أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 11 كانون الأول/ديسمبر 2024
الأربعاء , 11 كانون الأول/ديسمبر 2024


الفقر الفكري

بقلم : أ.د. فايز الربيع
01-11-2021 11:48 PM

هناك أنواع من الفقر ودائما يتحدث الناس عن الفقر الاقتصادي المرتبط بالمال والدخل ومعيشة الناس. الحديث عن هذا الجانب يأخذ أولوية قصوى لديهم ولدى المسؤولين، دائما يجري الحديث عن تحسين معيشة الناس من جوانب مختلفة.

ولا بد من القول إن الحديث عن هذا الجانب هو عرض لمرض مرتبط بالإدارة والتخطيط عندما قال سيدنا يوسف لعزيز مصر «اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم» كان يعرف تماماً ماذا سيفعل لإنقاذ الناس من هذه الحال.

إذن؛ الأمر مرتبط بـ'الإدارة» وبالرجال الذين يعرفون تماماً ما هي أسباب المرض حتى يتم علاجه، فهل لدينا فقر في الرجال؟ الحقيقة ليست كذلك، فنحن العرب لدينا من الرجال والمفكرين كثر، ولكننا نتحاشى عن قصد أو غير قصد أن لا نضع الخبير في مكانه والذكي الألمعي في موقعه.

قبل انهيار الاتحاد السوفياتي كان يوضع في المصنع والمزرعة القائد الأقل خبرة وذكاء ليكون مسؤولاً عن الأذكياء والخبراء، فتقل الفاعلية والإنتاجية والدافعية، وهكذا انهارت المصانع والمزارع وسقطت جمهوريات الاتحاد السوفيتي بدون حرب وتفكك الاتحاد السوفيتي..

مراكز الدراسات في الغرب يقودها مفكرون يضعون التحليلات والسيناريوهات والبدائل، وكثيراً ما يأخذ الساسة بهذه الدراسات المبنية على فهم ودراية لتأخذ طريقها إلى التنفيذ.

الفقر الفكري يجعل السطحية والارتجالية ورد الفعل يطغى على كثير من حوارنا؛ وما نشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يميل الناس إلى قراءة الفقرة البسيطة والتعليق الخفيف ويبتعدون عن أي مقال تحليلي، إلا ما ندر، وكثيراً ما ينصحني الأصدقاء «يا دكتور مقالك طويل، خفف ربما الناس مشغولة بأشياء كثيرة إلا الفكر».. ما ندر أن تجد شخصاً يقرأ في الكتاب، وربما حل الهاتف النقال الذكي محل ذلك وأصبحنا نستقبل منه دون تحليل ما يصدَّر إلينا من كتابات.

الفقر الفكري لا يعني أننا فقط لا نقرأ، وإنما لا نحلل ما نقرأ وما يطرح علينا.. إذ سرعان ما تسري إشاعة يطلقها شخص فتصبح حقيقة، الفقر الفكري يجعلنا مبتعدين عن الجذور ونلتقط من أوراق الخريف التي هي في الأصل سقطت لانتهاء مدتها، فتصبح بدلاً من أوراق الربيع الدائمة الخضرة.

الفقر الفكري يجعلنا نضيق ذرعاً باختلاف الرأي ووجهات النظر ونبني على الاختلاف قطيعة، مع أن الله قد أقر الاختلاف سنةً كونية؛ «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة».

نحن أمة نقرأ لا نقرأ، ونحن أمة سورة الحديد لا نستفيد من الحديد، ونحن أمة سورة الشورى أكثر الناس دكتاتورية، دكتاتورية الرأي، وفي كثير من مناطقنا دكتاتورية السلطة «لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد».

لا بد من وضع الفكر في مكانه، وحتى في التاريخ لاقى المفكرون أسوأ النتائج في حياتهم: سقراط وأرسطو وابن حنبل وسعيد بن جبير، والشاعر الذي يقول قصيدة ينطبق عليه (رب كلمة قالت لصاحبها دعني).

(الرأي)


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012