سعد الفاعور*

السياسات والتكتيكات التي تتعامل بها الحكومة مع الشعب ومع الأحزاب ومع الناشطين السياسيين يصعب فهمها. كما أن المعايير التي يتعامل بها من هم في موقع صنع واتخاذ القرار في مؤسسات الدولة، عصية هي الأخرى على الاستيعاب والهضم ولا يمكن لأحدٍ أن "يجمطها" أو أن "يبلعها".

في مطلع الشهر الجاري، اعتصم نصف أعضاء مجلس بلدي مادبا احتجاجاً على تهميشهم واستثنائهم من قبل المحافظ ورئيس البلدية ومنعهم من مقابلة دولة رئيس الوزراء سمير الرفاعي خلال جولة ميدانية قام بها الأخير إلى المحافظة. المحافظ ورئيس البلدية كلاهما أكدا أن زيارة دولة الرئيس كانت ميدانية وهدفها الإطلاع على واقع الخدمات في المحافظة واحتياجات المواطنين، وأنه لم يتم توجيه الدعوة للفعاليات الشعبية والوجهاء.

أنا بدوري أقول: يا عجبي!. ومن أولى من ممثلي المواطنين المنتخبين مباشرة في مجالس البلديات من إطلاع دولته على احتياجات ناخبيهم، أم أنه كما يقال: "هناك زيد وعبيد" حتى في الجولات الميدانية التفقدية الرسمية!. ما هكذا تورد الإبل يا عطوفة المحافظ ويا سعادة رئيس البلدية!

اللافت أن المحافظ طالب أعضاء المجلس البلدي بعدم الاعتصام. وقال إن "القنوات مفتوحة دائما بيننا وبينهم". أنا لا أعرف هل الاعتصام ممارسة ديمقراطية أم مخالفة دستورية؟. وهل حرمان أعضاء مجلس بلدي منتخبين ديمقراطياً من اللقاء برئيس الحكومة وإسماعه مطالب أبناء محافظتهم يمثل أي نوع من سياسات الباب المفتوح؟!. أسئلة شغلتني كثيراً طوال الأسبوعين الماضيين، ولم أعرف لها إجابة حتى اللحظة، كما لم أعرف ماذا حل بالمعتصمين، وهل لا زالوا أعضاءً أم أن مقاعدهم أصبحت شاغرة؟!

نائب رئيس الوزراء وزير التربية والتعليم الدكتور خالد الكركي، الذي بنى عليه الأردنيون آمال عريضة، يبدو أنه وجد تركة لا يحسد عليها، وها هو يتحدث بنفس لغة من سبقه، حيث قال في تصريحات خلال المؤتمر الصحفي لإعلان نتائج الثانوية، وفي مطلع الشهر الجاري أيضاً: "إنه لا رجعة عن قرار نقل المعلمين ولن نرضخ للشروط". أعتقد أن معاليه كان يقصد بـ "الشروط" مطالبة المعلمين بحقهم في تأسيس نقابة تكون لهم مظلة قانونية يعملون من خلالها تحت الضوء ووفق مبادئ الممارسة القانونية الديمقراطية.

ليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل إن معاليه نفى نية الوزارة العودة عن قرارات نقل المعلمين، التي اتخذها الوزير السابق بحق ناشطين في لجنة إحياء نقابة معلمي الأردن, متراجعا بذلك عن تعهدات سابقة بإلغاء هذه القرارات. الوزير الكركي لم يفته أيضاً، دعوة المعلمين إلى الالتزام بالقانون وقرارات نقلهم أو تحويلهم إلى وظائف أخرى.

الوزير أيضاً دافع عن قوة ووطنية المناهج التي تدرس للطلبة، ومدى قدرتها في خلق جيل منتم للوطن. أود أن اسأل الوزير الكركي: هل يستطيع أي طالب في أي مرحلة ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية سواء في التعليم الحكومي أو الأهلي أن يتحدث عن تاريخ الأردن بنفس الطريقة التي تحدث فيها معاليه عندما كان ضيفاً على زاهي وهبه في برنامج "خليك بالبيت"؟. وهل يستطيع أي طالب أن يتحدث عن مدى دور رجالات الأردن وقبائل الأردن في نصرة الثوار وأحرار الأمة، إبان محاولات التحرر من الاستبداد العثماني؟، وما تلا ذلك من مناصرة للثورات التي قامت ضد الوصاية البريطانية والفرنسية على أقطار المنطقة واغتصاب فلسطين؟، وهل لأي من طلابنا أن يتحدث عن دور بلدة الوزير الكركي ذاته في مناصرة ودعم وإيواء قائد وثائر عربي كبير مثل الأمير سلطان باشا الأطرش؟. أسئلة أتمنى أن نسمع لها إجابة من معالي الوزير الكركي، لعله بعدها يعيد النظر في مسألة قوة المناهج وقدرتها على خلق جيل واعٍ ومنتم للوطن.

مرة أخرى، وفي مطلع الشهر الجاري أيضاً، قام متصرف لواء سحاب بالإيعاز بعدم منح ترخيص سياسي لنادي سحاب الثقافي لتنظيم ندوة سياسية عن مستقبل الحركة الإسلامية، ومن دون إبداء الأسباب ما دفع لتأجيلها إلى إشعار آخر. الندوة لم تكن مظاهرة أو اعتصام سياسي، بل كانت ندوة فكرية كان مقررا أن يشارك فيها عضو مكتب تنفيذي جماعة الإخوان المسلمين الدكتور إرحَيّل الغرايبة والكاتب الصحافي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية في "الغد" الزميل محمد أبو رمان.

أقترح أن يقوم أحد أهالي مدينة سحاب الأصيلة باستضافة الندوة في حوش بيته، طالما أن تراخيص الحكومة تعاني من عسر ولادة، وما حدا حَوَّش يا حكومة، وخلي وزارة التنمية السياسية تظل نايمة على أذانها، طالما أن التراخيص لا تمنح إلا لندوات يتم تنظيمها من قبل شركات علاقات عامة أجنبية، تتقاضى من المدعوين رسوم بالعملة الصعبة، يقال إن رسوم بعضها يصل إلى نصف راتب عامل مياومة من الذين يتم فصلهم بالجملة، وممن يصرف أحدهم على أسرة لا يقل عدد أفرادها عن خمسة أشخاص على أقل تقدير.

مرة أخرى، وخلال مطلع الشهر الجاري ذاته، ذكر رئيس منتدى الفحيص الثقافي الدكتور عادل داوود أنه تم تأجيل اللقاء مع كل من أمين عام الحزب الشيوعي الأردني الدكتور منير حمارنة وأمين عام حزب الشعب الديمقراطي الأردني "حشد" عبلة أبو علبه للحوار حول دور أحزاب المعارضة في الانتخابات النيابية، والذي كان مقررا إقامته في مقر المنتدى إلى أشعار آخر. ومرة أخرى، كان سبب التأجيل هو رفض محافظ البلقاء إعطاء الموافقة على إقامة اللقاء، وهذه المرة أيضاً، جاء الرفض دون إبداء الأسباب.

كل ما يخطر في بالي الآن، هو مقولة فناننا الأردني الكبير نبيل المشيني، نجم حارة أبو عواد "شي غاد". عن جد، الله يعين الحكومة على هيك شعب!. والله يعين المواطنين على هيك حكومة!. كل واحد حامل السلم بالعرض، ومش قابل لا يقنع ولا يستوعب إنه هو في وادٍ والآخر في وادٍ. كل مواطن يصرخ بأعلى صوته "شي غاد يا حكومة"، فيما جواب الحكومة دائماً "ورجيني عرض كتافك يا مواطن".

*صحفي أردني مقيم في الخارج

Syhd91@yahoo.com