حلمي الأسمر

"فزعت" الأطراف كافة على مدير مكتب الأونروا في نيويورك "اندرو ويتلي" احتجاجا واستنكارا لتصريحاته حول "وهم حق العودة" أمام مؤتمر المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية الذي عقد نهايات الشهر الماضي ، ومن حقها طبعا أن "تفزع" لأن هذا الحق له صفة تاريخية وليس لأحد أن يمسه أو يقترب منه ، ولا يملك أن يتنازل عنه لأنه ببساطة شديدة يتعلق بحقوق ملايين اللاجئين الفلسطينيين ، ولا يمكن لأي شخص التنازل عن حقوق شخص آخر بالنيابة عنه ، على الرغم من أننا سمعنا تصريحات قريبة من هذه التصريحات من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حينما أعرب عن استعداده عن "تنازلات تاريخية" ولم تقم الدنيا آنذاك على عباس ، باستثناء بعض مقالات الكتاب ، والسر في ذلك - وما هو بسر لأننا نعرفه جميعا - أن هناك تواطؤا صامتا لنسيان حق العودة ، أو على الأقل دفن هذا الحق تحت ركام هائل من الوقائع والخذلان،.

حتى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" نأت بنفسها عن تصريحات ويتلي وطبعا رفضه الأردن ومنظمة التحرير وحماس والجامعة العربية وأمة لا إله الا الله كلها ، بل طالبت السلطة الفلسطينية وحماس بإقالة ويتلي وهو مدير جديد لمكتب الوكالة في نيويورك ، لأنه "مش عارف شغله" ويتلي قال من باب التذكر إن على اللاجئين الفلسطينيين "ألاّ يعيشوا على وهم تحقيق حق العودة ، وان على الدول العربية الاستعداد لتوطينهم في اماكنهم ، او ان يختاروا اماكن اخرى حسب رغبتهم" والحقيقة التي لا يريد أن يعترف بها أحد علانية أن العرب الرسميين بمن فيهم الفلسطينيين يتعاملون مع حق العودة كحالة بلاغية أو شعرية ، عباس حينما أعرب عن استعداده لتنازلات تاريخية كان مدعوما بقوة من هذه الحالة ، وكان يعرف أنه مغطى بمقولة: نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون ، وهي عبارة ملغومة تعطي تفويضا للسلطة الفلسطينية الرسمية بالعبث بالقضية كما تشاء ، وهي تتضمن خذلانا عميقا يذكرنا بخذلان بني إسرائيل لموسى عليه السلام حينما قالوا له: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ، أكثر من ذلك ، والشيء بالشيء يذكر ، فقد علمت أن بعض القنوات الفضائية العربية لا تشتري ولا تبث أي مسلسلات مكرسة لقضيتي حق العودة والقدس ، لأن البعض يريد أن ينسى الجمهور العربي هاتين القضيتين ، لأنهما يكشفان ضعفهم وتهتكهم حيالهما ، لأنهم يعرفون أن الحقوق تحميها القوة لا التصريحات والتنديدات،.

المسكوت عنه في كل هذا المشهد ، أن القدس تضيع وتتهود ، وحق العودة أصبح مجرد أغنية أو قصيدة شعر ، وكلماتنا بهذا الشأن كما قال الشهيد سيد قطب ، تبقى عرائس من الشمع ، حتى إذا متنا من أجلها دبت فيها وجرت الدماء في عروقها.

(الدستور)