أضف إلى المفضلة
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة مباراة حاسمة للمنتخب الأولمبي أمام أندونيسيا بكأس آسيا غدا أبو السعود يحصد الميدالية الذهبية في الجولة الرابعة ببطولة كأس العالم سلطة إقليم البترا تطلق برنامج حوافز وتخفض تذاكر الدخول ارتفاع أسعار الذهب 60 قرشاً محلياً 186مقترضا من مؤسسة الإقراض الزراعي في الربع الأول من العام وزير الأشغال يعلن انطلاق العمل بمشروع تحسين وإعادة تأهيل طريق الحزام الدائري تراجع زوار المغطس 65.5% في الربع الأول من العام الحالي طقس دافئ في معظم المناطق وحار نسبيًا في الاغوار والعقبة حتى الثلاثاء وفيات السبت 20-4-2024 نتيجة ضربة جوية مجهولة المصدر : انفجار هائل في قاعدة عسكرية سستخدمها الحشد الشعبي حماس: ادعاء بلينكن أننا نعرقل وقف إطلاق النار انحياز لإسرائيل حماد والجعفري إلى نهائي الدوري العالمي للكاراتيه الحنيفات: القطاع الزراعي لم يتأثر بأزمة غزة وأسعار منتجات انخفضت التنمية تضبط متسولًا يمتلك سيارتين حديثتين وله دخل شهري 930 دينار
بحث
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024


اخطر كتاب يصف واقع السجون الأردنية
08-03-2012 09:04 AM
كل الاردن -

alt

    منذ سنوات خلت أصدرت  دائرة المطبوعات والنشر الأردنية قرارها القاضي بمنع كتاب "ثمانون يوما في الجويدة" من النشر لمؤلفه السجين السياسي السابق علي السنيد، وهو يلقي الضوء من شاهد عيان على أحوال السجون الأردنية من الداخل، ويسبر بالتفاصيل الانتهاكات، والجرائم التي كان يتعرض لها السجناء، وخاصة معتقلي الرأي، والقضايا السياسية، وسجناء التنظيمات، وهو يغطي مرحلة من فساد الإدارات الأمنية خلال العام 1997. حيث يصف السنيد مشاهداته لحفلات التعذيب الجماعي، وحرق الأيدي ، والضرب المبرح حتى كسر الإطراف، والفك، وصولا إلى وفاة بعض السجناء تحت التعذيب، ومداهمة غرفهم بلواء الأمن المرابط أمام سجن الجويدة وتعذيبهم جماعيا، فضلا عن بيع الحبوب المخدرة من قبل بعض ضباط الأمن.
والكتاب تدور أحداثه في سجن الجويدة، ويسجل الحياة اليومية للسجين على وقع الألم، ولسع السياط، والكيبلات، ( وهي أسلاك ملفوفة حول بعضها البعض كانت تستخدم في ضرب السجناء) ، ويبين حجم الانتهاكات التي كانت تجري لحقوق الإنسان، وحجز السجناء في أماكن تنتقص من الآدمية، وتنتهك القيم الإنسانية، وتعريضهم إلى التعذيب، واستخدام العنف بلا أدنى رادع. ناهيك عن التعذيب المعنوي بانتهاكات حرمات السجناء وسبهم بإعراضهم، وانتهاك كرماتهم، وتعريضهم لأقذع الألفاظ .
يذكر أن الكاتب تعرض إلى التوقيف والاعتقال لعدة مرات على خلفية أرائه السياسية ، وجرى سجنه لمدة سنة ونصف السنة بتهمة إطالة اللسان، وهو حائز على الجائزة الدولية لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". وعمل مديرا لمكتب المهندس ليث الشبيلات، وكذلك مديرا لجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، ويعمل حاليا كاتبا منتظما في صحيفة يومية.
واليكم (الحلقة الأولى):

عدة أسابيع مرت كان قضاها في الزنزانة الانفرادية في المخابرات العامة تحت طائلة التحقيق، ثم حملته السيارة العسكرية إلى سجن الجويدة، وقد جرى تحويل القضية إلى محكمة امن الدولة والتي قضت بتوقيفه.

تركوه على بوابة السجن... ليتسلمه آخرون، فعرف معنى الاضطهاد تلك الكلمة التي لطالما تغنى بها في كتاباته في السابق ، وها هو لم يعد بمقدوره أن يجهز نفسه ليبدأ من جديد، حتى انه فقد الوقت ليفكر في ألمه،  هم يسطون على أيامه دون سابق إنذار،  وصار تحت تصرف الآخرين،  يضطر لمحادثة من لا يعرفه ، وكان غريباً في هذه الأماكن، وبين الآخرين تائه لا يعرف ماذا سيفعل به ؟ وهل يحترمون مشاعره ؟ تأسف كثيرا انه دافع عنهم وعن حق أبنائهم في الحرية، وعاملوه معاملة الأعداء.
أحدهم بلباس مدني سأله عن تهمته  فلم يرد،  ولما ألح عليه بالسؤال أجابه بان هذا ليس من شأنه،  وقال له هل تحقق معي؟  فقد كان يظن أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته!!،  واعتقد أن هذا سجن، وليس من صلاحيات احد فيه إجراء مهام التحقيق، فتلبدت الأجواء ، وأنذرت بما لا يحمد عقباه لولا تدخل أحد  الضباط الذي عرفه من كادر السجن، ونزع فتيل الأزمة،  قبيل أن يضربوه بلا رادع،  فلا قيمة تذكر لما  كان يعتقده عن نفسه من أنه سجين رأي،  فهو  مجرد  سجين يجب  أن  يذعن،  وسيرى ما سيترك  في نفسه أثرا  لن يمحى إلى نهاية حياته. أمروه بنزع ملابسه خلف أحد الأبواب الحديدية، وأعطوه  (افرهولا)  عتيقا ،  وقد ذهب لونه، ثم استولوا  على حذائه،  وأعطاه  أحدهم  حذاء  بلاستيكيا ربما رماه قبل  قليل سجين آخر حصل على الإفراج ورحل.

لقد عرف  فيما بعد  قواعد اللعبة في السجن،  والتي تبدأ منذ اليوم الأول بدفع النزلاء للعمل بأنفسهم بتكنيس الغرف والساحات،  أو بدفع  نصف  دينار عن كل  دورة نظافة،  والدورة  تكون بعدد  أفراد  الغرفة،  وهذا ما يشكل مصدر رزق الشاويش، وهو سجين "مدعوم"  يقوم  أيضا ببيع  الدخان،  وبعض البسكويت، والمخدرات!!!، ويوفر  الطعام الإضافي الذي يسرقه من المطبخ  فيضطر النزلاء فيما بعد لشرائه لان  طعام السجن لا يكفي لتغذية  السجين، ولذا  تقوم  عملية بيع  وشراء في  السجن  بمئات الدنانير في اليوم الواحد،  وهذا ما يضطر بعض  النزلاء الفقراء إلى العمل في غسيل أرضية غرف السجن صباحا ومساءا في مقابل عشرة دنانير شهريا،  أو غسيل ملابس بعض السجناء الموسرين الذين يدفعون  لقاء ذلك دخاناَ أو نظير إطعامهم.
دخل  الغرفة وألقى التحية على  شاويشها،  وكانت شبه  فارغة،  ففي  تلك  الفترة يخرج  النزلاء حيث تفتح الأبواب لهذه الغاية،  فيتزاور السجناء،  وتختلط  الغرف،  ولا ترى سوى جسما بشريا بائسا يمارس عملية المشي باستمرار،  ويلقي بأعقاب السجائر  في الساحات التي تموج بكثرة من فوقها حالما يهجم أحد  أفراد الأمن على السجناء مستخدما (الكيبل)،  وهو مجموعة أسلاك ملفوفة حول بعضها،  طالبا  منهم بهذه  الطريقة العودة إلى غرفهم حيث  تغلق الأبواب،  وتتقلص  مساحة الساحة الكبيرة  إلى مساحات صغيرة أمام كل عدة غرف يجمعها باب  واحد  يسمى المهجع،  وقد  ترى اثر  البصاق على الأرض التي أخلاها النزلاء،  والتي  هي عادة مشتركة للسجناء في  مختلف  المهاجع .
بعيد عملية تعارف قصيرة بينه، وبين الشاويش تمكن من الوضوء في ذلك الوقت الذي تغلق فيه "المراحيض"  حسب إجراءات الغرفة، ثم سجد على الأرض مؤديا  صلاة  العصر، وفي أثناء أداء صلاته سمع صوتاً يسأل  عنه، وحالما انتهت الصلاة رأى  صديقه القديم "سامي" واقفاً بانتظاره ، وهو أحد أصدقائه الذي أودعته الشيكات إلى السجن منذ مدة،  وقد نسيه لتكرار سجنه الذي الفت  أخباره الناس، احتضنه سامي، وعبر عن عواطف جياشة له خاصة في  هذا  الظرف ساعده على ذلك حركة جسمه التي تنم عن الاندفاع دائما.  ثم جاء احمد وهو من سكان قريته،  وقد بدا المرض ظاهرا عليه، لقد ضعف كثيرا،  انه يذكر انه  كان ممتلئا،ً ولكن  جسمه نحل،  وأصبح يصلي.  اخبره احمد أن أسوأ ما قد يحدث له هو توديعه في مهجع  (هـ) ، وهو المهجع الذي عادة ما يوضع فيه السياسيون إمعانا في  إذلالهم، غزا الخوف اللذيذ روحه ثم نسي الأمر .
سقط  المساء  سريعا على ذلك المكان الموحش،  وبدأ  يرى بوضوح الوجوه التي ترافقه بالغرفة ،   جاء  أحد  رجال الأمن، وكان  يناديه  الشاويش  "يا سيدي المأمور" ، وهذا لقب حراس السجن،  وطلب من النزلاء مغادرة الغرفة فخرجوا،  واصطفوا أمام بابها،  ثم اخذ هو والشاويش يعد  النزلاء بالإشارة إلى كل رقم بواسطة "عصا" في يد المأمور،  ودفش الشاويش للرقم الذي يتم عده دلالة على الاهتمام، ثم  أقدم  على  إغلاق  الغرفة  بأقفال  الحديد من  الخارج  .
أما  الشاويش فصار يجمع بدل النظافة،  ثم قام بتوزيع النزلاء على الأسرة الحديدية التي اتسع كل  سرير  فيها  لاثنين  تعلوهم  بطانية واحدة،  وبعض السجناء الآخرين  الذين  لم  يحظوا  بالتوصية  ناموا على بطانيات تفرش على الأرض،  وأعطاهم عدة  بطانيات  أخرى لتغطية  أجسامهم  بها ، أشار  الشاويش  الذي  كان  ممتلئا   ويبدو  في  صوته  بعض  الطيبة إن هذه  الليلة لن  ينساها  النزلاء  خلال  إقامتهم بالسجن لأنها ستمثل أفضل ليلة سجن  بالنسبة  لما  سيعقبها من ليالي وأيام .
نام  إلى جواره شخص سرعان ما أن صادقه لأن الآلفة غالباً ما تلبث إن تدب بين هذه الأجسام المعذبة، هكذا  لاحظ!!،  ثم  اشعر من  بجواره انه  غط  في نوم عميق،   ليقطع الحديث  الذي تطرق إلى الأسماء،  ونوع القضية تخللتها بعض الدعوات أن يفرج الله عن الجميع.
غير انه لم  ينم  طوال الليل  وتتابعت الصور التي ما فتئت تمر  بباله على التوالي ، تذكر  يومه الأول بالجامعة،  انه  يغوص  بالتفاصيل،  كان  خجولا،  قليل  الكلام،  وربما  شعر  بالخوف عند  دخول (الدكتور) إلى قاعة المحاضرات، ثم  مرت الأيام  والتقى  ببعض  الصحبة،   إبراهيم يلازمه ويزداد  اقترابا  منه ،  وصار الصديق الأقرب إليه، وراح يشاركه صعوبة حياته ، لم يبخل عليه رغم أنه كان فقيراً مثله ، سكنا سويا، و كل الطرقات شهدت مرورهما ونقاشاتهما، واعتاد الطلاب على أن يروهما معاً،  لا شك أن هنالك فترات فتور في العلاقة ولكنها كانت عابرة.

 نهضوا مذعورين في  الصباح الباكر على اثر عدة  طرقات  متتالية على الباب الحديدي مما  افزع الجميع،  وتم  الطلب منهم مغادرة الغرفة إلى الساحة الكبيرة حيث سيتم إجبارهم على شطف الأرض باستخدام أدوات التنظيف التقليدية الممكنة من المكانس ، والقشاطات ..
وقف مذهولاً   وسط  الجميع،  وقد شعر بحجم المشكلة،  لقد  كان بينهم ضعيفاً غير قادر إلا على الإذعان، انه لن يفلت من بين هذه الأسوار، وتقذفه الأماكن الضيقة إلى الأماكن  الضيقة،  وأوراق  ترسله من العذاب إلى العذاب ،  بدا منظره بين الجموع غير لائق،  وستنطلق عدة كلمات نابية من فم المأمور بعد قليل ستشكل مقدمة لهدم مناعته في قادم الأيام !!! .
أنقذ الموقف نفس الضابط الذي عرفه من كادر السجن، وهو من أقاربه، وجاء في تلك اللحظة ليرجع به إلى الغرفة فعاد، وقد انطفأت روحه.
وفي  الطريق بدأت الشمس ترمي أول أضوائها في الداخل، وكانت تنزل على صحبه الذين  تركهم  من خلفه، وقد انقسموا إلى جهتين، جهة تسكب الماء على الأرض، وجهة تقوم بجمعه وقد تغير لونه، وصار يحمل معه أعقاب السجائر، وبقايا الليلة الماضية مما تركتها أفواه النزلاء مع السعال المتواصل الذي  لا ينقطع .
 جلس  في  الغرفة إلى الوقت الذي  جاء  فيه بقية النزلاء فطردوا الوحشة من  روحه ،  ثم  اخذ  بعضهم  يغسل أرضية الغرفة مع تنبيه المأمور للنزلاء بضرورة ترتيب الأسرة وفجأة  علا صوت الشاويش يأمرهم بالوقوف للتفتيش فذعروا،  وأسرعوا بالوقوف بحركة واحدة،  وشكلوا صفاً  طويلا أمام  (الأسرة)،  عند ذلك دخل الضابط "ح"،  وهو في  منتصف العمر مكتنز اللحم، ويكاد جسمه ينقض على بعضه البعض من فرط عصبيته، وهو يحاول أن  يكون نازيا حيث  يمارس  الاستبداد داخل الأسوار،  انه  النموذج  السيئ  لما  يمكن أن  يكون عليه الإنسان. كان فمه  يتضخم  ليرسل  التهديد... ، ويده إساءة مستمرة علم بكل ذلك بعد اللقاء الأول. فمن  يستطع أن  يوقفه عند حده، انه قادر على أن يقتل أحدهم، ولا يرف له جفن، ما أسوأ الإنسان عندما يفقد قلبه. هناك في الداخل يتصرف بوحشية  وقد  يكون  غير  ذلك  خارج الأسوار ، من  يمنعه من  إيذاء  الآخرين إذا كانوا مجرد أشياء يعبث بها  فقط ، هذا اللحم  البشري الحي يتم  تعذيبه في  الداخل،  وعندما تغرب الشمس فأنها  تقفل  يوما  بائسا للمئات  المهانة.
 سمع صوت  خطواته تعلن قدومه إلى داخل الغرفة، وقد  يكون  حاول  تعويض قصره فجأة  بضرب سجين مصري كان الأول في الصف،  واتبع ذلك بان بصق  في وجهه أيضا، يا الله لأول مرة في حياته يرى ذلك المنظر، إنسان مسكين يمسح أثار ماء لزج خرج من فم((الضابط ح!!! ولا يستطيع سوى المسح، ثم  اندفع  إلى الداخل فأمسك بشعر سجين يرتعش مدعيا ارتفاعه عن  المستوى المطلوب، ويركله بقدمه لخارج الغرفة حيث يتجمع من  سيحلقون فورا باستخدام آلة حلاقة يدوية يعلوها الصدأ،  وربما أنها  لم تعد  موجودة سوى في ذلك المكان من  العالم، آلة تحلق عشرات الرؤوس، وعادة ما تتركها مليئة بالنتوءات،  وترى عامل الحلاقة،  وهو سجين أيضا  تقف من  تحته الرؤوس المذلة تحت شمس الساحة،  وقد تأخذ  نصف دورها في الحلاقة عندما  يقترب ( الضابط ح !!)  فيتشتت الجمع مذعوراً، كل هذا كان يحدث أمامه، وهو يلوذ بالصمت حيث اكتفى  (ح!!) بقوله له (لسانك بدو قص)، لم يستطع أن يرد،  فالمشهد يكفي لوعظه، إن البربيش الذي يحمله (ح ) يصلح للتعامل مع الجميع،  وهكذا انقضى التفتيش الذي سيكون إجراء يوميا  مذلاً يتعرض فيه الكثيرون للضرب والاهانة ومختلف أنواع الشتائم.
عاد السجن إلى حياته الاعتيادية، وراحت الأرجل تجوب الساحة بعد أن فتحت أبواب المهاجع، واختلط السجناء،  وكأن كابوسا خرج قبل قليل من صدور الجميع،  الحزن يعلو كل الوجوه، وهو سمة السجن،  وأثناء المشي يتكلمون عن قضاياهم، عن المحكمة،  عن الشهود،  عن المحامي الذي يأخذ مقدم اتعابه وقد لا يحضر الجلسات أبدا،  وقد يطلبك احدهم -لا تعرفه- في أثناء التجوال  "سيكارة" أو ثمن "كاسة من الشاي" ، ولا تملك سوى تلبية طلبه الذي يخرج من القلب.
بدأت الحشود تنقسم لتسرع حركة الأرجل هربا من الساحة، وهي دلالة على أن الأبواب ستغلق سريعا ثم بدأ صف طويل يخرج من كل مهجع، ويذهب باتجاه المطبخ، إنها المرة الأولى التي سيذهب بها إلى هناك لينهال الحشد الذي جمعه السجن على فتحة المهجع،  وهو الباب الحديدي الذي يقوم بإخراج خط منتظم طويل يسير باتجاه المطبخ،  الذي يتكون من صالة صغيرة في إحدى نهايتها فتحات:  إحداها تقدم رغيف خبز لكل نزيل،  والفتحة الثانية تقدم الأرز وقطعة صغيرة من اللحم، أو العظم، أو الدجاج من أوعية كبيرة استخدمت لسنوات طويلة، واهترأت،  وما تزال بالخدمة، وفي الفتحة الثالثة شراب يعبأ بالأكواب،  وهذه عادة مكونات الغداء،  وتعطى للنزيل الذي  يقوم  بأخذ  صينية  حديدية تكون موجودة عند البوابة، ويدخل إلى الصالة، ويأكل بيديه، وعند انتهائه من الطعام،  وأثناء خروجه يقوم بإلقاء ما يعلق في إنائه من عظم أو غيره في برميل (للزبالة).
شعر انه غير قادر على أن يأكل وسرح قليلاً،  ألا أن  صوتا  قاسيا  صاح  بالسجناء  أن  ينهوا  سريعا،  فأسرع بالخروج  وترك  وعاءه، ورجع  فورا إلى غرفته  حيث  غسل  يديه وتفاجأ أن هنالك بطاقات جلبها  شاويش الغرفة ثم عندما  تجمع النزلاء راح  ينادي على الأسماء،  ويسلم  كل سجين البطاقة التي  تحمل اسمه،  فتذكر انه التوزيع حيث يتم  بعد  ليلة أو ليلتين تقسيم النزلاء حسب القضايا،  وحسب الواسطات إلى المهاجع، وكانت  المفاجأة  أن  توزيعه  جاء فعلاً بالمهجع ( هـ)   كما اخبره احمد،  لقد  سمعهم  يتحدثون عن مهجع (هـ)  وكأنه الجحيم !!!.
لن يترك  الموضوع  للتوقعات، وقد شعر برغبة أن لا ينتظر المساء حتى  يكون  في  غرفته الجديدة،  بل ذهب  حالما تسلم البطاقة إلى مهجع (هـ)  والى غرفته الجديدة رقم  (18) ، ويالفظاعة ما رأى، انه  ما عاد  يستطيع أن يعدد آلامه، لقد  نسي  كل  شيء، وطار من باله الافراج ،  وصار  همه  فقط أن  يحافظ  على نفسه  ،  إن  الخطر  يحيق  به من كل  جانب  .
في  ساحة ذلك المهجع  كانت  مجموعات  تجلس على الأرض شبه عارية، المنظر  يثير الألم معظم  الناس هنا يحملون علامات على وجوههم، وهي خطوط حمراء على الجلد تتركها (الشفرات) التي هي لغة الشجار في السجن،  والوشم  يكاد  يغطي  اجسامهم، ( كلكم كلاب) لوحة على جسم احدهم كتبت بالنار من أعلى جسمه إلى قدميه، وهنالك تعرى بعضهم  ليتفقد نفسه من القمل، كان أمام مشهد يتحول فيه الإنسان إلى قمامة بشرية،  لقد هرب  من أول جولة وعاد إلى ساحة غرفة الاستقبال، ولم  يستطع إن يبقى في طابور العشاء، فلم يعد  يشعر بأهمية أن يأكل،  وفي ساعات المساء انتقل إلى داخل مهجعه الجديد وهو يشعر بالخجل من الكتب التي يحملها في رأسه، خجل من دراسته العلوم السياسية وتفوقه في كل مراحل دراسته حتى تخرجه ، خجل من نفسه، انه  لم  يحفظ  قيمة  دوستوفسكي كما يجب ، أهان  شكسبير، أساء الآن لزنبقة الوادي رائعة  بلزاك، ، مائة عام من العزلة، دروب الحرية، موسم الهجرة  الى الشمال، الأخوة كرامازوف، أهان مكيافيللي الأمير ، وجان جاك  روسو،  والخيام،  سيد قطب،  ودانتي، وطاغور، والطيب صالح ونجيب محفوظ، وأبناء القلعة لزياد قاسم، ومؤنس الرزاز، وغالب هلسه،  والحكماء السبعة،  وتولستوي،  وسنيكا،  فرجيل ، المتنبي،  امرؤ القيس، عرار،  البياتي ،جبران  خليل ، ابن خلدون ، الجاحظ ، ابن القيم، الغزالي، ابن حنبل، كتب الأحاديث والسيرة والتفسير،  ما  اسوأ، ما  فعل  بهم .
آلاف الكتب سافر بها، كانت مدنه وقراه الحية،  وحياته الثانية التي يعيشها بحرية على الورق كان  يشعر بنفسه معهم،  لقد بقوا في كلمات، خلدتهم  حكمتهم، وكتبوا قصة الحياة ،  كانوا عزائه ، ويفسرون حزنه ، وهم الذين (برمجوه في هذه الدنيا)، وتفتحت افكارهم في عقله، فحاول أن يعيش الحياة بحرية .  
عبدالرحيم المأمور الأسمر لا زال  يمارس عدوانه، وهو يهين السجناء في الساحة كأنه يؤدي عمله المعتاد، عرف اسمه للتو من بعض الشاردين من أمامه، وهذا أول ما شاهده  في هذا المساء المالح وقد عاد النزلاء يحمل كل منهم كوب شاي، بعضهم يكفيه اخذ  الرغيف  فقط، وبعضهم الآخر يأخذ ما  يمكن  أن يرافقه من زبدة  أو شيء من  الجبنة،  عاد  النزلاء، وان  نظرة  واحدة تعطيك تصورا عن معاناة هذا المهجع،  وستكتشف بعد  فترة أن الغرف ليس فيها ماء فاستعاض بعضهم ممن تأقلم مع  ظروفها  باستخدام  إبريق وضوء يجمع  به الماء ويتركه معه،  وقد يصبح له أهمية قصوى عندما ينقطع الماء وتبقى الأبواب مغلقة والكل يتضور عطشاً!!!.
جاء  موعد  عد  النزلاء  ووقف الجميع على  باب غرفة (18) والتي تضم النزلاء  الموقوفين على قضايا؛ هتك العرض، والمخدرات، والقتل، والسياسة!!!،  كان الصف  طويلا وعند  انتهاء المأمور من العد تم إغلاق الباب بأقفال الحديد الكبيرة، وانقسم النزلاء إلى قسم صغير اتجه نحو الأسرة، وبقية النزلاء تم تجميعهم في الجهة اليمنى من الغرفة،  ثم جيء بعدة بطانيات من  قبل  الشاويش  الذي  يتميز  في  مثل هذه  الغرف انه  قادر على الضرب،  والشتم،  وكان  يسمى  نضال .
فرش  (البطانيات) على  أرضية  الغرفة  ثم  أشار  لحوالي مائة سجين أن  يناموا عليها،   وبعد ذلك وزع ما تبقى معه من اغطية،  فحصل كل أربعة سجناء على بطانية  واحدة،  وهذه  هي  طريقة  النوم  في  هذه  الغرفة.  أقام  الصلاة  أحدهم،  ووقف  حوالي أربعة سجناء فقام  يصلي معهم ، إنهم  الإسلاميون الذين فورا سيرحبون به ويقترب منهم ليناموا جميعا  بمكان واحد وبطانية واحدة، على الأرض .
معظمهم تنظيم غير مشروع،  وينتمون إلى حزب  (التحرير)  أصواتهم  جميلة  بالصلاة وترى الطيبة تملئ وجوههم، وهم  شباب  يتفتحون في الفكر، ظلوا طوال  الليل    يتحدثون عن قصص سجنهم،  أحبوه منذ هذه الليلة، وظهر هذا من  الطريقة التي سوف يعاملونه بها وسرعان ما أن أصبح واحدا منهم، كانت مبادؤهم المتشابهة هي الوسيلة في تقاربهم، هم  مثله  جاءوا لأجل مبادئهم، ووجوههم تعطيه انطباعا عنهم، إن  فيها آثار  الإيمان، هم يحلمون بأهداف عميقة لا  يعرفون  كيف  يحققونها لغياب الآلية، إنهم  يعبرون عن أحلامهم ببيان،  ويدخلون السجون ويتألمون، والذين في  الخارج يواصلون على نفس الطريقة، وهكذا  يقضون زكاة أعمارهم سنوات تمضي في الداخل ويحتسبونها عند الله.
اقفل اليوم الثاني أبوابه داخل الأسوار،  وبدت  الغرفة أكثر اكتظاظا، ورأى  وجه  أحدهم دامياً تصفعه حذاء كبيرة  من آخر، واندلع  شجار، وتجمعوا كلهم على سجين مسكين يؤدبونه، وبعد  انتظار تدخل شاويش الغرفة الذي يترك الأمر حتى يستفحل ثم يوجه أكثر من صفعة  لعدة وجوه ليعم الهدوء بعد ذلك الغرفة، التي  تواصل التحضير لإجراءات النوم المعتادة ، وفجأة رأى نجمة من طاقة الباب الحديدي تقف قبالته، وحدث نفسه ان روح تبقى السجين.
شعر بنغزات في جسمه، وحركة صغيرة لا  تهدأ فوق الكتف، أزاح  الافرهول  فرأى  حبيبات  صغيرة  بدأت  تظهر على الجلد في مناطق من جسمه تضطره إلى "دعكها"  بسرعة، وفجأة  انتشرت تلك العلامات، ثم غط  بنومه،  وقد تشارك معه  ثلاثة من الإسلاميين  وضعوه في داخل  تجمعهم ،  وقد بدا أنه غير قادر على  فعل شيء أمام قسوة السجن في الجويدة في التجربة الأولى.
عدة  طرقات على  الباب سمعها رغم أن النوم بدأ يغلق عينيه  ولفت انتباهه سماع اسمه ،  اطرق واذ بضابط   من خلف الباب يسأل  إن كانوا أعطوه سريراً أم  تركوه ينام على الأرض.   الضابط يرد على تصرف  الشاويش الذي تركه ينام على الأرض (ب... امك يا ابن العاهرة أعطوه  سريرا ولا أحد يقترب  منه) ، كانت هذه  الكلمات ستميزه في الغرفة التي يوجد بها ثلاثة (مراحيض) تستخدم  في  نوم  النزلاء،  وبها خطان طويلان من الأسرة تغطى ببطانيات فتبدوا انها تماثل ما  يحمله  (الغجر)  في  تجوالهم، اما أثاث الغرفة فيشبه الملابس الممزقة التي كانت النساء تقطعها (بالة تقطيع الشرايط)  ثم تعمل منها الوسائد و"اللحف" والوجوه  تكمل  الصورة،  الأسرة متناثرة،  والأغطية لم تغسل ذات مرة منذ  استخدمت،  وقد توالد فيها القمل حتى أصبح جزءا مهما منها،  لا يوجد ماء في الغرفة إلا نادرا واستعاض  سكانها عنه بعد أدائهم الطعام بمسح أيديهم بالأغطية .
واستولى  عدة  سجناء قدماء على معظم أغطية النوم القذرة،  وبقية السجناء المساكين رضوا فقط أن  تجد  أجسامهم موقعاً على الأرضية، ولم تكن الغرفة تتسع لكل الأجسام الموجودة فيها  فاستخدمت المراحيض لحل المشكلة،  فتجد احد السجناء يجفف المرحاض وينام به،  ويغلق  الباب خلفه،  ويصنع من تنفسه دفئا يطرد البرد القارص عنه .
لقد توحد الجميع مع الشقاء، بعض صغار السجناء يضطرون للعمل بخدمة "القباضايات" فيستولون  على إنسانيتهم،  ويعمدون إلى إهانتهم،  وقد يمارسون فيهم نزواتهم كما يتردد داخل السجن!!!.

ارتقى إلى السرير بعد أن تم طرد آخر عنه،  ونام  وإلى جواره سجين عجوز وبعد ان تبادلا  نظرات متوجسة اندس تحت  البطانية، وقد خف ثقلها مع وطأة الأيام وصارت مجرد عدة خيوط متجمعة،  وبعد  عدة  كلمات بين الاثنين انطلق حديث قصير خافت، ثم نام و كان آثر البقاء على الأرض  مع زملائه الإسلاميين ، وفجأة أفاق ، وإذ بالعجوز إلى جواره قام  يدهن  جسمه  الذي  ملأته  دمامل كبيرة وبثور وتقيحات كان يخفيها تحت (الافرهول) وقد  كشف عنها وبدأ يدعك في  معظم أنحاء جسمه،  والى ذلك قفز بسرعة عن السرير، وعاد حيث إلى أصدقائه ونام  إلى جوارهم على الأرض.
تذكر الصحبة في الجامعة وما كانوا يخوضونه من تحليلات سياسية،  وقد يكون الجميع لاحظوا اندفاعه وعصبيته التي لطالما بررها بسبب  الأجواء  الغالبة على المزاج العربي، كان  يقول إن تدني سقوف الحرية وتوقف التنمية وسوء الأحوال الاقتصادية والهزائم المتلاحقة والقبضة الأمنية سببا منطقيا للعربي لان يعشق  عنترة ويتابع المصارعة بشغف، ويحب الأغنية الحزينة، ويكون أسرع للبكاء  منه  إلى الابتسام، يغالي في كل شيء .في حبه يعشق  حتى الموت انه العربي الذي تسوقه عصا الحاكم في كل العصور. عنف  يتطور في داخله يفرغ في الداخل ، انه يفرغ عنفه في مقبض الباب عند إغلاقه،  عندما يغلق النافذة بشده ، عند ملامسة يده لآخر في عملية السلام ، العنف يفرغه الموظف المدني في المراجعين، الزوج في  معاملته لأبنائه وزوجته، الناس تتشاجر، لان غضبها على الأعداء يتم حشره خلف الحدود، وغضبها الآخر على السلطة غير ممكن البوح به، وهذا خلق الانقسام فلا تتجمع قلوبهم.
جاء الصباح ولم  يخرج إلى طابور الإفطار رغم أن أصدقائه الحوا عليه بذلك،  ولكنه ما يزال يشعر بالغربة في هذه الأجواء، مضى الوقت سريعا،  وهو يراقب الغرف وهي تلفظ  نزلاءها إلى الساحة، حيث الشمس موجودة،  فيعمد الكثير من المساجين في هذه اللحظات إلى مطاردة القمل فيخلعون الجزء الأعلى من ملابسهم،  وتظهر أجسامهم للشمس التي لم يلامسها الماء منذ فترة طويلة،  وقد ترك القمل عليها أثرا  واضحا، لحم  بشري ينشر في الشمس، ويأخذ حقه في الحياة،  ما ابسط الحياة،  وفجأة رأى المأمور (ع)،  شاب في  مقتبل العمر، عصبي المزاج  لقد  سمعهم كثيرا يسبونه بأقذع الألفاظ، ، وهذه الكلمات غالباً ما تهدم النظام الأخلاقي للسجين مع مرور الأيام،  واعتياد الآذن على السماع القسري لها، وهذه عدالة السجون بحيث لو سمع الضباط وأفراد الأمن الشتائم التي يطلقها السجناء خلف ظهورهم لعرفوا أنهم  أيضا يلعنونهم، كان سجناء هذا المهجع  يتمنون أن  يلتقوه خارج السجن بعضهم يتوعده أن يترك اثر شفرة في وجهه ،  وهي  عادة يلجأ إليها "القبضايات" في السجن للانتقام،  أو  تعويضا عن حق ما  ضاع في  فترة سابقة خارج السجن،  والتقى طرفاه هناك، ويحدث تسديد الحساب بهذه الطريقة،  حيث ما تلبث أن ترى أحد السجناء  وقد انشج  لحم  وجهه إلى قسمين وراح  ينفجر الدم على  طول الخط الذي  تركته الشفرة في  دفتي  وجهه .

 أغلقت  الأبواب الحديدية،  وقد  خلت الساحة من السجناء،  ثم تناثر  معظم الضباط والوكلاء والآمن فيها مدججين بالعصي والكيبلات والأسلاك التي قد  تنغرس في جسم السجين عندما تلامسه وتأخذ بعض  جلده وتترك  جرحا غائراً فيه كما حدث مع أحدهم،   نقلوه إلى العيادة .
المأمور (ع.ل) دخل إلى إحدى الغرف واخرج سجينين داخلها كانا طاعنين في السن،  وأحدهم بعمر والده ،وبحركة سريعة ساعده على ذلك خوفهم القاهم  على الأرض،  ثم راح يقلب أجسامهم تحت وقع الضربات  المتواصلة،  ذعر لما  رأى،  ولم يصدق كيف يحدث ذلك في الأردن،  السجون عار على إنسانيتنا، أين  القوانين؟ أين حرية الإنسان؟ وان كان سجيناً وهدف الحكم خدمتة وهل هنالك قوانين في الدنيا تبيح ضرب  الناس بهذه الطريقة؟!!.
بدأت السماعة تعدد  أسماء  النزلاء الذين حصلوا على  زيارة ليندفع  معظم السجن إلى الشبك وهو مستطيل طويل من الحديد المرتفع به فتحات صغيرة تمكن السجين من رؤية زائره وتستخدم هذه الفتحات الضيقة كوسيلة لإدخال حبوب المخدرات إلى السجن أيضا.
اندفع السجناء إلى شبك الزيارة من أعلنت السماعة اسمه منهم، ومن لم تعلن،
فكثير منهم لا ينتظر نهاية الأسماء وإنما يقوم في كل زيارة بالخروج للشبك وكأنه يستجدي لنفسه زيارة ،انقضى الوقت، وما يزال ينتظر،  هل يعقل أن لا يسال  عنه أحد ؟!! .اختصر الوجوه كلها واكتفى بوجه أمه ولكنها لم تأت!! .
 عاد النزلاء إلى غرفهم وأعلن وقت الغذاء وانشغل عنه الجميع ،  سار معهم  وفي باله  يجري حديث آخر ، إن أهله تخلوا عنه، لقد تخلت عنه أخر الحصون في عالمه داخل هذا الجحيم .
كيف ستمر الأيام ،  ما زال لم ينقطع عن ذكرى محيطه ،ما يزال يذكر تلك الليلة عندما شعر بقوة غريبة تدفعه إلى حمل أوراق سياسية كتبها في لحظة يأس وتحد ووزعها على الناس بدأ من منتصف الليل وإلى اليوم التالي، وكان قبلها ذهب إلى منزل أخته ، وكأنه يودعها ، وقد استشعرت هي ما يدور في باله، ولا شك أنها أطلقت أثناء الحديث القصير أكثر من تحذير لم يعطه بالا فقد كان مشغولاً بمراقبة أبنائها الاثنين اللذين ملئا عمره بالسعادة، واعتاد على مشاهدتهما كل يوم تقريباً ، وعندما فزّ واقفا لحقوه جميعا إلى بوابة المنزل ثم نزل الدرج مسرعا، وغادر وهو يسمع صوت الصغير يودّعه لأوّل مرة بهذه الكلمات  "باي خالو باي "فتركت هذه الكلمات في نفسه شعوراً بحلاوة غريبة أشبه بالتعزية، أسرع الخطى إلى الشارع العام ثمّ ركب) الباص ) إلى المدينة، ومضى،  وهو  يحمل معه أوراقه الخطيرة التي سيوزعها تحت نور الشمس هذه المرة عندما لم يعد يحسّ بطعم طريقته السابقة في التوزيع تحت جنح الظلام ربما لأنه كررها أكثر من مرة، وقرر تطوير حرّيته في التعبير.
وللمرة الثانية أيضا لفت انتباهه صهريج مياه (عتيق) مكتوب عليه من المؤخرة "بودعك "وازداد شعوره بالحلاوة كل شيء معني بوداعه هكذا أكد لنفسه.
 
رأى كل الوجوه تتراكض في مخيلته في هذه العجالة وأفاق على صوت (الباص) يتوقّف تماما في" الكراج" ، ترك الحافلة وراح يجوب في المدينة ويوزع ما معه من أوراق على المساجد، ويضعها تحت أبواب الدوائر الرسميّة التي تغلق أبوابها في ذلك اليوم، وعلى مقار الأحزاب السياسية، وعلى المواطنين الذين يعرفونه، والذين لا يعرفونه حتّى يضمن أن تصل أوراقه إلى من يمثلون الرأي العام في المدينة، وكان جاهداً ليثبت للصحيفة التي منعت مقاله عدم حاجته لها بعد أن رفض رئيس تحريرها نشر مقاله رغم انه وافق بان يحذف الممنوع وينشر الباقي، ارتاح أخيراً وقد وزع أوراقه في كل أنحاء المدينة بسلام ثمّ أدرك أنه بقيت لديه بعض الأوراق وقرر فوراً أن يذهب إلى القرى ويوزع فيها ، دخل) الباص) وانتظر انطلاقه ، وأطلق بصره إلى الماضي البعيد .
أفاق على صوت أحدهم يطالبه بالنهوض وبرز في يده جهازاً لاسلكياً وأخر حاول إمساك يده وثنيها بلين مكنه من رفضه ، وسار أمامهم طليقاً  فهم يعرفونه وهو يعرفهم،  ثم  وضعوه في السيارة العسكرية بحركات سريعة ملفتة للانتباه أمام الناس الذين سيتناقلون الخبر بسرعة ، وانطلقت السيارة ، ولم يشعر سوى بالحزن .

يتبع الحلقة الثانية.....

 

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
08-03-2012 02:13 PM

كذاب و باحث عن الشهرة في بلد هو يعرف انة لن يتعرض للاذى من جراء الكذب الواضح. كنت نزيلا لاحد السجون و كان الشيوعيون جيران في الزنزانة المجاورة و كان هذا في الثمانينيات اي ايام الحكم العرفي و كانو مكرمين معززين و على علاقة طيبة مع كادر السجن . الاردن البلد الوحيد في العالم الذي يخلو تاريخة من الاغتيالات و الاعدام السياسي فلااظن اننا سنبدء بمثل هذه الحماقات الان.

2) تعليق بواسطة :
08-03-2012 04:12 PM

نعتذر

3) تعليق بواسطة :
08-03-2012 05:51 PM

إلى تعليق 1 ما كتب أقل من الحقيقة بكثير واضح من أدب الكاتب أنه ابتعد بنفسه عن ذكر أشياء أشد تمس الكرامة .
لا أقول هذا من فراغ لقد خدمت فترة 4سنوات في أحد أحد السجون وتركت الخدمة العسكرية لما رأيت من سوء معاملة لبني البشر والله أحيانا حتى الحيوانات الضالة في بلادنا لا في بلاد غيرنا لا تعامل بمثل ما يعامل به بعض النزلاء اسألو عن الزنازن الانفرادية والزنازن القديمة والقبو في السجن العسكري وسألو لمن كانت أحد من كان فيها هو اليوم أمين عام حزب من أحزاب الأمة

بقي شيء واحد أتمنى له إجابة وهو كيف ينظر مدير السجن إلى نفسه اليوم عندما يعود بذاكرته إلى تلك الأيام وقد تقاعد الآن وينتظر لقاء وجه ربه فماذا سيقول له عن إختراعاته العظيمة في أساليب التعذيب والإهانة لخلق الله

4) تعليق بواسطة :
09-03-2012 12:00 AM

الا لعنة الله عليهم والملائكة والناس اجمعين.

5) تعليق بواسطة :
09-03-2012 08:57 PM

رواية شرق المتوسط للمبدع عبد الرحمن منيف . يصف وضع المعتقلين السياسيين في بلاد العرب ....

6) تعليق بواسطة :
12-02-2013 03:02 PM

بلاغ الى طاغية ..

7) تعليق بواسطة :
05-03-2015 11:17 AM

من احقر السجون في اﻻردن سجن جويده هو عباره عن مكرها صحيه وبؤره فساد

8) تعليق بواسطة :
02-03-2016 02:35 PM

وين الحلقه التانيه ?

9) تعليق بواسطة :
17-08-2017 08:28 AM

عندي تعليق علی بعض الشرطيات بالسجون والدوائر الحکوميه المفروض تتعلم الادب وحسن المعامله مع ال

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012