21-02-2012 08:00 AM
كل الاردن -
الدكتور حسين عمر توقه
ولعل التصريح الأخطر والذي لم يعطه القادة العرب ولا جامعة الدول العربية حقه من الخطورة والتهديد هو إعلانه أن أراضي الغور سوف تظل تحت السيطرة الإسرائيلية وما تبعه من تطهير للألغام على حدود هذه الأراضي المتاخمة للحدود الأردنية
طبول الحرب :
في لقاء غير مسبوق أجراه عراب السياسة الصهيونية هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق مع جريدة " ديلي سكيب " تحت عنوان " الحرب العالمية الثالثة " صرح فيه " لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لإحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الإستراتيجية لنا خصوصا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون " الإنفجار الكبير " والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأمريكا. وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب وإحتلال نصف الشرق الأوسط مضيفا أن طبول الحرب " تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لا يسمعها بكل تأكيد أصم "
الصين :
إن الصين غير نائمة بدليل أنها تقفز وتركض في الوصول الى القمة في الإقتصاد العالمي وأضحت القوة الإقنتصادية الأكثر تقدما في العالم وتضم في مخزونها أكبر مخزون احتياطي للعملة الأمريكية. وإن الصين هي من أكبر الدائنين للولايات المتحدة كما أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة مديونة في العالم.
إن الصين لم تفاخر ولم تدع في يوم من الأيام أنها قوة عظمى بل كانت تتستر خلف شعارات هادئة تؤكد أنها دولة من دول العالم الثالث أو دولة من الدول النامية تسعى من أجل تحسين وضعها الإقتصادي والإجتماعي. وهذا لا يعني أن الصين والتي تمثل على أرض الواقع قوة عظمى في ترسانتها النووية ومخزونها الإستراتيجي من الصواريخ العابرة للقارات ومنظوماتها الدفاعية الأكثر تطورا في العالم غافلة عما يدور حولها وأن أمنها القومي هو الركيزة الأولى لإستراتيجيتها القومية وأن قوتها العسكرية هي الركيزة الأولى في البقاء والإستمرار في هذا البقاء. وفي ظل هذا التواضع الشكلي يخطىء كيسنجر في شطحاته في سن ال 89 عاما حين يظن أن الصين وروسيا في غفوة . ولعل مقارنة عسكرية بسيطة ونظرة سريعة في ميزان القوى العالمي يدرك أن الصين هي قوة عسكرية عظمى . وأعظم قوة اقتصادية متنامية في عالم اليوم . ولعله من الأفضل إعلام السيد كيسنجر أن التنين الأصفر لم يعد نائما وأنه أفاق منذ بداية القرن الواحد والعشرين وأن أسلوبه الجديد هو نفس أسلوب الدول الغربية الإستعمار الإقتصادي بدل الإستعمار العسكري مع الحفاظ على القوة العسكرية جاهزة للحشد والتعبئة والإحتلال .
ولو عدنا الى سنوات النزاع العقائدي بين الصين والإتحاد السوفياتي لأدركنا مدى تأثير الإتحاد السوفياتي في خلق قوة نووية أقتصادية جبارة هي الهند كما أدركنا مدى الدعم الإستراتيجي الذي قدمته الصين الى الباكستان حتى أصبحت الدولة المسلمة النووية في العالم.
روسيا :
كما أن روسيا هي أيضا غير غافية بل إن مخزونها الإستراتيجي من الغاز والنفط يجعلها في مصاف الدول الأقرب الى الإكتفاء الذاتي والأقوى إقتصاداً بين الدول العظمى . إن هذا المخزون الهائل من الغاز والنفط وكونها الأقرب الى أوروبا وبالذات من ألمانيا لا سيما بعد الموافقة على بناء أنابيب الغاز وتزويد أوروبا بالغاز والبترول الروسي قد جعلها في مصاف الدول الأعظم في تصدير الطاقة . ولا ننسى أن انتاج البترول والغاز لكثير من دول وجمهوريات أواسط آسيا الغنية بالغاز والنفط والتي كانت ضمن جمهوريات الإتحاد السوفياتي سابقا لا بد وأن تمر من خلال الأراضي الروسية. بالإضافة الى مشاريع تمديد أنابيب النفط والغاز العملاقة بين روسيا والصين سوف تساعد الصين في التخفيف من اعتمادها على النفط والغاز العربي والإيراني.
ومن الجانب العسكري فإن روسيا بكل تواضع هي من أكثر الدول امتلاكا للرؤوس النووية ولأعداد الصواريخ العابرة للقارات وللغواصات النووية وللمنظمات المتقدمة في الدفاع الجوي. وأظن أن روسيا قد قطعت شوطا كبيرا في إعادة بناء قوتها الإستراتيجية الضخمة بعد الإنهيار الذي مزق الإتحاد السوفياتي الى دويلات.
إسرائيل وسياسة المراحل :
لو وضعنا كل الشعب اليهودي ولا أقول الجيش الإسرائيلي الذي لا يتجاوز في أقصى درجات التأهب 450 ألف جندي. لو جمعنا الستة ملايين يهودي وقسمناهم على حدود الأردن وسوريا والعراق والسعودية ومصر ولبنان لوجدنا أن إسرائيل بعظمتها وجبروتها وترسانتها النووية عاجزة عن احتلال جزء صغير من أي دولة عربية ناهيك عن الدعوة الكاذبة بضرورة احتلال سبع دول في الشرق الأوسط .
لا شك أننا لو تابعنا تاريخ إسرائيل منذ كانت حلما من أحلام المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل وأخذنا أعوام 1936 وعام 1948 وعام 1956 وعام 1967 وعام 1973 وعام 1982 وعام 2006 لأدركنا أن إسرائيل قد عمدت من خلال الحرب والإحتلال الى ضم الأراضي العربية وفي مقدمتها الأراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان وتمكنت من فرض تحويل صحراء سيناء الى منطقة منزوعة من السلاح. ولا شك بأن تهويد الأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها زهرة المدائن القدس والإستمرار في بناء المستوطنات . وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في واشنطن بعدم العودة الى حدود 1967 وعدم الإعتراف بحق العودة للاجئين وأن القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل الأبدية وعدم التوقف في بناء المستعمرات والسيطرة على كافة الحدود والمعابر وإبقاء قلسطين وغزة مناطق منزوعة من السلاح . وتصريحاته قبل أيام ضد أي مصالحة بين منظمة التحرير وبين حماس وأن على منظمة التحرير أن تختار بين إسرائيل ومفاوضات السلام وبين المصالحة مع حماس.
ولعل التصريح الأخطر والذي لم يعطه القادة العرب ولا جامعة الدول العربية حقه من الخطورة والتهديد هو إعلانه أن أراضي الغور سوف تظل تحت السيطرة الإسرائيلية وما تبعه من تطهير للألغام على حدود هذه الأراضي المتاخمة للحدود الأردنية . هذا العمل هو أخطر بكثير من التصريحات المجنونة المتعاقبة حول شن الحرب ضد ايران أو تدمير لبنان.
منذ عام 1967 فشلت اسرائيل في تحقيق أهدافها في ضم أي أراض جديدة لإحتلالها لقد فشلت عام 1982 في اجتياحها للبنان وفشلت في حربها مع حزب الله وفشلت في حربها ضد حركة حماس في غزة ولعل الفشل الأكبر هو فشلها الأخلاقي والإنساني في قهر أطفال الحجارة الذين أعادوا الكرامة للإنسان العربي وأيقظوا العالم بأسره على استمرار الإحتلال العسكري الأوحد في العالم ودفعوا أغلى ثمن حيث بلغ عدد شهداء إنتفاضة الأقصى 6598 شهيد.
فما هو سر هذه الدعوة المجنونة التي أطلقها السيد هنري كيسنجر في غفلة من الزمان أقل ما يقال فيها إنها دعوة غير أنسانية . هل نسي علاقته مع أردشير زاهدي في أروقة السفارة الإيرانية وفي منزل السفير الإيراني في واشنطن . من الأولى له أن يركز على الصين وعلى روسيا وعلى إيران وأن يبعد العالم العربي عن متاهات نحن لسنا بحاجة إليها نحن لا نملك أسلحة نووية وكل أسلحتنا مستوردة بل ومفروض علينا شراؤها من الولايات المتحدة . ألا يكفينا النتائج الفادحة والثمن الباهظ الذي دفعته الدول العربية من جولاته المكوكية . لماذا ينادي هنري كيسنجر بأن على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط . هل هذا ما جاد به فكر المخطط اليهودي الأكبر للسياسة الخارجية الأمريكية . ألا يعلم هنري كيسنجر أننا قد استسلمنا قد وقعنا وأننا نقتل بعضنا . هل أبقيتم لدينا رجالاً يا كيسنجر كي يُقتلوا وهل أبقيتم للعرب نصف الشرق الأوسط كي تحتلوه.