سأل الشيخ محمد صالح المنجد فاجاب
أولاً : مسألة الصلاة على القبور ..
الصلاة على القبور على قسمين :
القسم الأول : الصلاة لصاحب القبر ، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لأن الصلاة عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) النساء/36 ، وقال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ) النساء/116 .
القسم الثاني : الصلاة لله في المقبرة ، وهذا القسم تحته مسائل :
1- صلاة الجنازة على القبر ، وهذه جائزة .
صورة المسألة : أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه .
دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم : فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ ( أي يُنظِّف ) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له (458) ومسلم (956) .
2- صلاة الجنازة في المقبرة ، وهذه جائزة .
صورة المسألة : أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد ، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن .
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : " تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن ؛ لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد ، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا : ماتت ، فقال : " أفلا كنتم آذنتموني ؟ فدلوني على قبرها " فدلوه فصلى عليها ثم قال : " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 8/392
3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح ، سواءً كانت فريضة أو نافلة .
الدليل : أولاً : قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606) .
ثانياً : قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) .
ثالثاً : (تعليل) وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور ، أو إلى التشبه لمن يعبد القبور ، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله ، أو إلى أن يتشبه بالكفار .
4- الصلاة إلى المقبرة ، وهذه محرمة - على الصحيح - .
صورة المسألة : أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر ، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة ، بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة ، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز .
الدليل على التحريم :
1- عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد .
2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها فإنه يدخل في النهي ، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله : " لا تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة ، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية ، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به .
تنبيه : إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي ، كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر فلا بأس . والله أعلم
انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين (2/232) رحم الله الجميع .
ثانياً : مسألة الشفاعة ...
قد أخطأت في قولك إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين ، انظر السؤال (11931) .
ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك ، وهي أن الشفاعة لها شروط :
الأول : الإذن من الله للشافع أن يشفع .
الثاني : رضى الله عن المشفوع له .
والدليل على الشرطين قوله تعالى : ( وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) النجم/26 وقوله ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) الأنبياء/28 .
وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة ؛ لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم . انظر " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص (336-337) ط1 .
إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم ، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته .
ما حكم الصلاة في مسجد مبني على قبر، والقبر في قبلة المسجد، وما الجواب عمن يجيز الصلاة في المساجد التي فيها قبور بحجة أن المسجد النبوي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟
جواب
إن الإسلام قد سد الطرق التي تؤدي إلى خدش التوحيد، ومن ذلك النهي عن اتخاذ القبور مساجد، لأنه قد يوقع في الشرك، وذلك بعبادة أصحاب القبور بالاستعانة بهم ودعائهم وتقديم النذور لهم وغير ذلك من مظاهر الشرك، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها:
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (رواه البخاري ومسلم).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (رواه البخاري ومسلم).
- وعن عائشة رضي الله عنها: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية، وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة، فذكرن من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: "أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم).
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين" (انظر تحذير الساجد ص 17).
- وعن جندب بن جنادة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "... ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" (رواه مسلم)، وغير ذلك من الأحاديث.
•• وبناء على ما تقدم: فإنه يحرم بناء مسجد على قبر، بمعنى أن يكون القبر سابقاً ثم بني عليه لاحقاً مسجد، وهذا باتفاق أهل العلم فيما أعلم، وهو ما تدل عليه النصوص الشرعية، فالقبور ليست محلاً للصلاة، فلا يجوز لأحد أن يصلي على قبر أو إليه، ولا يستثنى من ذلك إلا صلاة الجنازة كما هو مبين في محله من كتب العلماء.
وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" (رواه مسلم).
قال القرطبي المحدث: "أي لا تتخذوها قبلة... وكل ذلك لقطع الذريعة أن يعتقد الجهال في الصلاة إليها أو عليها الصلاة لها فيؤدي ذلك إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام" (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/628).
وأما إذا كان المسجد هو السابق ووضع القبر فيه لاحقاً فإن الصلاة تكره في هذا المسجد، وينبغي نبش القبر وإخراجه من المسجد.
•• وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: "هل تصح الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا؟ وهل يمهد القبر أو يعمل عليه حاجز أو حائط؟
فأجاب: الحمد لله، اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غير إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً.
وإن كان المسجد بني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل فإنه منهي عنه" (مجموع الفتاوى 22/194-195).
•• وأما الاحتجاج بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فلا يصح، لأنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم لما مات صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً" (تحذير الساجد ص 84).
والوليد بن عبد الملك هو الذي أمر سنة ثمان وثمانين هجرية بإضافة حجرات أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد النبوي، وكان ذلك بعد موت عامة الصحابة رضي الله عنهم (انظر تحذير الساجد ص 84).
وعلى كل حال فالمسجد النبوي مستثنى من الحكم السابق لما للمسجد النبوي من فضائل معروفة وثابتة عند أهل العلم (انظر تحذير الساجد ص 195 فما بعدها).
•• وأخيراً: ينبغي التنبيه على أنه لا يجوز دفن أحد من الأموات في المساجد، وإنما السنة المعروفة هي الدفن في المقابر، والمساجد ليست مقابر، وإنما هي لعبادة الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن تكون المساجد خالية من المقابر لما يترتب على وجود القبر في المسجد من مفاسد عظيمة تخل بالعقيدة.
وقد سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين عن رجل بنى مسجداً وأوصى أن يدفن فيه فدفن فما العمل الآن؟
فأجاب: "هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة، لأن المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرم، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين" (فتاوى العقيدة ص 461).
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .