30-03-2010 01:32 AM
كل الاردن -
لعل أبرز ما ميز حياة نجيب محفوظ الأديب والروائي العربي الكبير، والحائز على جائزة نوبل للآداب، هذا الارتباط الوثيق بالمقهى، قد قضى حياته وقرابة 70 عاما يرتاد مقاهيَ متعددة، وتحدث عن هذه المقاهي في بعض أحاديثه الصحفية مؤكدا أهميتها في حياته، وتكوينه، وإنتاجه القصصي والروائي والثقافي عموما.
ولعل الكاتب المصري المعروف احمد عباس صالح من أبرز الذين كتبوا عن دور مقاهي القاهرة في حياة مصر السياسية والثقافية وخاصة إبان سنوات الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
كتب صالح يقول: كان المقهى في حياة جيلي من المصريين أساسيا، ولم يكن مكانا للتسلية أو للقاء مع الصحاب من الأدباء والمفكرين الجدد فحسب، وإنما كان بمثابة منتدى ومكانا للتجمع، وقد يكون من المناسب الإشارة إلى أن ما ينطبق على مقاهي القاهرة، ينطبق على مقاه أخرى في مدن عربية عريقة مثل دمشق وبغداد والموصل وبيروت.
وفي القاهرة تعددت المقاهي فكان هناك مثلما في بغداد بين مقهى ومقهى مقهى، وكان في بعضها شيء من التخصص، فهناك مقهى للسياسيين ومقهى للحرفيين، ومقهى للكتاب والمفكرين.
ومن هذه المقاهي: مقهى متاتيا، ومقهى ريش، ومقهى الفيشاوي، ومقاه أخرى ارتبطت بحياة المثقفين المصريين وفي مقدمتهم نجيب محفوظ. جمال الدين الأفغاني كان مثلا يجلس في مقهى ريش.
ويروي نجيب محفوظ لصديقه محمد سلماوي علاقته بمقهى الفيشاوي قائلا: "كان جلوسي في مقهى الفيشاوي يوحى لي بالتفكير".
المؤرخ التونسي الأستاذ الدكتور الحبيب الجنحاني كتب مقالة في مجلة العربي (الكويتية)، نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بعنوان: "نجيب محفوظ نموذج الالتحام بين كاتب ومدينة"، قال فيه: إن التحام نجيب محفوظ بمدينته يعد من أبرز ميزاته مبدعا، وإنسانا.
الأديب التونسي والكاتب رشيد الذوادي كان يحضر مجلس نجيب محفوظ في كازينو قصر النيل يقول: إن نجيب محفوظ كان رجلاً متواضعا يتحلق حوله عدد من الأدباء الشبان للإفادة من تجاربه وملاحظاته وقد أصدر الذوادي كتابا بعنوان "مقاهي نجيب محفوظ في مرفأ الذاكرة" تناول فيه علاقة نجيب محفوظ بالأدب العربي وموقفه من التجربة الناصرية.
وأنا شخصيا ـ كاتب هذه السطور ـ رأيت نجيب محفوظ في فبراير/شباط 1990 عند زيارتي للقاهرة وهو في طريقه إلى مقهى كروبي واقفا أمام (بسطة) كتب مكتبة مدبولي في شارع سليمان باشا (طلعت حرب) يتأمل الجديد من الإصدارات ببدلته (السفاري) ذات اللون العسلي.
ومن الطريف أن نجيب محفوظ خلد المقاهي التي كان يجلس فيها في قصصه ورواياته لكنه ظل يعد مقهى الفيشاوي من أبرز المقاهي التي كان يحبها، فهي، بدون شك، معلم بارز من معالم حي الحسين الذي كان له أثر بعيد المدى في حياته وفي نصوصه الإبداعية.
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية ـ جامعة الموصل