن الجامعية هذا الصرح العلمي العريق، الذي كان ولا يزال – وعلى مدى ثلاثة عقود – يشكل رافداً أساسياً لمعظم القطاعات التنموية في البلاد بالكوادر المتميزة والمدربة على أعلى المستويات قد وصلت حالة البنى التحتية فيها إلى وضع غير مقبول لمؤسسة كانت في يوم من الأيام منارة إشعاع علمي ومصدر فخرٍ واعتزازٍ على مستوى البلاد بأكملها. ومع ذلك كان ولا يزال أداء العاملين في هذه الكلية مخلصاً ومنتجاً وعلى أعلى المستويات بالرغم من تراجع بيئة العمل وتجلي مظاهر الإهمال والتهميش في هذه الكلية وغياب الاستقرار الوظيفي للعاملين فيها.
إن الله عز وجل قد منح الناس حقوقاً ثابتة ومنها حق الحياة والعمل والمعرفة والاستقرار والعيش بكرامة والسعي وراء السعادة، وقد يضحي الفرد بحقٍ من هذه الحقوق توخياً لهدف سامٍ يؤدي إلى نفع المجموع. ولكن حين ينم استمرار الارتجال والتخبط- في اتجاههما الطائش – عن نية إخضاع المجموع لتعسف مطلق فإنه من حق هذا المجموع أن يبحث عن ضمانات راسخة يصون بها حاضره ومستقبله ومستقبل أبنائه، ولا يجوز في هذه الحال لأيٍ كان أن يحرم أياً كان حقاً من هذه الحقوق الممنوحة من الخالق عز وجل.
فإذا تداعى العاملون في كلية الحصن الجامعية للتحرك من أجل الدفاع عن كليتهم ومستقبلهم واستقرارهم المعيشي والوظيفي - بل وحتى- كرامتهم كمواطنين أولاً فإن هذا حقهم الطبيعي جداً الذي لا تحركه تداعيات موت البوعزيزي حرقاً في قعر يأسه، لأن صبر هؤلاء قد طال ومعاناتهم قد عظمت، ورفع أصواتهم صار ضرورة ملحة تدفعهم دفعاً للمطالبة بحسم هذا المشروع بشكل نهائي وإلى الأبد بعيداً عن كلية الحصن الجامعية التي تشكل تجربة تراكمية فريدة وصرحاً علمياً عريقاً له كينونته الراسخة وامتداداته الاجتماعية والوجدانية في نفوس أبناء الشمال بحيث لا يسمح في المستقبل القريب أو البعيد أن يطل علينا وزير متذاكٍ من نافذة كندية أو أوروبية أو أمريكية بمشروع تغيير اعتباطي مغامر – من أجل حفنة دولارات- يمس استقرار ووجود هذه الكلية والعاملين فيها وطلبتها وأهاليهم.