أضف إلى المفضلة
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024


الموقف الاستراتيجي الجديد : التراث الاستعماري مجدداً ومستقبل العرب خلفهم

بقلم : د. لبيب قمحاوي
24-05-2017 07:50 PM
بقلم د. لبيب قمحاوي*
2017 / 05/ 23
lkamhawi@cessco.com.jo


ابتدأت اهتمامات العرب تتحول في اتجاهات لم تكن مُتـَداَولة على الاطلاق ، بل وكانت تـُعْتـَبَرْ من الظواهر السلبية والمحظورات والمحرمات التي لا يريدها أحد ولا يوافق عليها أحد . فعودة الاستعمار والأحلاف العسكرية والقواعد العسكرية الأجنبية أصبحت مطالب علنية للعديد من الأنظمة العربية والاسلامية ، وأصبح رضا الأجنبي وموافقته على تلك المطالب غاية تلك الأنظمة ومنتهى ما تسعى إليه .

جاءت زيارة دونالد ترمب الأخيرة للمنطقة كتتويج لمرحلة جديدة من التبعية العربية وتكريساً لسلام غامض لا يريده أحد وإن كان الجميع يرغب به . لقد أصبحت عودة الاستعمار تحت أي غطاء وأي مـُسَمـَّى مَـطـْلـَباً عربياً يفوق في أهميته حقيقة الصراع مع اسرائيل ومستلزمات ذلك الصراع . وانتقلت اسرائيل من كونها العدو الرئيسي والخطر الآني والمستقبلي على الأمة العربية لتصبح الحليف المنشود والصديق الموثوق من قـِبَلْ العديد من الأنظمة العربية ناهيك عن الاسلامية . وأصبحت معاداة اسرائيل أمراً مرفوضاً وعذراً تستعمله بعض الأنظمة العربية لتصنيف من يعادي اسرائيل بإعتبارهم إما دولاً مارقة أو منظمات ارهابية معاداتها واجب ، وقتالها بالتعاون مع أمريكا والغرب فرضاً يفوق في أهميته أي أمر آخر . والاطار المطروح الآن لفعل ذلك هو التعاون العسكري من خلال العودة إلى مفهوم الاحلاف العسكرية برعاية الولايات الأمريكية المتحدة وهي الدولة الأقوى في العالم والتي ستهيمن بالضرورة على مقدرات تلك الأحلاف . واذا كان العرب يـَتـَوَقون ، كما صرح بعض المسؤوليـن العـرب ، إلى أن يكون ذلك الحلف شبيهاً بحلف الناتو الذي تهيمن أمريكا من خلاله على حلفائها الأوروبيين ، فماذا يتوقع العرب أن يكون دورهم في ذلك الحلف سوى التمويل وتقديم الضحايا والانصياع لما هو مطلوب منهم . وفي واقع الأمر ، فإن هذا الحلف قد يضم بالنتيجة اسرائيل بإعتبارها أصبحت حليفاً لمعظم الأنظمة العربية في حربها المزعومة على الإرهاب . وهكذا فإن العالم العربي قد يصبح بالنتيجة في حلف عسكري مع إسرائيل يتقاسم معها الأسرار العسكرية والمهمات العسكرية والتسليح .

ماذا يريد العرب من الاحلاف العسكرية وماذا تريد أمريكا والغرب ؟ من نافلة القول أن خطط ومصالح أمريكا في العالمين العربي والاسلامي تتعارض بشكل أساسي مع دول وشعوب تلك المناطق . وهذا التعارض في المصالح قد لا ينطبق على الأنظمة الحاكمة كون أولويات تلك الأنظمة تنحصر في البقاء في الحكم حتى لو كان ذلك على حساب استقلال ومصالح الدول التي يحكمون .

إن حلف الناتو هو نتاج هزيمة أوروبا لنفسها في الحرب العالمية الثانية وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية التي ورثت دول أوروبا الاستعمارية . حلف الناتو يعكس هيمنة امريكا العسكرية على أوروبا وما زال . والعرب والمسلمين يتنادون الآن للمطالبة بإنشاء حلف عسكري يربط الدول العربية والاسلامية بأمريكا على غرار حلف الناتو والذي سيكون تتويجاً لهزيمة العرب والمسلمين لأنفسهم واستسلام انظمتهم الطوعي لأمريكا .

ولكن لماذا ترغب دولة مثل أمريكا بالدخول في تحالف عسكري على غرار حلف الناتو مع دول عربية واسلامية ؟

في الحقيقة أن مصلحة أمريكا تتطلب انشاء مثل ذلك الحلف في حين أن المصلحة العربية والاسلامية لا تتطلب ذلك بل تتنافي وأهداف ذلك الحلف حيث أن الحلف المقترح يهدف من وجهة النظر الأمريكية إلى ما يلي :-

أولاً : اخضاع القوى والجيوش العسكرية والأمنية للدول الاعضاء في الحلف للقيادة الأمريكية المباشرة وعلناً .

ثانياً : إلزام الدول الأعضاء في الحلف بالأهداف والخطط العسكرية للحلف وأولويات ومسببات الصراع والحرب كما تراها أمريكا .

ثالثاً : بناء القواعد العسكرية الأمريكية أينما أرادت أمريكا على أراضي الدول الأعضاء في الحلف .

رابعاً : التطبيع العسكري مع إسرائيل إما من خلال ادخال إسرائيل في عضوية الحلف مباشرة أو من خلال اتفاقات التعاون العسكري الأمريكية – الاسرائيلية . وهذا يعني أن الدفاع عن أمن اسرائيل سوف يصبح من مسؤوليات ذلك الحلف سواء مباشرة أو بطريق غير مباشر .

خامساً : فتح اجواء وأراضي كافة الدول الأعضاء ، العربية والاسلامية ، للنشاطات العسكرية الأمريكية ومن خلالها الاسرائيلية وعلناً .

سادساً : استعمال الجيوش والقوات العربية كحطب في أي مواجهات عسكرية عوضاً عن ارسال جنود أمريكيين وتعريض حياتهم للخطر .

سابعاً : استعمال مال النفط العربي لتمويل ذلك الحلف ومشترياته من السلاح والتي ستكون بالطبع أمريكية الصنع .

ثامناً : استعمال هذا الحلف للدفاع عن مصالح أمريكا ، ومنها اسرائيل ، أولاً وبشكل أساسي .

تاسعاً : بلورة الهرم العسكري للحلف وعلى رأسه أمريكا وتحويله إلى مؤسسة عسكرية . وهكذا تتم التضحية بالسيادة العسكرية للدول العربية على جيوشها وتصبح تلك الجيوش بإمرة قيادة الحلف الأمريكية ، علماً أن العقيدة العسكرية الأمريكية لا تسمح لأي جندي أو ضابط أمريكي بتلقي أي أوامر إلا من ضابط أمريكي أو من قيادة عسكرية أمريكية ، وهذا لا ينطبق على باقي القوات التابعة للحلف كما هو عليه الحال في حلف الناتو .

عاشراً : الحلف العسكري سوف تكون له تبعات سياسية إذ أنه من المعروف أن من يملك القوة العسكرية يملك قوة القرار السياسي . والخطورة هنا أن اسرائيل ، سواء ذكر ذلك أم لا ، سوف تكون موجودة في عباءة الحلف وثناياه .
وأخيراً ، فإن هذا الحلف يهدف إلى أمرين أساسين :-

1. مأسسة وعلنية التبعية العربية والاسلامية لأمريكا .

2. التطبيع الشامل الكامل العلني ، بما في ذلك التطبيع العسكري والأمني ، مع اسرائيل ، وجعل مسؤولية أمن اسرائيل مسؤولية عربية واسلامية .

هذه هي الحقيقة مهما كانت مرارتها .

هل يمكن أن يصبح الحال أكثر بؤساً من ذلك ؟ والاجابة نعم . فهذا المسار سوف يؤدي حتماً إلى دمار العالم العربي واندثار دُوَلـِه الواحدة تلو الأخرى . وما قد يتبقى منها سوف يدور في فـَلَكْ قوى الاستعمار واسرائيل ككيان تابع وليس كدولة مستقلة ذات سيادة حقيقية . إن المسار الوحيد المفتوح الآن أمام دول العالم العربي بوضعها الحالي يتمثل إما بالانصياع الكامل أو الدمار الشامل كما حصل للعراق وسوريا وكلا الخيارين مـُرّ ْ.
* مفكر ومحلل سياسي

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
24-05-2017 08:18 PM

ان كل ما ذكره الكاتب حقائق على الارض والواقع ولكن الكاتب قلل من الدور الاسرائيلي المستقبلي لان اللوبي الصهيوني هو من يتحكم في السياسة الخارجية لامريكا تجاه العرب وبالتالي ستصبح اسرائيل الكبرى و محج للعرب لفض النزاعات فيما بينهم وستصبح الآمر الناهي ورضاها مطلب

2) تعليق بواسطة :
24-05-2017 08:21 PM

الفسطاط الاول هو متحالف مع المحور الصهيو امريكي وهم العربان ودول العالم الاسلاموي والغرب.
والفسطاط الثاني هو المحور العربي الاسلامي ومعهم روسيا وايران والصين ودول البريكس

من سينتصر جلي وواضح هو الفسطاط العربي ومعهم حلفائهم و...

هنالك معركة شاملة ستكون في المنطقه حدودها تركيا شمالا حتى اليمن جنوبا وفلسطين ولبنان غربا والعراق ودول الخليج شرقا وستزول دويلات ...

3) تعليق بواسطة :
25-05-2017 09:16 AM

كاتبنا الكريم يعلم بان دولنا ككثير من دول العالم لم تستقل ورتينا كيف ان اقوى قطر عربي والذي كانت تتوفر له كل الإمكانات قد تم احتلاله ب اربعين يوم وهو لا زال وكما قال جيمس بيكر الى طارق عزيز سنعيدكم الى العصور الوسطى وقد فعلوا
النظام الايراني الحالي والسابق هو نظام مجرم والشعب الايراني هو مبتلى وشاهدنا ما حدث ويحدث في العراق
البعض يظن بان روسيا دولة صديقة روسيا لم تكن صديقة في يوم من الايام

4) تعليق بواسطة :
29-05-2017 09:50 AM

كثيرا ما تأملت في المقولة التي ألفنا سماعها مرارا وتكرارا وهي ان أهداف اسرائيل هي إقامة دولة كبرى ما بين نهري النيل والفرات. وما اعتقده في هذا الصدد هو ان أهداف اسرائيل هي إقامة دولة تحكم العالم من القدس، ويبدو انها في طريقها لتحقيق ذلك. اقول هذا لان مصدر هذا الفكر لا زال قاءما منذ الازل الذي بداء بفكرة شعب الله المختار الى يومنا هذا فقناعة اليهود لم تتغير ولا اعتقد انها ستتغير في المستقبل.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012