هند خليفات

تلك اليمنية التي صبغت على جبينها نداء الثورة.. وتلك التونسية التي خرجت وهتفت بالميادين، وتلك المصريات اللواتي حينها كن «كليوبترات» و»فرعونيات» و»قدعات» بكل ما تحمله الثورة من فعل متماسك يناهض الفكر الذكوري العربي والوصاية التي امتهنها الرجل العربي على المرأة حتى في حق تقرير المصير السياسي.. ابحث عن الليبيات اللواتي أيقظن الفجر وأعددن طعام الثوار وغلفنه ووزعنه على مدى أكثر من شهرين؟
عن النساء المتحررات الواعيات اللواتي خرجن في ميادين الثورات وتقدمن الصفوف ، خاطرن بأعمارهن وشبابهن.. هجرن صالونات التصفيف وفن تدريم الأظافر وواصلن القتال بمعركة البيت وشؤونه اللامنتهية الأزلية ووصلنها بشؤون سياسية غاية في التحدي ..عنهن اليوم أبحث واسألكم ..: أينهن الآن؟
لو سلمنا ان بعض تلك الثورات انتهت فرضيا وأن الأنفال السياسية في الانتخابات البرلمانية وحتى الحكومية والرئاسية قد دنا قطافها.. فأينهن الان من تلك الأنفال والأغنام التي تداولها الرجال بأدق تعميم؟!! كمشة نساء لا تتجاوز أصابع اليد وصلت في تونس وأقل في مصر!! الناجيات اللواتي بطلوع الروح حصلن على مناصب وكراسي لا تتجاوز حمولة باص صغير بأول جولة سياسية طازجة مولودة حديثا من رحم ساحات الدم والتعذيب والاعتقال ..
أين نساء الثورة المثقفات الحقيقيات؟ ولماذا برز إعلاميا بعد تقسيم الكعكة السياسية كمشة نساء؟..
أينهن السنديانات الصلبات ..شبيهات السرو والصنوبر بهممهن ورقيهن ورشاقتهن الفكرية؟ .. أينهن من مشهد مابعد الثورة؟ النساء اللواتي فقدن ازواجهن وأبناءهن وشققن أثوابهن حسرة ووجعا ورابطن بالميادين وكتبن على اثوابهن وبأقلام كحهلن : حرية حرية ..؟!!
لم يسلم من صور النساء - حطب الثورات - إلا مشهد السيدة المصرية التي تم سحلها بالميدان، ومشهد دهس صدرها بكعب رجل أمن؟ أينهن اليوم؟
اكاد أصل الى قناعة حتمية أن النساء دوما هن وقود الثورات ومزوداتها بالدم والأعصاب ..هن المدفوعات بالموت المسبق والمقذوفات والمذمومات حين الثورات ...نساء الثورات كخبز الشعير مأكولات مسحوقات ومذمومات ومبعدات بنهاية المطاف وحين موسم  توزيع الأنفال، ولا يسلم منهن إلا النزر القليل أو الغث المسموم كما في الثائرة العارية ..ستر الله عليها وعلينا أجمعين!!
فالثورات السياسية العربية وإن حررت المرأة مؤقتا وأطلقتها من مهاجع الوصاية الذكورية المطلقة خلال اشتعال الثورات وفورتها وفوران تنورها هي مقرونة بتحييد المرأة فيما بعد انتهاء الثورة أو حتى أول موسم جني التغييرات ..فالثورات التي يديرها الرجال تتحول لثروات يعرفون جيدا كيف يتقاسمونها ويخصون بها أبناء جنسهم!! ولتبق المرأة رفيقة الطناجر.. ولغط الحناجر.. رفيقة «البامبرز» وأقراص «فانش» والباحثة دوما عن سر سعادة الرجل العربي الذي لا يعلم إلا الله سر سعادته!!..
فمن التحرير للتحييد طريقك يا بنتي .. مفقود مفقود مفقود ..يا بنتي!!
فيا نساء الثورات ..لا تكنَّ مجرد حطب التنور ..كنَّ يد ومِحراك القدر حين يفور..فالثورات هي الثروات التي يجب ان نتقاسمها مع اخوتنا الرجال!! وعليهم يا نسوان!!