30-09-2011 08:01 PM
كل الاردن -
الأستاذ الدكتور أنيس خصاونة
شهدت الجامعات الأردنية الرسمية منذ إنشائها تجارب عديدة في إدارتها والهياكل المرجعية المنوط بها الإشراف على شأن التعليم لعالي حيث ابتدأت هذه التجارب بمجالس الأمناء، واللجان الملكية وخصوصا في المراحل الأولى لإنشاء الجامعات ،ومجلس التعليم العالي ثم عادت هذه الجامعات مع تزايد عددها وتعقد مشاكلها وتحدياتها الأكاديمية والمالية والإدارية إلى تشكيل مجالس الأمناء وتفويضها الصلاحيات المتصلة برسم السياسات العامة والإشراف العام على الجامعات. والحقيقة أن سياسات التعليم العالي المتصلة بالأشكال القانونية والإدارية لإدارة جامعاتنا يسودها تخبط واضح يعكس عدم وجود رؤيا واضحة ومحددة لكيفية التعامل مع النمط الإداري الأنسب تطبيقه في الجامعات. إن هذه التخبط والإرباك يعود ربما إلى تراجع الإرادة السياسية والدعم السياسي للجامعات والذي تمثل بعدم توفير المال اللازم لتسيير وتطوير الجامعات، وإرهاق الجامعات وموازنتها وطواقمها بالبعثات والمنح الحكومية المتعددة دون تغطية التكاليف المترتبة على إبتعاث أعداد هائلة من الطلبة حيث تجاوزت نسبة الطلبة الذين شملتهم هذه البعثات والمنح في بعض الجامعات في جنوب المملكة أكثر من 70% من مجموع طلبتها.
تجارب مجالس الأمناء نجحت في الماضي عندما كان لدينا الجامعة الأردنية لوحدها ولم يكن لديها مشاكل مالية حيث كانت تستفيد من دعم سياسي ومالي كبير من الحكومة ومن تحصيل الضرائب المخصصة لها. ونجاح الجامعة الأردنية برأينا المتواضع قد لا يسجل لمجلس أمنائها بقدر ما ينسب إلى شخصيات رؤسائها الأوائل أمثال الدكتور عبد السلام ألمجالي وناصر الدين الأسد والاهتمام الحكومي بها.جامعة اليرموك سجلت أيضا نجاحات مشهودة ليس بسبب مجالس أمنائها ولكن بسبب إدارتها وبعض رؤسائها، فنجاح الدكتور عدنان بدران كأول رئيس لها لم يكن بسبب اللجنة الملكية التي شكلت لها عند التأسيس ولكن بسبب شخص وكفاءة الدكتور بدران نفسه وربما الدعم الذي تلقته الجامعة من الحكومة آنذاك والتي كان يترأسها شقيقه مضر بدران،وينطبق ذات الأمر على إدارات كل من الدكتور محمد حمدان وانتهاء بالدكتور فايز الخصاونة حيث أن أنماط إداراتهم مشهود لها بالمساهمات الفعلية في تطوير جامعة اليرموك أو المحافظة على مستواها ونوعية مخرجاتها وسط تضائل وتراجع الدعم الحكومي للجامعات الرسمية.
تجربة مجالس الأمناء والتي مر عليها عدد غير قليل من السنوات لم تضف شيئا للجامعات، ولم تجمع مالا ولا تبرعات لها، ولم تعالج لا مشاكل أكاديمية ولا مالية ولا إدارية، لا بل فإن هذه المجالس ورؤسائها أصبحت عبئا غير مبرر على هذه الجامعات من خلال المقاعد الدراسية لأبناء وأحفاد رؤساء وأعضاء هذه المجالس ،ومن خلال قوائم رؤساء مجالس الأمناء المتضمنة قبول أعداد لا بأس بها من الطلبة في تخصصات لم تمكنها معدلاتهم من القبول فيها ،ومن اجتماعاتها وتداولاتها والتي يمكن توصيفها بأنها إهدارا للوقت والمال والجهد للإعداد لاجتماعات يتم الموافقة فيها على كل ما يتقدم به رئيس الجامعة للمجلس فيما يتصل بالتعيينات وإقرار الموازنة وغيرها ناهيك عن تدخل بعض رؤساء مجالس الأمناء في تعيين أصدقائهم ومحاسيبهم في الجامعة.
لقد مل العاملون في الجامعات أعضاء هيئة تدريس وإداريين من مجالس الأمناء واللجان الخارجية التي تدير الجامعات الرسمية ،فالتجارب والنتائج على الأرض لا تشير إلى فائدة مجزية لهذه المجالس واللجان. وقد طالعتنا بعض الصحف الإلكترونية قبل أيام بتصريح أو اقتراح لرئيس الجامعة الأردنية الدكتور عادل الطويسي الذي نحترم شخصه ومهنيته العالية يتضمن إنشاء لجنة ملكية مرجعية تمارس الإشراف على سياسات الجامعات بديلا عن مجالس الأمناء وربما مجلس التعليم العالي. والحقيقية أننا لا نؤيد اقتراح رئيس الجامعة الأردنية منطلقين من اعتقادنا بأن اللجنة الملكية العليا المقترحة التي يمكن أن تجتمع مرة أو مرتين أو ثلاث مرات في العام لن يكون بمقدورها الإحاطة والإلمام بشكل شمولي بالمشاكل والتحديات المتنوعة التي تواجهها الجامعات الرسمية ولن تستطيع التعامل مع الأجندات الكبيرة لهذه الجامعات إضافة إلى أن مثل هذه اللجان الملكية قد تزيد من تسييس الجامعات وإطلاق يد السياسيين وأعضاء اللجنة الملكية المقترحة في التدخل في الشؤون الأكاديمية والإدارية للجامعات خصوصا في الحالات التي يتولى رئاسة الجامعات أشخاص من ذوي الكفآءت المتواضعة والذين تم تعيينهم أصلا في مواقعهم لأسباب سياسية أو تمثيلية لمناطق أو عشائر معينة. الجامعات الأردنية جربت لجان ومجالس كثيرة جلها إن لم يكن كلها لم تكن نافعة، وأعتقد أننا لسنا بحاجة لمزيد من هذه التجارب غير الناجحة كما أننا نرى بأن توفير الدعم السياسي الحقيقي للجامعات لا يتحقق بإنشاء لجان ملكية للإشراف عليها ولا مجالس أمناء تبدوا مهامها ظاهريا أنها جوهرية ومهمة على الورق ولكنها في الواقع تمارس مهاما شكلية لا تسهم في رفعة الجامعة ولا تطورها .
الدعم السياسي الحقيقي للجامعات يمكن أن يتجسد من خلال احترام استقلاليتها وشخصياتها المعنوية،ومن خلال عدم تدخل الأجهزة الأمنية السافر في انتخابات الطلبة، وتعيين الرؤساء ونواب الرئيس والعمداء،ومن خلال توفير الدعم المالي الحقيقي للجامعات،ومن خلال تعيين رؤساء جامعات من ذوي الكفاءات الأكاديمية والقيادية وليس لاتجاهاتهم السياسية وخصائصهم القبلية والعشائرية. نعم لا نريد مجالس أمناء ولا لجان ملكية ونريد بدلا من ذلك تعيين رؤساء جامعات حقيقيون لديهم حس عالي بالنزاهة والحرفية والقيادية وخاضعون للمسائلة والمحاسبة أمام القضاء عن إخلالهم بمهامهم واستغلالهم لسلطاتهم لمنافع خاصة، وتوفير دعم سياسي حقيقي للجامعات يتمثل بتشكيل مجلس تعليم عالي من نخبة من أعضاء هيئة التدريس والقيادات الأكاديمية والكفآءت المشهود لها في القطاعين العام والخاص.الجامعات الأردنية لم تعد تحتمل مزيدا من التجارب غير الناجحة والمجالس الشرفية ذات الصبغة الإحتفالية، واللجان البراقة غير المنتجة، والرؤساء الذين يديرون جامعاتهم بطريقة الزعيم وشيخ القبيلة .كفى ثم كفى تجارب استنزفت مقدرات جامعاتنا وسمعتها وهيبتها إذ انه ليس من المعقول أن تكون قدرتنا على إنشاء وإدارة جامعاتنا قبل نصف قرن عندما كان نصف المجتمع الأردني يرزح تحت نير الأمية والجهل وتبعات الاستعمار أفضل من قدراتنا الحالية في القرن الحادي والعشرين قرن المعرفة والمعلومات والاتصالات.