د. عبدالله اصحاب

الشعب الاردني، شعب صبور وكريم ومعطاء، يحب وطنه ويفديه، يخشى عليه من رياح الفتنة من محيطة العربي، يريد الخلاص من هواجس الخراب والدمار التي تقبع فوق صدره وتكتم انفاسه. نحن شعب تلقى وعودا رنانة عن عزم الدولة على محاربة الفساد، تقبلها بايمان وصدر رحب، لكنه لم يحصل الا على الجزء اليسير. شعب ما زال ينتظر وبفارغ الصبر ان يشفي احدهم غليله بمحاكمة رموز الفساد الذين عاثوا في اردننا الحبيب فسادا وعبثوا بمقدرات شعبه.
سمعنا بان جلالة الملك المعظم يسعى الى تعزيز مصداقية عملية الاصلاح، التي دعا للمضي فيها من خلال كل فرصة متاحة، عن طريق تكليف شخصية اردنية دولية معروفة بالنزاهة بتشكيل حكومة جديدة. تلك المصداقية التي تضررت إثر حوادث العنف، وتخاذل حكومة البخيت، وضعف ارادتها في السعي الى تحقيق آمال الشعب الاردني في الاصلاح الشامل.
ثم بدأ الترويج لمقدمكم من لاهاي. كتب وقيل: ابشروا بمقدم بطل اردني مرموق، خدم في محكمة العدل الدولية في لاهاي كقاض منذ عام 2000، وكنائب لرئيسها من عام 2006 الى 2009. فرحنا، ثم سمعنا بانك طالبت بصلاحيات وولاية عامة كاملة كرئيس للحكومة، حتى يتسنى لك مكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين، دون تدخل من الديوان والاجهزة الامنية، ، فقلنا مرحى بابن الشمال، دغدغت عواطفنا، ورفعت آمالنا، واعدت الى الاذهان ذكرى شهيد الاردن وصفي التل، فانطلقت اهازيج امالنا وتطلعاتنا مدوية في السماء الرحب.
ثم كانت مقابلة لك صرحت فيها: ان هناك حاجة واتجاه عام لمكافحة الفساد وفقا للمعايير الدولية. فالفساد كانما هو سرطان يفتك في جسد الوطن. فطربنا وسكرنا على انغام هذه التصريحات.
دولة الرئيس. ما هو تعريفك كقاض دولي متميز للفساد؟ لا نعلم عن المعايير الدولية التي تكلمت عنها في تصريحاتك، ولكننا كاردنيين بسطاء نعرّف الفساد على انه استغلال الامتيازات الممنوحة او السلطة المؤتمنة لتحقيق مكاسب شخصية من دون وجه حق. ونعرف ايضا بان الفساد عموما هو عكس النزاهة والاستقامة والبناء والايجابية والاصلاح، وهو ممارسة وسلوك لتغليب المنفعة الشخصية والعائلية والجهوية على المنفعة العامة، واستغلال المصلحة العامة لتحقيق المنافع الشخصية.
ومن الناحية الاجتماعية، ممارسة الفساد انتهاك صارخ  لقواعد السلوك الاجتماعي، وقيم من يمارسها وقيم المجتمع الذي يمارَس ضده هذا السلوك.
نظرنا في ممارساتك وقراراتك من خلال التعيينات التي ساهمت واثرت فيها بحكم منصبك، فوجدناك، ويا لخيبة املنا فيك، لا تخلو من المحسوبية والجهوية كمن سبقوك. فاين المعايير الدولية؟ الم تسمع بمصطلح "النيبوتيزم" ودوره في تعزيز الفساد يا دولة الرئيس؟ نعم، القصد هنا محاباة الاقارب.
سمعنا بتعيينك لرويدة المعايطة زوجة احد ابناء عمومتك وزيرة للتعليم العالي. سمعنا بتعيين ابن عمك الحاج سامي الخصاونة عضوا في مجلس الاعيان بتدخل منك وبقوة لصالحه، ثم سمعنا بتعيين الدكتور بشر الخصاونة سفيرا في القاهرة، وبعدها بلغنا خبر تعيين مازن الحمود الخصاونة سفيرا في لندن. فتساءلنا: هل هذه محسوبية وجهوية ومحاباة للاقارب؟
دولة الرئيس. عشيرتك، الخصاونة، هي من العشائر الاردنية الوطنية التي نعتز ونفتخر بها، ونحب اخواننا من ابنائها المعروفين بتميزهم الاكاديمي والوظيفي وخبراتهم العلمية والعملية، وحسهم الوطني وصدق انتمائهم للدولة الاردنية. ابناء عشيرتك الذين عينتهم، هم محل حبنا واحترامنا وتقديرنا، ولا نشكك ابدا بقدراتهم ووطنيتهم، ولكن هل كانوا جميعا من اكفأ ابناء الوطن لشغل هذه المناصب؟
دولة الرئيس. وجدنا باختصار ان هنالك فرقأ شاسعا بين الشعارات التي اطلقتها والتطبيق العملي لها. وجدنا فرقا بين ما قيل عنك وما رايناه منك، بين املنا ورجائنا فيك وبين واقعك. ببساطة، خاب ظننا فيك.
كم وددنا لو انك ترفعت عن التدخل بتعيينات ابناء عشيرتك، حتى لو كانوا اكفأ الناس، وددنا لو ضحيت بهم من اجل الوطن، وحرمتهم من تلك المكاسب اللحظية التي حصلوا عليها، من اجل هدف اسمى واعز منا ومنك على قلوب الاردنيين. وددنا لو ضربت لرموز الفساد مثلا في النزاهة والاستقامة، بدل ان تقلدهم وتمشي على خطاهم. وددنا لو زرعت فينا قيم حب الوطن والاخلاص له، وتقديم مصلحة الملايين على مصلحة الفئة القليلة، ولكنك للاسف لم تفعل.
الشعب الاردني يتساءل يا دولة الرئيس. ماذا يحمل المستقبل لنا؟ كيف سيساعدنا دولة الرئيس عون الخصاونة على الخروج من مأزقنا؟ اذا كان ما رأيناه منك حتى الآن مقياسا لما ستفعل في المستقبل، هل نتأمل ان ياتي الاصلاح على يديك؟
هل قدّر للشعب الاردني ان يرى الصلاح والاصلاح على يد احد ابنائه؟ الا نستحق رئيس حكومة نزيها؟ ما العمل؟ هل نأتي بمسؤولين من الغرب حتى يصلح امرنا؟
دولة الرئيس. ربما مورست عليك اساليب الضغط المتعددة من قبل المتنفذين وقوى الشد العكسي، ربما مورس معك التخجيل من قبل ابناء عشيرتك. ولكن ما زال بامكانك الرجوع الآن ولنبدأ من جديد. إن الرجوع عن الباطل خير من الإيغال فيه، ولقد أثنى الله تعالى على قوم اعترفوا بذنوبهم، فكيف بمن قرن مع فضيلة الاعتراف ندماً وعزيمة على الرشد والالتحاق بمنهج السداد. طريق الرجوع إلى الحق مأهولة بالسالكين إلى مرضاة رب العالمين، يُثنى في سيرتها على من أعلن سلوك هذا السبيل ليكون قدوة من بعد للمخطئين.

 aashab@yahoo.com