أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 24 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
الملك يستقبل وزير الخارجية والدفاع الإيرلندي قرارات مجلس الوزراء - تفاصيل أورنج الأردن وأوريدو فلسطين تجددان شراكتهما الاستراتيجية لتقديم خدمات الاتصال والتجوال الدولي للزبائن إنفاذاً لتوجيهات الملك.. رئيس الوزراء يوعز إلى جميع الوزارات والجهات الحكوميَّة بتقديم كلِّ الدَّعم والممكِّنات للهيئة المستقلَّة للانتخاب لإجراء الانتخابات النيَّابية مستقلة الانتخاب تحدد الثلاثاء 10 ايلول القادم موعدا للانتخابات النيابية ذروة الكتلة الحارة الخماسينية بالأردن يوم الخميس مشاريع مائية في اربد بقيمة 23 مليون يورو 6 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة لليوم 201 للحرب صياغة مسودة تعليمات تتعلق بنظام دور الحضانة بيان أردني كويتي مشترك في ختام زيارة الدولة لأمير دولة الكويت إلى الأردن - نص البيان المعايطة: يؤكد جاهزية الهيئة للانتخابات الملك يأمر بإجراء الانتخابات لمجلس النواب وفق أحكام القانون الملك في وداع أمير الكويت لدى مغادرته عمان - صور هي حرب إسرائيلية أميركية...السيناتور الامريكي ساندرز : إسرائيل تهدف للقضاء على الفلسطينيين لا حماس بدء صدور نتائج انتخابات رؤساء مجالس المحافظات ونوابهم - أسماء وتحديث
بحث
الأربعاء , 24 نيسان/أبريل 2024


لِمَاذَا يَنْتَحِرُ أَكْثَرُ مِنْ 800 أَلْفَ شَخْصٍ سَنَوِيًّاً ؟!!

بقلم : هبة أحمد الحجاج
19-10-2021 03:07 PM

فِي يَوْمٍ مَا مِنْ أَيَّامِ الْعَمَلِ الشَّاقِّ ، وَجَبَ عَلَيَّ أَنْ أَبْقَى مُسْتَيْقِظًا حَتَّى أُنْجِزَ عَمَلِي . فَأَخَذْتُ أَعْمَلُ كُلَّ مَا بِوُسْعِي حَتَّى أُنْجِزَهُ قَبْلَ مَوْعِدِهِ .
وَ جَلَسْتُ عَلَى شَبَكَةِ الْإِنْتَرْنِتْ قُرَابَةَ ٢٣سَاعَةً ، كُنْتُ مُنْهَمِكًا جِدًّا بِالْعَمَلِ وَ مُرْتَبِكًا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ ، وَأَنَا كَذَلِكَ أَدْخُلُ مِنْ مَوْقِعِ تِلْوَ الْآخَرِ وَصَلَتْنِي رِسَالَةً عَلَى الْبَرِيدِ الْإِلِكْتِرُونِيِّ فِي تَمَامِ السَّاعَةِ ٢:١٦ ص . وَعِنْدَمَا قَرَأْتُهَا ذُهَلْتُ ، كَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا ' كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ يَنْقُذَنِي أَحَدٌ ، غَدًا لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ اكْتِئَابٌ وَ هَذَا قَرَارٌ ' رِسَالَةُ انْتِحَارٍ .

أَصْبَحْتْ كَالْمَجْنُونِ ، مَاذَا أَفْعَلُ ؟! مِنْ هَذَا الشَّخْصِ ؟!
كَيْفَ سَأُنْقِذُهُ ؟! الْكَثِيرُ الْكَثِيرُ مِنْ تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ . وَ مِنْ ثَمَّ وَقَفَتْ لِبُرْهَةَ وَقُلْتُ ' يَجِبُ أَنْ أَتَمَاسَكَ وَ أُشْعِرَهُ بِعَدَمِ الِارْتِبَاكِ مِنْ رِسَالَتِهِ لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يَصِلُهُ هَذَا الْإِحْسَاسُ لَنْ يَثِقَ بِي ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُنْقِذَهُ '.
جَلَسْتُ عَلَى الْكُرْسِيِّ وَهَدَأْتُ نَفْسِي ، وَكَتَبْتُ لَهُ رِسَالَةٌ مُحْتَوَاهَا' مَا رَأْيُكَ أَنْ نَلْتَقِيَ غَدًا فِي السَّاعَةِ الْفُلَانِيَّةِ فِي الْمَقْهَى الْفُلَانِيِّ وَنَتَحَدَّثُ؟!'
أَصْبَحْتْ أَنْتَظِرُ عَلَى أَحَرٍ مِنْ الْجَمْرِ ، وَعِنْدَمَا تَأَخَّرَ فِي الرَّدِّ قُلْتُ فِي نَفْسِي ' مَاتَ '؟!
وَإِذْ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ تَصِلُنِي رِسَالَةً مِنْ نَفْسِ الْبَرِيدِ مَكْتُوبًا فِيهَا ' لَنْ يُبَالِيَ الْعَالَمُ بِضِيقِ صَدْرِكَ عِنْدَمَا تَسْتَيْقِظُ مِنْ
النَّوْمُ مُثَقَّلًا بِالْهُمُومِ وَ تَفَكَّرَ فِي الِانْتِحَارِ، لَنْ يُبَالِيَ الْعَالَمَ وَ لَنْ يُبَالِيَ بِكَ أَحَدٌ'.

أَجَبْتُهُ بِرِسَالَةٍ عَلَى الْفَوْرِ وَقُلْتُ لَهُ مُمَازِحًا ' وَ لَكِنِّي أَنَا بَالَيْتُ وَ الدَّلِيلُ أُرِيدُ مُقَابَلَتَكَ غَدًا ، هَلْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ أَرّسل لِي رَقْمَ هَاتِفِكَ ؟!'

وَمَنْ لَطَفَ اللَّهُ أَنَّهُ اسْتَجَابَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَ لَكِنَّهُ بَعَثَ لِي رِسَالَةً ' أَرّسل لِي رَقْمَ هَاتِفِكَ وَ انْتَظِرْ مِنِّي اتِّصَالٌ غَدًا '.

سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ ' وَ أَرسَلتُ رَقْمَ هَاتِفِيٍّ '.
جَلَسْتُ طِيلَةَ اللَّيْلِ أُفَكِّرُ مَاذَا سَأَقُولُ لَهُ ؟! كَيْفَ سَأَجْعَلُهُ يَقْلَعُ عَنْ هَذَا الْقَرَارِ؟! وَ الْكَثِيرُ مِنْ التَّسَاؤُلَاتِ الْمَمْزُوجَةِ بِالْخَوْفِ وَ الرِّيبَةِ أَنْ أَفْقَدَ هَذَا الشَّخْصَ .

كُنْتُ فِي حَالَةٍ يُرْثَى لَهَا ،أَفْكَارٌ إِيجَابِيَّةٌ وَ أَفْكَارٌ سَلْبِيَّةٌ.

وَإِذْ أَرَى أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ أَتَى بَعْدَ طُولِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ.
وَ هَا هُوَ جَرَسٌ هَاتِفِيٌّ يَرِنُّ وَ أَسْمَعُ صَوْتًا يَقُولُ لِي ' نَلْتَقِي فِي الْمَقْهَى الْفُلَانِيِّ بَعْدَ سَاعَةٍ ' .
سَارَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَ الْتَقَطَتْ مَفَاتِيحَ سَيَّارَتِي كَمَا تَلْتَقِطُ الْعَصَافِيرُ الصَّغِيرَةُ الطَّعَامَ مِنْ فَمِ أُمِّهَا ، وَ تُرِكَتْ مَهَامَّ عَمَلِي وَكُلَّ شَيْءٍ وَرَاءَ ظَهْرِي وَتَذَكَّرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ).

وَ بَقِيتْ أَرَدَدُ طِيلَةَ الْوَقْتِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ:
(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ). وَ كَأَنَّنِي أُقْنِّعُ نَفْسِي أَنَّنِي سَأَتَمَكَّنُ مِنْ إِنْقَاذِ هَذَا الشَّابِّ .

عِنْدَمَا وَصَلْتُ رَأَيْتُ شَابَّ كَأَنَّهُ غُصْنٌ مُزْهِرٌ، وَقَفْتُهُ فِيهَا جَلَالٌ وَ وَقَارٌ وَ عَيْنَاهُ فِيهِمَا طَمُوحٌ وَتَعَالٌ ، لَهُ طَلْةٌ بَهِيَّةٌ تَنِمُّ عَنْ وَجَاهَةٍ ، مُسْتَدِيرُ الْوَجْهِ طَوِيلُ الْقَامَةِ ثَاقِبُ النَّظَرِ وَعَلَى رَأْسِهِ قُبْعَةٌ وَاسِعَةٌ تُظَلِّلُ وَجْهَهُ وَ لَا تُتْرَكُ مِنْ شَعْرِهِ الْفَاحِمِ إِلّا بَعْضَ الْخَصَائِلِ السَّوْدَاءِ الْمُتَدَلِّيَةِ عَلَى جَبِينِهِ.
جَلَسْتُ عَلَى الْفَوْرِ . لِلَحْظَةٍ شَعَرْتُ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَبَّذٍ فِي وُجُودِي وَقُلْتُ فِي نَفْسِي ' مِنْ الْوَاضِحِ عَلَيْهِ أَنَّهُ اتَّخَذَ قَرَارَهُ وَانْتَهَى' حَتَّى أَنَّنِي سَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ لِي وَكَانَ صَوْتُهُ ' لَا تُحَاوِلْ .. اتَّخَذْتُ قَرَارِي وَ انْتَهَى الْمَوْضُوعُ' .
قُلْتُ فِي نَفْسِي ' أَنْتَ مِنْ الشَّخْصِيَّاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ أُظْهِرَ لَكَ كَمْ أَنَّ مُشْكِلَتَكَ بَسِيطَةٌ بَلْ تَافِهَةٌ أَيْضًاً حَتَّى لَوْ كَانَتْ 'الِانْتِحَارُ ' .
سَارَعْتُ عَلَى الْفَوْرِ وَقُلْتُ لَهُ بِأُسْلُوبٍ فُكَاهِي ' اسْمَحْ لِي أَيُّهَا الْحَيُّ وَ الْمَيِّتُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، أُرِيدُ مِنْكَ أَنْ تَصِفَ لِي آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ حَيَاتِكَ ؟!'

دَهَشٌ مِنْ أُسْلُوبِي وَ قَالَ مُتَسَائِلًا: لَمْ أَفْهَمْ مَاذَا تَقْصِدُ بِالْحَيِّ وَ الْمَيِّتِ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ ؟!
ابْتَسَمْتُ لَهُ وَقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ الْآنَ مَا هُوَ وَضْعُكَ فِي الْحَيَاةِ ؟!
قَالَ : حَيٌّ !
قُلْتُ لَهُ : وَ بَعْدَ سَاعَةٍ ؟!
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ لَمْ يُجِيبْ .. آثَرَ الصَّمْتَ عَلَى الْإِجَابَةِ.
تَابَعْتُ الْحَدِيثَ مَعَهُ وَقُلْتُ لَهُ : كَمَا أَنَّهَا فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ هَذَا الشَّخْصِ ' الْحَيِّ وَ الْمَيِّتِ ' حَتَّى يَصِفَ لَكَ كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ الْحَيَاةِ ؟!
أَغْلَبُ الَّذِينَ أَعْرَفَهُمْ وَ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ اللَّهُ وَ انْتَبَهَ تَوَفَّاهُمُ اللَّهُ لَمْ أَقُلْ الَّذِينَ انْتَحَرُوا ؛ لَمْ يَصِفُوا لِي هَذَا الشُّعُورَ وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ بَعْدَ سَاعَةٍ، لَاعِلِينَا هَذَا لَيْسَ حَدِيثَنَا .
لَمْ تَقُلْ لِي مَا هُوَ سَبَبُ انْتِحَارِكٍ ؟!
نَظَرَ إِلَيَّ بِنَظْرَةٍ مَمْزُوجَةٍ بِالْحُزْنِ وَ الْأَلَمِ وَ كَأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَبْكِيَ وَ قَالَ 'الْفَقْرُ؛ لَيْسَ الْفَقْرُ هُوَ الْجُوعُ إِلَى الْمَأْكَلِ أَوْ الْعُرَى إِلَى الْكِسْوَةِ، الْفَقْرُ هُوَ الْقَهْرُ، الْفَقْرُ هُوَ اسْتِخْدَامُ الْفَقْرِ لِإِذْلَالِ الرُّوحِ ، الْفَقْرُ هُوَ اسْتِغْلَالُ الْفَقْرِ لِقَتْلِ الْحُبِّ وَ زَرْعُ الْبَغْضَاءِ. إِنَّ مُجْتَمَعَنَا اللَّئِيمَ يَخْلُقُ أَسْبَابَ الْفَقْرِ وَ الْعَاهَةَ مِنْ جِهَةٍ، ثُمَّ يَحْتَقِرُ الْمُصَابِينَ بِهِمَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَبِذَلِكَ يُنَمِّي فِيهِمْ عَقْدًاً نَفْسِيَّةً لَا خَلَاصَ مِنْهَا.
غَالِبِيَّةُ الْأُسَرِ تَعْجِزُ عَنْ تَأْمِينِ مُتَطَلَّبَاتِ الْحَيَاةِ مِنْ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ مَصَارِيفِ الدِّرَاسَةِ الَّتِي تَكْسِرُ الظُّهْرَ، وَ تَكَالِيفَ الْعِلَاجِ، لَا سِيَّمَا فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ الْخَاصَّةِ، وَ انْتِشَارِ الْبِطَالَةِ وَتَدَنِّي الرَّوَاتِبِ ، فَهَذِهِ الظُّرُوفُ السَّيِّئَةُ تُعَدُّ أَبْرَزَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَدْفَعُ بِالْأَشْخَاصِ إِلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الِانْتِحَارِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَيَاةِ الْبَائِسَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ.
وَ لِهَذَا السَّبَبِ أُقْدَمُ عَلَى الِانْتِحَارِ' .
نَظَرْتُ لَهُ بِنَظْرَةِ اسْتِخْفَافٍ وَقُلْتُ لَهُ ' هَذَا كُلُّ مَا فِي الْأَمْرِ ؟! أَقْصِدُ لِهَذَا السَّبَبِ سَوْفَ تَنْتَحِرُ ؟!'

نَظَرَ إِلَيَّ و قَالَ بِنَبْرَةِ حَادِّهِ ' اتَسْتَخِفَّ بِقِصَّتِي ؟! '

قُلْتُ لَهُ : لَا وَ لَكِنَّنِي سَمِعْتُ عَنْ قِصَّةٍ أَشَدَّ بَلَاءً مِنْ قِصَّتِكَ، عَلَى رَأْيِ الْمَثَلِ ' مَنْ شَافٍ مُصِيبَةَ غَيْرِهِ هَانَتْ عَلَيْهِ مُصِيبَتُهُ'، رَجُلٌ لَقَبَ بِ' أَعْظَمِ الصَّابِرِينَ ' .
نَظَرَ إِلَيَّ وَ كَانَتْ نَظَرَاتُهُ يَمْلَأُهَا الذُّهُولُ وَ الصَّدْمَةُ، وَ لَا أُخْفِيكُمْ أَعْجَبَتْنِي تِلْكَ النَّظْرَةُ وَ أَكْمَلْتُ رِوَايَةَ الْقِصَّةِ 'ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قِصَّةَ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ ابْتِلَائُهُ لَهُ بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ ، إِذْ دَعَا رَبَّهُ بِخُشُوعٍ وَ تَضَرَّعَ ، فَقَالَ 'يَارِبِ إِنِّي قَدْ نَالَنِي الْبَلَاءَ وَالْمَرَضَ وَالشِّدَّةَ وَ الْكَرْبَ الْعَظِيمَ' ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَأَوْلَادٌ. أَذْهَبَ اللَّهُ الْمَالَ وَ أَهْلَكَ الْأَوْلَادَ فَصَبَرَ سَيِّدُنَا أَيُّوبَ ، ثُمَّ سَلَّطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى الْمَرَضَ وَ الْبَلَاءَ الشَّدِيدَ عَلَى جِسْمِهِ ، فَصَبَرَ أَيْضًاً وَحِينَ مَرَّ عَلَيْهِ قَوْمُهُ قَالُوا - مَا أَصَابَهُ كُلُّ هَذَا إِلّا أَنَّهُ ارْتَكَبَ الذُّنُوبَ الْعَظِيمَةَ - فَقَالَ لَهُمْ أَيُّوبُ إِنَّ بِي قَلْبًا شَاكِرًاً وَ حَامِدًا لِلَّهِ وَ جَسَدًا عَلَى الْبَلَاءِ صَابِرًاً ، عِنْدَئِذٍ تَضَرَعُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ تَوَسَّلَ إِلَيْهِ أَنْ يُنْجِيَهُ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ ضُرَّهُ ،وَحِينَ قَالَ يَارِبِ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَارْحَمْنِي ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالضَّعْفِ وَ الْعَجْزِ ، وَ وَصَفَ رَبَّهُ الْقَادِرَ بِالرَّحْمَةِ ، أَجَابَ اللَّهُ تَضَرُّعَهُ وَ قَبْلَ دُعَاءَهِ ، وَأَزَالَ مَا أَصَابَهُ مِنْ ضُرٍّ وَ بَلَاءٍ ' .
فِي هذه اللَحْظَةٍ رَأَيْتُهُ يَطَئْطِئُ رَأْسَهُ وَ أَخَذَ يَتَمَتَّمُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ نَفْسِهِ يَقُولُ ' مُصِيبَتِي أَمَامَ مَصَائِبِ سَيِّدِنَا أَيُّوبَ لَا تَذْكُرُ ( نُقْطُهُ فِي بَحْرِ مَصَائِبِهِ )'.
تَابَعْتُ تَنَاوُلَ طَعَامِي ،وَلَكِنْ كُنْتُ اسْتَرَقَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ ، رَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَى النَّافِذَةِ وَيَقُولُ ' اُنْظُرْ هَذَا الْأَبَ يَتَعَمَّدُ إِهَانَةَ ابْنِهِ وَ سَبَّهُ بِأَفْظَعِ الْأَلْفَاظِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ سَيُشْعِرُ أَنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ، كَيْفَ سَيَتَحَمَّلُ الْإِهَانَاتِ .
هَذَا الطِّفْلُ يَنْشَىءُ بِظُرُوفٍ تَرْبِيَةٍ قَاسِيَةٍ ،بِالتَّأْكِيدِ سَيَنْتَحِرُ'.
نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ وَقُلْتُ :- أَتَعْلَمُ أَنَّ هُنَاكَ أَبٌ حَرَقَ ابْنَهُ وَهُوَ حَيٌّ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَعِنْدَمَا أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْ الْحَرْقِ قَالَ ' سَأَسْتَغْفِرُلَكَ رَبِّي ' .
صُدِمَ و قَالَ :- كَيْفَ ذَلِكَ يُحْرَقُ ابْنُهُ وَهُوَ حَيٌّ! ارْوِي لِي هَذِهِ الْقِصَّةَ .
فَقلتُ لهُ عَلى الرُحبِ والسَعة، إلَيكَ القِصَة 'بَدَأَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ فِي دَعْوَةِ أَبِيهِ بِأَنْ يَدْخِلَهُ فِى دِينِ اللَّهِ وَ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَ يَتْرُكُ الشِّرْكَ وَصِنَاعَةَ التَّمَاثِيلِ، وَلَكِنْ أَبَاهُ غَضِبٌ وَ رَفَضَ دَعْوَتَهُ، وَ قَامَ بِطَرْدِهِ مِنْ الْبَيْتِ، وَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَتَرْكِ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ، وَ لَكِنَّهُمْ رَفَضُوا دَعْوَتَهُ، فَأَقْسَمَ أَنْ يُحَطِّمَ تِلْكَ الْأَصْنَامَ.
فَوَجَدُوا أَصْنَامَهُمْ قَدْ تَحَطَّمَتْ، فَغَضِبُوا وَ تَسَاءَلُوا عَمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَ حَتَّى عَرَفُوا أَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ ،قَرَّرَ الْقَوْمُ أَنْ يَنْتَقِمُوا مِنْ إِبْرَاهِيمَ لِيَنْصُرُوا الْآلِهَ ، فَأَوْقَدُوا نَارٌ كَبِيرَةً عَالِيَةً ،وَكَانَ أَبُوهُ مَعَهُمْ ، وَأَلْقُو بِهِ مُقَيَّدًا، وَ لَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَ النَّارَ بِأَنْ تَكُونَ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا سَالِمًا وَقَدْ آمَنَ الْكَثِيرُ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ'.

وَعِنْدَمَا أَكْمَلَتْ رِوَايَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ رَأَيْتُهُ يَنْظَرُ إِلَيَّ بِنَظْرَةِ الِاسْتِسْلَامِ وَ قَالَ :- يَقُولُونَ ' جَوَابُكَ عَلَى رَأْسِ لِسَانِكَ ، وَأَنَا أَقُولُ لَكَ :- أَنْتَ دَلِيلُكَ وَجَحْتُكَ وَقِصَّتُكَ عَلَى رَأْسِ لِسَانِكَ '.
ثُمَّ ابْتَسَمَ وَ أَخَذَ يَتَصَفَّحُ الْإِنْتَرْنِتْ وَ مَوَاقِعَ السُّوشْيَالِ مِيدْيَا وَالْأَخْبَارَ إِلَخْ .
ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ بِنَظْرَةٍ مَمْزُوجَةٍ بِالْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِي ؛ لَقَدْ وَقَعْتُ بِالْفَخِّ و قَالَ :- اسْمَعْ هَذَا الْخَبَرَ .
'حَادِثٌ مُرَوّعٌ، أَقْدَمَ زَوْجَانِ عَلَى الِانْتِحَارِ قَفْزًا مِنْ الطَّابَقِ السَّادِسِ ،انْتَحَرَ الرَّجُلُ ثُمَّ لَحِقَتْهُ زَوْجَتُهُ بَعْدَهَا بِثَوَانٍ قَلِيلٍةبِسَبَبِ عَدَمِ الْإِنْجَابِ.
وَوَفْقًاً لِمَوَاقِعِ إِعْلَامٍ، فَإِنَّ الزَّوْجَ (33 عَامًاً)، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ و قَالَ :- قَالَ تَعَالَى ' الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ' '.
نَظَرْتُ لَهُ وَقُلْتُ :- و قَالَ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاَللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التَّغَابُنُ:15].
وَمِنْ ثَمَّ نَظَرْتَ لَهُ وَقُلْتُ ' أَعْتَقِدُ أَنَّكَ قُلْتَ زَوْجٌ يَبْلُغُ مِنْ الْعُمْرِ (33).. حَسَنًا، احْفَظْ هَذَا الرَّقْمَ جَيِّدًا لِأَنَّهُ مُهِمٌّ فِي قِصَّتِنَا الْقَادِمَةِ'.
سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي أَرَادَ أَبُوهُ أَنْ يُحْرِقَهُ وَهُوَ حَيٌّ ، وَهُوَ نَفْسُهُ الَّذِي بَلَغَهُ الْكِبَرُ، وَ كَانَتْ امْرَأَتُهُ «سَارَّةً» عَجُوزًاً، انْقَطَعَ عَنْهَا الْوَلَدُ لِكِبَرِ سِنِّهَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مَلَائِكَةً بِصُورَةٍ آدَمِيِّينَ ، بَشَّرُوهُ بِمِيلَادِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَ عَقِبَ هَذِهِ الْبُشْرَى تَعَجَّبَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَنْ يُولَدَ لَهُ وَلَدٌ وَقَدْ بَلَغَ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيًّا، ثُمَّ إِنَّ امْرَأَتَهُ سَارَةُ عَاقِرٌ، وَقَدْ وُلِدَ سَيِّدُنَا إِسْحَاقَ وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ بَلَغَ السَّنَةَ الْمِائَةَ مِنْ الْعُمْرِ تَقْرِيبًا، وَحِينَ كَانَتْ أُمُّهُ قَدْ بَلَغَتْ 90 عَامًا ، لَكِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَوْقَ كُلِّ إِرَادَةٍ، وَ كَرَمُهُ فَوْقَ أَيِّ كَرَمٍ ، وَيَكْفِيهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَوَكَّلَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ، وَ يَسْأَلُهُ تَعَالَى دُونَمَا جَزَعٍ أَوْ يَأْسٍ مِنْ جُودِهِ.
مِنْ تَمَامِ كَرَمَ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ لَمْ يُبَشِّرْهُ بِأَيِّ غُلَامٍ، بَلْ بَشَّرَهُ بِنَبِيٍ صَالِحٍ مُبَارَكٍ عَلَيْهِ، فَهَكَذَا يَجُودُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ، فَيَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
'لَا يُقْبَلُ عَلَى الْإِنْتِحَارِ سِوَى إِنْسَانٍ جَبَّانٍ، فَشِلَ فِي مُوَاجَهَةِ الْحَيَاةِ'.
سُعُودُ السِّنَعُوسِي.
وَ بَيْنَمَا أَنَا مُنْدَمِجٌ فِي الْكَلَامِ إِذْ أَرَى زَمِيلِي فِي الْعَمَلِ يَلُوحُ لِي بِيَدِهِ ، أَتَى مُهَرْوَلًا إِلَيَّ وَكَأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ شَيْءٌ ، وَكَانَ كَذَلِكَ ، حَيْثُ أَخْبَرَنِي عَنْ قَضِيَّةِ الشَّارِعِ الْيَوْمَ ؛وَهِيَ قِصَّةُ انْتِحَارٍ شَابٍّ بِتَنَاوُلِ حَبَّةٍ سَامَّةٍ بِسَبَبِ الْخِلَافِ عَلَى الْمِيرَاثِ مَعَ أُسْرَتِهِ .
قُلْتُ لَهُ :- هَذِهِ الْقِصَّةُ تُذَكِّرُنِي مِنْ حَيْثُ مَبْدَأُ الْإِخْوَةِ بِقِصَّةٍ بِسَيِّدِنَا يُوسُفَ وَكِيدِ إِخْوَتِهِ وَحَسَدِهِمْ لَهُ ، فَبَدَأَ إِخْوَتَهُ الْعَشَرَةَ يَتَجَادَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِشَأْنِ زِيَادَةِ مَحَبَّةِ وَالِدِهِمْ لِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ الشَّقِيقِ بِنْيَامِينْ، وَكَانَ يُوسُفُ أَحَبّهُمْ إِلَى أَبِيهِ، وَلَمَّا بَلَغَهُمْ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا يُوسُفُ فِي مَنَامِهِ ، اتَّفَقُوا عَلَى الْكَيْدِ لَهُ وَظَهَرَ حَسَدُهُمْ لِأَخِيهِمْ. وَ كَانُوا يَرَوْنَ بِأَنّهُمْ أَحَقُّ بِمَحَبَّةِ أَبِيهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ مَنْ يَقُومُونَ بِمَصَالِحِ أَبِيهِمْ وَهُمْ مَنْ يَقْدِرُونَ عَلَى نَفْعِهِ وَعَلَى الْحِلّ وَ الْعَقْدِ، وَهُمْ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي السِّنِّ ، وَأَقْوَى وَهُمْ عَصَبَةٌ وَ لَيْسُوا اثْنَيْنِ فَقَطْ كَيُوسُفَ وَأَخِيهِ، فَكَانُوا صِغَارًا لَا نَفْعَ مِنْهُمْ وَ لَا قُدْرَةَ عَلَى كَسْبِ الرِّزْقِ، وبعدَ كُلِ هذه الْأَفْكَارُ الْمَلِيئَةُ بِالْحِقْدِ وَ الْحَسَدِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَسْتَفْرِدُوا بِمَحَبَّةِ أَبِيهِمْ.
وشَاءَ اللهُ أنْ يَرّفَع قَدّرَ يُوسُفُ عليهِ السَلام بِأنْ جَعَلهُ أَمِينًا عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ، أَيْ أَرْضِ مِصْرَ وَمَا فِيهَا مِنْ غَلَّاتٍ وَ حُبُوبٍ وَثِمَارٍ .
رَدَّ عَلِي زَمِيلِي قَائِلًاً:- الْحِكْمَةُ مِنْ ابْتِلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُرِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى عِبَادَهُ أَنَّهُ ابْتَلَى أَحَبَّ الْبَشَرِ إِلَيْهِ، فَيُوَجَّهُنَا إِلَى الِانْتِبَاهِ بِأَنْ لَيْسَ كُلُّ ابْتِلَاءٍ كَرَاهِيَةً وَبُغْضٍ، وَ إِنَّمَا قَدْ تَكُونُ مُحِبَّهُ وَقُرْبَى.
قُلْتُ لَهُ: وَ أَزِيدُكَ مِنْ الشِّعْرِ بَيْتًا' الْأَنْبِيَاءُ هُمْ الْأَعْلَامُ، لِذَا قَدْ يَبْتَلِيهِمْ اللَّهُ لِيَتَأَسَّى بِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَيَكُونُوا لَهُمْ قُدْوَةً فِي الصَّبْرِ وَ تَحَمُّلُ الشَّدَائِدِ.
نَظَرَ إِلَيَّ زَمِيلِي و قَالَ: أَتَعْلَمُ الْيَوْمَ قَرَأْتُ مُقَابَلَةً لِطَبِيبٍ نَفْسِي يَقُولُ :- إِنَّ الشَّخْصَ الَّذِي يَنْوِي الِانْتِحَارَ يَطْلُبُ الْمُسَاعَدَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ انْتِحَارُهُ: غَالِبًا مُعْظَمَ الْمُنْتَحِرِينَ لِأَسْبَابٍ نَفْسِيَّةٍ يَذْهَبُونَ لِلطَّبِيبِ قَبْلَ شَهْرٍ مِنْ الِانْتِحَارِ، وَ الثُّلْثُ مِنْهُمْ يَذْهَبُونَ قَبْلَ الِانْتِحَارِ بِعَشَرَةِأَيَّامٍ، وَ60% مِنْهُمْ يُعْلِنُونَ عَنْ عَزْمِهِمْ الِانْتِحَارَ، وَ هَذَا يَتَطَلَّبُ فَهْمَهُمْ وَ مُسَاعَدَتَهُمْ بِالْفِعْلِ.
أَمَّا عَنْ نَفْسِي فَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الصِّحَافِيُّ وَ الْكَاتِبُ جُورْجْ بِرْنَارْدْ شُو ' الِانْتِحَارُ هُوَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ مَشْهُورًاً مِنْ دُونِ أَنْ يَمْتَلِكَ قُدُرَاتٍ'.
وَفَجْأَةً رَأَيْتُ الشَّابَّ وَقَفَ و قَالَ ' الْمَعْذِرَةُ ؛سَأَذْهَبُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَالْعَصْرُ أَذَّنَ '.
ابْتَسَمْتُ لَهُ وَقُلْتُ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مُقَدَّمًا، انْتَظِرْ مِنْكَ الْيَوْمَ رِسَالَةً .
ابْتَسَمَ وَ ذَهَبَ .

لَا أُخْفِيكُمْ بَقِيتُ أَنْتَظِرُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ عَلَى أَحَرٍ مِنَ الْجَمْرِ وَإِذْ تَصِلُ لِي رِسَالَةٌ مُحْتَوَاهَا ' الْيَوْمَ ذَهَبْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ ، وَلِأَجْلِ الصُّدْفَةِ كَانَ الدَّرْسُ بِعُنْوَانِ الِانْتِحَارِ ،
قَالَ الشَّيْخُ :- الِانْتِحَارُ مُنْكَرٌ عَظِيمٌ، وَ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْتَحِرَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :' وَ لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا' [النِّسَاءُ:29] . وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّصَبُّرُ وَالتَّحَمُّلُ إِذَا حَصَلَ عَلَيْهِ نَكْبَةٌ وَ مَشَقَّةٌ فِي دُنْيَاهُ، أَنْ لَا يُعَجِّلَ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ، بَلْ يَحْذَرُ ذَلِكَ، وَ يَتَّقِي اللَّهَ، وَ يَتَصَبَّرُ، وَ يَأْخُذْ بِالْأَسْبَابِ 'وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا '.
إِنَّ نَظْرَةً وَاحِدَةً إِلَى مَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الدُّنْيَا نَجِدُ الِابْتِلَاءَاتِ أَصْنَافًا لَاحِدٍ لَهَا : فَالصِّحَّةُ ابْتِلَاءٌ ، وَ الْمَرَضُ ابْتِلَاءٌ ، وَ وَفْرَةُ الْمَالِ ابْتِلَاءٌ ، وَ قِلَّةُ الْمَالِ ابْتِلَاءٌ ، وَ الْجَاهُ ابْتِلَاءٌ ، وَمَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ فِي ابْتِلَاءٍ ، وَ الْجَمَالُ بَلَاءٌ ، وَ الْقُبْحُ بَلَاءٌ ، وَ النَّشَاطُ بَلَاءٌ ، وَ الْكَسَلُ بَلَاءٌ ،وَ الْأَوْلَادُ بَلَاءٌ ، وَ عَدَمُهُمْ بَلَاءٌ ،وَالْمُتَزَوِّجُ فِي بَلَاءٍ ، وَ الْأَعْزَبِ أَوْ مَنْ فَقْدِ زَوْجَتِهُ فِي بَلَاءٍ ، وَ الْعَالِمُ مُبْتَلًى بِعِلْمِهِ ، وَ الْجَاهِلُ مُبْتَلًى بِجَهْلِهِ ، وَ الذَّكِيُّ مُبْتَلًى بِذَكَائِهِ ، وَ الْغَبِيُّ مُبْتَلًى بِغِبَائِهِ ،قَالَ تَعَالَى { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} . وَ هَكَذَا هِيَ الدُّنْيَا ، وَ هَكَذَا هُوَ الْإِنْسَانُ فَقَدْ خُلِقَ فِي كَبِدٍ وَ ابْتِلَاءٍ ، وَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الصَّبْرُ فِي كُلِّ حَالٍ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَ لِذَا فَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةُ (صَبْرَ) بِمُشْتَقَّاتِهَا مِائَةً وَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَ الْفَوْزُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَ إِنَّمَا فِي الْآخِرَةِ،قَالَ تَعَالَى { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} آلِ عِمْرَانَ185 .

وَيَقُولُ جِيمْسْ غَارْفِيلْدْ 'الِانْتِحَارُ لَيْسَ عِلَاجًا'.
وَأَنَا أَقُولُ ' لَا تَأْخُذْ صَدِيقَ إِلَّا بَعْدَ مُحَاوَلَةِ انْتِحَارٍ ، مَا رَأْيُكَ أَنْ نَخْرُجَ فِي نِهَايَةِ هَذَا الْأُسْبُوعِ ؟'

ابْتَسَمْتُ وَ أَرْسَلتُ لَهُ رِسَالَةً ' أَهْلًا بِصَدِيقِي الْجَدِيدِ ؛ الْعَائِدِ إِلَى الْحَيَاةِ '. وَتَذَكَّرْتُ قَوْلَ زِيغْ زِيغْلَرْ 'هِيَا ، إِنَّ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ يَوْمٌ رَائِعٌ لِلْخُرُوجِ وَ اغْتِنَامِ الْفُرَصِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الْعَالَمُ لَكَ'.



التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012