أضف إلى المفضلة
الخميس , 28 آذار/مارس 2024
شريط الاخبار
مصطفى يشكل الحكومة الفلسطينية الجديدة ويحتفظ بحقيبة الخارجية - اسماء الانتهاء من أعمال توسعة وإعادة تأهيل طريق "وادي تُقبل" في إربد الحنيفات: ضرورة إستيراد الانسال المحسنة من مواشي جنوب إفريقيا الاتحاد الأوروبي يتصدر قائمة الشركاء التجاريين للأردن تحويلات مرورية لتركيب جسر مشاة على طريق المطار قرض بـ 19 مليون دولار لبناء محطة معالجة صرف صحي في غرب إربد غرف الصناعة تطالب باشتراط اسقاط الحق الشخصي للعفو عن مصدري الشيكات 5 إنزالات أردنية على غزة بمشاركة مصر والإمارات وألمانيا - صور ارتفاع الإيرادات المحلية 310 ملايين دينار العام الماضي والنفقات 537 مليونا مجلس الأعيان يقر العفو العام كما ورد من النواب المحكمة الدستورية ترفع للملك تقريرها السنوي للعام 2023 وفاة سبعينية دهسا في إربد "الكهرباء الوطنية": الربط الكهربائي الأردني- العراقي سيدخل الخدمة السبت المقبل السلطات الاسرائيلية تعلن إغلاق جسر الملك حسين بعد إطلاق نار في أريحا 7.726 مليون اشتراك خلوي حتى نهاية ربع 2023 الرابع
بحث
الخميس , 28 آذار/مارس 2024


ورحل البدوي الأبيض

بقلم : د.صبري الربيحات
30-05-2020 03:37 AM

من الصعب أن تعدّ قائمة برجالات الأردن ولا يكون الدكتور كامل صالح أبو جابر في مقدمتها. هو أيقونة للشخصية الأردنية كاملة الأوصاف على وجهه ابتسامة لا تختفي ودائم الحركة رغم تقدم العمر ويبادرك بالاستفسار عن أحوالك بأسئلة تتداخل مع عبارات الترحيب وإيماءات الاهتمام فتظن أنك في مجلس من مجالس الشيوخ التي تحدثت عنهم السير والروايات.
أبو جابر الأردني البدوي الذي ما تقدم على أردنيته انتماء. يعرف القبائل والأقوام ويستطيع أن يسلسل الأنساب لكل العائلات التي عاشت شرقي النهر وغربيه. لقد بقي محتفظا ببيته الريفي على أطراف اليادودة وفي الجزء المطل على طريق المطار. بسلاسة نادرة يستطيع أبو جابر أن يتنقل في الحديث بين أيام المدرسة الابتدائية في مدارس المطران والجامعة التي أمضى سنواتها في الولايات المتحدة إلى أيام الجامعة الأردنية يوم كان زينة عمدائها دون أن يغفل طفولته في اليادودة وشبابه وزواجه من أم صالح أو الأحداث السياسية والتاريخية التي مرت على البشرية والأردن.
في صيف 1973 كانت زيارتي الأولى لحرم الجامعة الأردنية لأستفسر عن التخصصات التي تعرضها الجامعة وجدت نفسي في مكتب السيدة انصاف قلعجي رئيسة ديوان كلية الاقتصاد والتجارة التي كان أبو جابر عميدا لها، ولمحت يومها أول صورة حقيقية للأستاذ الجامعي الذي يشع مهابة وتفاؤلا. الطاقة التي أكسبها أبو جابر للجامعة وجعلت منه نجما في حياتنا وفضائنا الأردني هي الطاقة التي أطل بها على وزارة الاقتصاد الوطني التي تولاها في ذلك العام وغادر موقعه باستقالة ظلت أسبابها غير معروفة إلا لعدد قريب من أصدقائه المقربين.
في رحلة عطائه الطويلة كان أبو صالح نبعا من ينابيع المعرفة التي تروي المتعطشين للتعرف على تاريخ الأردن وفلسطين والعلاقة بين المسيحية والإسلام على هذه الأرض وسر اختلافها عن أماكن أخرى. خصوصية المعرفة التي يقدمها تأتي من نشأة الرجل وتاريخ أسرته التي عاشت وتعايشت مع البدو في حلف لا مثيل له ومعرفته بثقافة المستشرقين وكتابات الرحالة وتدريسه لثقافة العرب والمسلمين والحضارات المقارنة في سنغافورة والولايات المتحدة وأوروبا إضافة إلى مخزون الحب والإعجاب الذي يملكه أبو جابر للشرق والعروبة والهوية فلا أعرف أحدا يتحدث عن الشرق بالحب والإعجاب والفهم الذي يتحدث به.
في مطلع التسعينيات كان عبدالله النسور يشغل موقع وزير الخارجية وقد قيل يومها إنه سيستقيل وما هي إلا أيام حتى أعلن عن تكليف أبو جابر بحقيبة الخارجية. أذكر في ذلك اليوم أننا كنا نستمع إلى الخبر الذي عبر عن عمق معرفة جلالة الحسين بالأردن وبنيتها ورجالاتها فلم يكن في الأردن من هو أنسب لإشغال الموقع في تلك المرحلة من كامل أبو جابر فهو مسيحي يعي الإسلام وثقافته وأستاذ متمرس في العلوم السياسية يعرف العالم جيدا وله ملامح سمحة تجعله قريبا من قلوب الناس والعالم.
في تلك المرحلة المفصلية مثل السياسي والمفكر أبو جابر الأردن في مؤتمر مدريد فهو يعرف القضية الفلسطينية ويعي تاريخها ويعلم قدسية القدس ومعنى وجودها ويعرف السردية الصهيونية والمواقف الأميركية ويملك من الدهاء والدبلوماسية ما يمنحه الكثير من هوامش المناورة. في ذلك اليوم وبعد افتتاح المؤتمر كان أبو جابر موضع حديث الصحافة العالمية فقد كان مزحه جدا وجده مزحا يوم أجاب على سؤال لأحد الصحفيين حول أسباب تجنبه لتقبيل اسحق شامير بالقول “لو كان فتاة جميلة ربما” مبددا العقدة الدبلوماسية بنكتة صرفت أنظار الصحافة عن تأويلات النوايا.
في دارته الجميلة الدافئة في اليادودة كان أبو صالح كالنهر كرما يفيض على الأصدقاء والمحبين وفيما يشبه المنتدى السياسي يتوافد الأصدقاء ليستمتعوا بخفة الدم والدفء والكرم ووجبات الفكر والحوار المعمق حول شؤون الساعة في مختلف جنبات الأرض. في منزل أبو جابر التقيت بعشرات السفراء ومئات المفكرين والضيوف الذين جاؤوا من الشرق والغرب وفي كل مرة كان الشيخ الجليل يشرح لهم تاريخ الأردن وعناصر التماسك والقوة ومشروعية الحق العربي والعلاقة الفريدة التي يقيمها الإنسان مع المكان.
قبل أعوام دعاني الإخوة في جمعية الثقافة العربية للحديث عن الأستاذ والصديق كامل أبو جابر بمناسبة إصدار مذكراته التي أعدها وحررها المؤرخ عمر العرموطي، وأذكر يومها أنني وصفته بالبدوي الأبيض الذي لا يتوقف عن ذكر عمّته فضية، ويعيد لنا قصص الشيوخ ونوادر الفرسان الذين جالوا البلاد وكأنه لا يزال يعيش بينهم.
قبل أعوام وفي الوقت الذي عانى فيه الإخوان المسلمون من مضايقة البعض والتشديد عليهم جاء الدكتور كامل أبو جابر مدججا بالشعر والحكم والأحاديث النبوية ليحدث الجمهور عن أردنيتنا وخلقنا العربي والتسامح. في كل مرة يطل علينا أبو جابر أشعر وكأني أتناول رحيق العروبة وأشعر بعبق الإنسانية تملؤ أرجاء المكان.
الرحمة لروحك أيها الصديق النبيل والعزاء لأسرتك والأردن وكل الذين أحبوك على امتداد مساحة العالم.(الغد)


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012