أضف إلى المفضلة
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024


عبد الرحمن بدوي ونجيب محفوظ ومخبران

بقلم : سمير عطا الله
05-01-2018 06:00 PM
بدأ نجيب محفوظ حياته مع المقاهي العام 1943 أي قبل عقد كامل من 23 يوليو (تموز). وسوف يقول فيما بعد، إن المقاهي كانت الينبوع الذي غرف منه الكثير من أبطاله وأشخاصه. وكان مقهاه الأول، «قشتمر» في العباسية، حيث تحولت الجلسات فيه إلى ندوة يحضرها الرفاق من المنطقة. ثم انتقلت الشلة إلى مقهى «عرابي»، ومن ثم «ندوة الأوبرا».

وذات مرة تقرر أن يمر موكب الرئيس عبد الناصر مع ضيف أجنبي من ميدان الأوبرا إلى الأزهر، فلاحظ أحد ضباط الأمن وجود مجموعة في مقهى، فأخبروه أنها ندوة تعقد منذ 1943، فأصر على أن تحصل كل مرة على إذن من مركز الشرطة القريب.

وبعدها أصر على أن يحضر مخبر «سري» جميع الجلسات. تخيل المخبر المسكين يدون ما يسمع لكي يرفع تقريراً عن احتدام الجدال حول سارتر وألبير كامو وكافكا. ومن أين له أن يعرف سبب الشجار حول مدى تأثر وليم فوكنر بحياة الجنوب الأميركي.

وخاف الرجل. وقال لنجيب محفوظ إنه يعيش من كتابة ذلك التقرير، لكنه لا يفهم شيئا مما يسمع. وصارت لمحفوظ مهمة جديدة: أن يساعد المخبر في وضع تقريره الأسبوعي مع التركيز على العمق الإنساني عند تولستوي! العام 1967 جاء الدكتور عبد الرحمن بدوي، عميد الفلاسفة العرب، لتدريس المادة في جامعة بنغازي. لم يحتفِ به أهل الأكاديميا وحدهم، بل جميع المدينة المتعطشة إلى العلم.

يروي سالم الكبتي في كتابه الجميل «عبد الرحمن بدوي في بنغازي» أن المفكر المصري أمضى السنوات الأولى في سعادة.

ولم يكن جمهوره داخل حرم الجامعة فقط، بل في كل المدينة الصغيرة. ثم أطل الفاتح من سبتمبر وهلت معه ثورته. وظل عبد الرحمن بدوي يذهب إلى الجامعة كل يوم ليعطي الدروس في نحو 60 شخصية فكرية عالمية وضع عنها مؤلفات عديدة.

ذات يوم اقتيد عبد الرحمن بدوي وشهاداته العلمية والفخرية وتاريخه في الجامعات العربية داخل وخارج مصر، إلى أحد سجون «اللجان الشعبية». وظل في ذلك الجحيم ستة أعوام، بين عقوباتها، أو أقساها، الحرمان من جميع الكتب إلا «الكتاب الأخضر». يخبرنا سالم الكبتي، أن الذي أدى بالبدوي إلى السجن، كان تقريراً كاذباً وضعه طالب كاذب كان يصعب عليه أن يستوعب محاضرات الدكتور بدوي. وبدل أن ينتقل إلى قسم آخر، قرر أن ينقل قامة فكرية مثل بدوي إلى سجن صاحب «النظرية الثالثة» البديلة للرأسمالية والاشتراكية، أو كان في إمكانه أن يطلب من أستاذه مساعدته أو إعفاءه. لكن عندما سمع الأستاذ يتحدث عن أفلاطون وسقراط والفارابي، ظن ذلك دعوة إلى «الانهزامية» وهو ما يرفضه الأخ القائد.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012