أضف إلى المفضلة
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024


الزميل علي سعادة يكتب : إلى أين نمضي وسط هذا الهراء الفارغ؟

بقلم : علي سعادة
14-07-2019 06:43 PM

حسنا، حتى لا أقع ضحية أي شخص مسكون بتسطيح الآخرين أو تخوينهم من خلال وضعه ضمن مجموعة أو وسط محدد، فأنا أدعي بأنني أنا المولود في مدينة عمان/ جبل التاج أن بإمكاني السير في عمان من المدرج الروماني ونزول جبل التاج والجوفة باتجاه شارع طلال والوصول إلى آخر شارع المهاجرين، والعودة عبر سقف السيل والوصل إلى دوار النشا ووادي النصر والهاشمي والمحطة، وأنا مغمض العينين.
حسنا، مرة أخرى، وسيكون هناك كثير من الحسنات، فإن حبي وانتمائي لعمان وللأردن وخوفي عليه لا يدانيه شيء، ولست من النوع الذي يكذب بقوله أو يتزلف أو يسحج لأني لو أردت لكنت أجلس الآن في فراش وثير من النعم والمناصب، وفي مكان من يقررون مصيري حاليا.
وإذ ذاك، وبناء على ادعائي الذي يؤكده شعر رأسي الأبيض ووجهي الطفولي وابتسامتي الدائمة، وديوني، الحمدلله على كل حال، فإنني أؤكد أننا لم نعد مجتمعا أو دولة محصنة من أي شيء، وكثير من الإرث والأسس التي قامت عليها الدولة ومجتمعنا يتم اجتثاثها من جذورها، أمام حكومات ومسؤولين ومثقفين يستمتعون بالهراء الفارغ الذي يقولونه أو يقال لهم، وتبادل الإعجاب بين الحكومة وجوقتها الموسيقية.
نعم، نحن شعب غاضب، غاضب جدا من تراجع كل شيء، وتآكل حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع دورنا في السياسة الدولية وحجم التآمر الخارجي علينا، وطعنات توجه هنا وهناك لقطاعات كانت تشكل العمود الأساسي لاقتصادنا مثل: التعليم والصحة والسياحة وتحويلات المغتربين، دون أن تحاول الحكومة حتى مقاومة هذه الطعنات والدفاع عن حياتنا، وتصحيح الخطأ والمسيرة.
نغضب حين نكتشف أن مديونيتنا في ارتفاع مستمر، ولا يوجد أي أفق لوقف هذا الارتفاع والنزيف، وأن جميع الحكومات تحل مشكلة السيولة أو أية ضائقة مالية بمزيد من القروض والاتفاقيات المجحفة ورفع الأسعار والضرائب دون أي تطوير في قطاع الخدمات والبنية التحتية.
غاضبون لأننا نرى أن الحكومة تريد تقليص القطاع العام لكنها في الوقت نفسه لا تسعى إلى خفض الضرائب، تقف عاجزة أمام تصاعد نسب البطالة، وضيق فرص العمل في القطاع الخاص، ولا تفعل سوى طرح المبادرات والتنظير حول الشباب وتمكينه سياسيا واقتصاديا دون حتى أن تكلف نفسها عناء طرح قوانين انتخاب تفتح لهم الفرصة للمشاركة في الحياة السياسية.
غاضبون لأن مجلس النواب غير قادر على الدفاع عن المواطن الذي يحسبه المواطن شريكا للحكومة في كل قراراتها وقوانينها، ولأن غالبية من يدخلون إلى عالم السياسة والمناصب يخرجون منهما أثرياء.
غاضبون لأنه لا أحد يعرف كيف يتعامل مع حكومات مصابة بالشلل والرعاش، إذا تظاهر ينفطر قلبه خوفا وكمدا على سمعة البلد وأمنها واستقرارها، وإذا كتب على مواقع التواصل الاجتماعي، المنفذ الديمقراطي الوحيد المتاح أمامه، بعد أن تحولت الصحف إلى التطبيل والتزمير، لا يجد آذانا تصغي له، ويجد نفسه مساقا رغما عنه للخوض في معارك وقضايا لا تعنيه بتاتا، وينتهي به الأمر إلى لعن أبو 'الفيسبوك'.
غاضبون لأن نسيجنا الاجتماعي يتمزق كل يوم، فثمة أصوات نشاز، إقليمة وطائفية ومناطقية وأصحاب أجندات ومصالح ضيقة، يكبر صداها ويتسع أثرها، ولا تجد من يلجمها، الأسرة والعشيرة ضعيفة وبالكاد يستطيع الواحد أن 'يمون' على أهل بيته المقربين، والنظام التربوي والتعليمي يحشو المعلومات في الرؤوس حشوا لكنه لا ينظفها من الدنس، والحكومة تتعامل مع ما يجري بعقلية انتقائية ونهج الفزعة وليس عبر دولة القانون والمؤسسات، لذلك أصبحنا نسمع عن جرائم لم تكن لتحدث يوما بهذا الزخم.
غاضبون لأن هيبة الدولة باتت موضع شك، وتجاوز وتعد من الكثيرين عليها، ولأن التعيينات والترقيات باتت قليلة لكنها تذهب إلى الورثة دائما.
وفي طريقنا ونحن غاضبون ننفس عن غضبنا، للأسف نحو صدور بعضنا البعض، في مباراة كرة قدم، أو عبر منشور موجه بخبث على 'الفيسبوك'، أو فيديو أو صورة أو تعليق يقف أمامنا فجأة ويصبح قضية وطن، وما إن يستنفذ أغراضه حتى يتدحرج أمامنا 'بوست' جديد 'ينكد' علينا ليلنا و'عيشتنا'.
حتى عندما يقول العدو الإسرائيلي تصريحات حول مستقبل القضية الفلسطينية ننسى مصدر التصريح، وننشغل بتخوين بعضنا البعض وكأننا أداة صماء في يد أفيخاي أدرعي وغيره من الصهاينة، وننشغل بكل هذا الهراء الفارغ.
نعم نواجه شروخا ومصاعب كثيرة، ربما يواجه غيرنا مصاعب أكبر، لكننا غاضبون لأن البعض يفاقم وضعنا ويزيد من همومنا ويقول إيماءات فارغة المحتوى، يصف الماء بينما نحن نغرق.
وللحديث تتمة..

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012