21-08-2011 09:08 AM
كل الاردن -
حسان الرواد
في لقائه الأخير على قناة الجزيرة الفضائية وفي برنامج بلا حدود بتاريخ 7/5/2008 وقبل وفاته ببضعة شهور قال المفكر العربي الكبير المصري عبد الوهاب المسيري (رحمه الله) صاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية عندما سئل في بداية الحلقة التي حملت عنوان ( مستقبل إسرائيل وإرهاصات نهايتها) عن الواقع في (إسرائيل) بعد ستين عاما من اغتصابها لفلسطين فرد قائلا:' الواقع متدهور...وأنا دائما مصادري ليست الصحف العربية ولا بقدر الإمكان الأمريكية, مصادري دائما الصحف الإسرائيلية...' وأثناء مقاطعة الإعلامي أحمد منصور له بقوله:' هل الصحف الإسرائيلية تعكس حقيقة الواقع الإسرائيلي...' أجابه بقوله:' الصحف الإسرائيلية تعكس الفوضى الإسرائيلية, لكنها بالمناسبة من أكثر الصحف حرية في العالم؛ بمعنى أن هامش الحرية بالنسبة للصحف الإسرائيلية شيء مدهش للغاية, وبالتالي فهي مصدر خصب للغاية للمعلومات'.
من خلال تلك المقدمة أردت الوقوف على خبرين مهمين نشرتهم الصحف الإسرائيلية خلال بضعة أيام وكلا الخبرين يتعلقان بالأردن...
في الأسبوع الفائت نشرت صحيفة (هآرتس) مقابلة صحفية مع الصهيوني المتطرف أرييه إلداد عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس جبهة (من أجل أرض إسرائيل) المتطرفة التي تضم أكثر من أربعين عضوا من الكنيست والوزراء, حيث تحدث بكل وقاحة عن إعادة طرح المخطط الإسرائيلي القديم الجديد الذي يعتبر الأردن الوطن البديل للدولة الفلسطينية... كما لم تخلُ تصريحات هذا المتطرف من الإساءة الواضحة لسيادة الأردن ووحدته الوطنية من حيث ربطه الخبيث بين الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ومخطط الوطن البديل باعتباره سينتج الدولة الفلسطينية على حد وصفه, كما أنه أساء لرمزية الدولة الأردنية من خلال قوله:' إن مجرد البحث في هذا الموضوع يسبب ضررا لإسرائيل في علاقتها مع الأردن, لكن من وجهة نظري فإن ملك الأردن لن يبقى طويلا في الحكم ومن الخطأ الرهان على حصان ميت وهذا الفرق بيني وبين صناع القرار في إسرائيل ويخيل لي أن الكثيرين منهم سيرحبون علنا أو سرا في إقامة دولة فلسطينية في الأردن'
وعلى أمل أن يخرج من الجانب الرسمي الأردني ردة فعل على تلك التصريحات التي تهدد كيان الدولة الأردنية من شخصية تمثل تيارا واسعا في الكيان الصهيوني...أو أقلها أن يخرج تصريح من مجلس النواب الأردني (الذي رفض بغالبيته شمول الدقامسة بالعفو العام) للرد على تلك التصريحات نفاجئ بالخبر الآخر الذي لم تنفيه المصادر الرسمية الأردنية و نشرته صحيفة (يديعوت احرونوت) الإسرائيلية نقلا عن مصادر غربية في أن الأردن قد زود الجانب الإسرائيلي بمعلومات عن إمكانية وقوع عملية عسكرية في مدينة إيلات وهو الأمر الذي وقع في نهاية نفس الأسبوع ...
وبالعودة للمفكر المصري المسيري الذي ذكر أن هامش الحرية لدى وسائل الإعلام الصهيونية كبير وأنها مصدر خصب للغاية عن المعلومات؛ فإننا ندرك حقيقة مفادها أن تلك الصحف لا تتردد كثيرا في إحراج حلفائها أمام شعوبهم رغم الخدمات التي تقدم لهم ولأمنهم...
ثم في الوقت الذي كنا نأمل من وزارة الخارجية الأردنية, أو أي مسؤول أردني إدانة تصريحات المتطرف أرييه إلداد التي مست وجود وكيان الدولة الأردنية ورأس هذه الدولة إلا أننا لم نسمع شيئا يرد الاعتبار...أما مجلس النواب فقد نجح كثيرا عندما رفض بغالبية أعضائه شمول أحمد الدقامسة في العفو العام حرصا منه على علاقة الأردن الرسمية بالكيان الصهيوني... لكنه أي المجلس فشل بامتياز بالرد على تلك التصريحات التي أساءت لمشاعر كل الأردنيين ومليكهم...
بصدق أشكرك أرييه إلداد... فقد أنعشت ذاكرتنا, وكنا قد نسينا أن عدوا لنا يقبع خلف النهر ما زال متربصا بنا, وعينه لم تغفل عنا يوما كما غفلت عنه عيوننا وقلوبنا, فقد نامت وصامت عنه ألسنة وعقول وقلوب وعيون مسؤولينا التي قرّت أعينهم منذ عقود, فاكتفوا بالانشغال فينا وفي أحلامنا يرقبون كل همساتنا وتسبيحاتنا...حتى تناموا قريري الأعين...
شكرا لك إلداد...وأنت ما زلت تذكّرنا بأننا مستهدفون منكم رغم تسليمنا ومعانقتنا وودنا الحميم لكم صباح مساء...شكرا لك لأنك وكنيسكم تذكروننا بأن مجلس نوابنا (المنتخب) قد رفض بغالبية أعضائه الإفراج عن أحمد الدقامسة حرصا على مشاعركم المرهفة في حين أنكم تصوّتون بديمقراطيتكم التي تعبرُّ فعليا عن شارعكم وأفكار مواطنيكم, فتصوّتون دون حرج منا لصالح قرارات إزالتنا عن الخريطة...
ليت عندنا من النواب من يحمل فكرك المتطرف يا إلداد, ليت نوابنا كنوابكم يردون القانون بقانون والتصريح بتصريح والمؤتمر بمؤتمر... فلربما ما تجرأتم علينا كل يوم, ليت عندنا مثلك يا إلداد ومثل جبهتك (من أجل أرض إسرائيل) تحت قبة برلماننا (المنتخب) تفكر كما تفكرون بغيرة وحرقة على مستقبل (البلاد) بعيدا عن كل المعاهدات المحترمة من جانب واحد... نقدر ديمقراطيتكم لأنها حقيقة غير مزيفة وأعضاء الكنيست عندكم يعبرون عن نبض كل مهاجر ومستوطن قد صوّت لهم, فلا تحرككم أصابع من جاءت بكم زورا وبهتانا فترتهنون لهم, فأنتم مرآة صادقة لشعبكم...؟؟
قبل أيام يا إلداد وأثناء استراحة ما بين صلاة التراويح, خرج أحد المصلين يلقي لنا درسا, لكنه اختلف كثيرا عن الدروس والخطب التي نسمعها منذ سنوات وتحديدا بعد اتفاقية وادي عربة, فقد ذكّرنا هذا الشيخ بحقيقة الصراع الذي بيننا وبينكم والذي ما عاد يذكر على المنابر أو بعد الصلوات حرصا على مشاعركم وصونا للعهد الذي بينكم وبينهم...حقيقة هذا الصراع الأزلي صراع العقيدة لا صراع الأرض والحدود..حقيقة أنكم العدو الأوحد لنا المغتصب لكل فلسطين والمصُدّر لنا كل أزماتنا ومصائبنا... حقيقة أنكم العدو والسرطان المتآمر علينا وعلى الشعب الفلسطيني...بصراحة وأنا أستمع لهذا الشيخ يا إلداد شعرت بأني أسمع هذا الكلام لأول مرة ...
أقولها لك يا إلداد وأنا من أصول أردنية, لم ولن يكن الفلسطيني يوما عدوا لي أو مصدر تهديد لوجودي...و مهما نفثتم من سموم لن تغيروا واقعا وحقيقة تقول أنكم عدونا الأوحد, فأنتم فقط الغرباء اللقطاء الذين جاؤوا من كل بقاع الأرض لتكونوا غربي النهر ونحن شرقيه, فيتحقق الوعد الإلهي الذي تعرفونه...ألا إن وعد الله حق يا إلداد.
rawwad2010@yahoo.com