22-01-2012 08:16 AM
كل الاردن -
الدكتور محمود الجبور
كان الوقت فجرا حين مررنا بعمان قاصدين المطار , كانت (هنا عمان إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية ) تذيع رائعة أنغام " صباح الخير يا عمان " من كلمات الشاعر المرهف حبيب الزيودي , حمدت الله أن آخر ما سأسمعه من إذاعة أردنية هذه الألحان الشجية والكلمات العذبة ,وليس شيئا من ذلك الركام الفج من موجة الأغنيات الأردنية التي تعربش على أسوار الوطنية بحيث يكفي أن يتردد في الأغنية (عقال و شماخ ودلال والجيش وأبو حسين وهاشمي,,,)وإن قلت بأن هذه الأغنيات تسيء للوطن أكثر من تمجيدها له , ستتهم عندها بأنك لست وطنيا ,وأقل ما يمكن أن يقال فيك بأنك ضد الأردن , غير أن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن هذا النوع من الأغاني أصبحت في العقد المنصرم تجارة رائجة استغلتها بعض القنوات للترويج لبضاعتها وزيادة أرباحها من خلال شركات الاتصالات .
قبل أيام استمعت إلى كلمات رائعة لحبيب الزيودي يغنيها عمر العبد اللات ,أما اللحن فتراث أعاد إنتاجه الأستاذ محمد واصف تقول كلمات الأغنية :
زول سارة غيمة في صبح ماطر وظل سارة ظبية تفلي بغابة
يا حلاها سرحت سود الظفاير يا حلاها لملمت حولها اصحابه
تكتب اسمك يا وطن فوق الدفاتر يا عساك بخير يا روح الكتابه
ويا هلي والنعم يا ظل الحراير الوطن بقلوبنا نحضن ترابه
يا حبيب الدار لك في القلب خاطر يا سند عمّان يا ري السحابة
يا وريث البيت من حولك كواسر شايلين المجد في طيب ومهابة
عاتبتني اليوم بعيون فواتر وصوبتني بجرح ما يبرى صوابه
وان تغاوى الناس بكروم وبيادر الغوى عندي فناجيل وربابة
في الحقيقة هذه الأغنية من الأغاني النادرة التي تتغنى بالأرض والإنسان ممزوجين بعاطفة حب رقيق مرهف , سارة (والتي كنت أتمنى على حبيب أن تكون هاجر من حيث إن هاجر أم العرب وذرتها سارة أم العبرانيين ) طفلة عربية تخط حروفها الأولى في دفترها وتكتب اسم وطنها وحولها صديقاتها في صورة طفولية رائعة ,ولو أن حبيب لم يذكر (عمان ) في أحد مقاطع الأغنية لصلحت أن تكون عن أي وطن وأي أرض عربية نعشقها بالطبع عشقنا لعمان ولبنان ودمشق وقرطاج ...
آه ما أروعك يا شذى الشعر يا حبيب في عبارات من مثل (غيمة في صبح ماطر , روح الكتابة , ظل الحراير , ري السحابة ,,, ) أما ختام القصيدة فقد جاء حمالا لدلالات كثيرة , واضح أن حبيب كما هو ديدنه دائما يعشق الكيف والعز ويفضله على أن يكون له أراض وأطيان وثروة, وهو يذكرنا في هذا المقطع بالشاعر محمد الغريب :
يا لذة الدنيا معاميل وافراش وصينية يدرج بها العبد مسعود
لقد جمعت الكلمات الرقة والعذوبة إلى جانب العنفوان والرجولة والبأس , لكن وللأسف جاء الأداء في غاية الرداءة , وهنا لابد من الاعتراف أردنيا أننا أمام أزمة فنان , فنان مثقف قادر على الإحساس بالكلمة واللحن , الأصوات والطاقات موجودة ولكن الفنان الحقيقي غائب , الفن لم يكن يوما أداء لكلمات ولحن وخامة صوت , وإلا كان الحاسوب الآن أقدر على الأداء, الفن تفاعل الكلمات واللحن والفنان , ونحن بأمس الحاجة إلى فنان يتعب على نفسه تثقيفا وتهذيبا لذائقته الفنية , لقد شعرت أن الفنان كأنما بينه وبين معاني ما يؤديه فجوة هائلة , صحيح أنه كان يغير من طبقة الصوت أحيانا ولكن كان واضحا أنه يؤدي ما يطلبه منه الملحن دون إحساس بمعاني الكلمات والعبارات , هل نلوم الشاعر والملحن ؟ أخشى أنني أحملهما ما لا يحتملانه , فـ (الفنان ) هو الذي يملي شروطه ثم يتوارى الشاعر والملحن بعد أن تخرج الأغنية بعجرها وبجرها
أخشى أن تظلم الأغنية من وسائل الإعلام كما ظلمت من المغني , فقد كنت أشعر أنه كان ينوح و ينوح و ينوح مع أن الكلمات ليس فيها إلا الفرح والبهجة , واللحن ليس حزينا إنما حوله الأداء إلى سحابة سوداء من الكآبة .