04-12-2010 07:46 AM
كل الاردن -
قيس مدانات
يبدو أن موقع ويكيليكس ماض في نشر الوثائق السرية الأمريكية، ويظهر أنه لا زال يملك الكثير منها في جعبته، هذا الأمر يكاد يفقد الإدارة الأمريكية صوابها، لكنه هذه المرة أيضا يثير الرعب في نفوس غير الأمريكان أيضا، خشية من الفضائح التي قد تحويها هذه الوثائق، خصوصا بعدما أرسلت الإدارة الأمريكية رسائل إلى بعض الحكومات تحذرهم من محتوى هذه الوثائق وما قد تسببه من احراج لهذه الحكومات مع شعوبها أو توتير للعلاقات مع أمريكا.
لست أزعم هنا أنني اطلعت على تفاصيل هذه الوثائق أو تمحصت فيها، لكنني سأسوق بعض الأمثلة مما رشح في الصحافة: برقية موقعة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تطلب الحصول على تفاصيل تقنية حول شبكات الاتصالات التي يستعملها مسؤولون في الأمم المتحدة : أي كلمة السر والرموز السرية. تم ارسال هذه البرقية إلى 33 سفارة وقنصلية أمريكية.
طلبت واشنطن معلومات دقيقة جدا عن موظفين في الأمم المتحدة: أرقام بطاقات مصرفية وعناوين بريد الكتروني وأرقاما هاتفية. طلبت وزارة الخارجية معلومات عن مسؤولين مستقبليين.....بصمات الأصابع وصورة الوجه ومعطيات الحمض الريبي النووي وصور سكانر لقزحية العين. وطلبت برقية أخرى موجهة إلى دبلوماسيين في القاهرة وتل أبيب والقدس وعمان ودمشق والرياض معلومات عن سيارات ومسارات كبار مسؤولين من حماس والسلطة الفلسطينية. وهناك مجموعة كبيرة جدا من الوثائق تكشف عما أخبره مسؤولون عرب وغربيون لدبلوماسيين أمريكيين من أقوال محرجة، سواء على الصعيد الشخصي لهؤلاء المسؤولين أو لدولهم.
بغض النظر عن الدوافع الحقيقية وراء تسريب هذه الوثائق ونشرها، وعما تثيره من ازدراء لشخصيات رسمية مهمة، إلا أن القارىء يلحظ شيئين أساسين: أن الدبلوماسيين الأمريكيين يعملون كجواسيس، وأن ما يقال لهم ليس بمأمن عن النشر وأنه يؤخذ على محمل الجد.
رد الفعل الأمريكي الرسمي لم يكذب الوثائق، لكنه أدان عملية نشرها فقط، بل إن بيانا صادرا عن البيت الأبيض أكد على الأعمال الاستخبارية واتصالات الحكومة مع المتمردين أو المعارضة 'لنشر الديمقراطية والحكم المنفتح'! العبرة هنا هي ليست للحكومات العربية، فالشعوب العربية فقدت الأمل من هذه الحكومات، العبرة هي للشعوب، فهذه الوثائق اعتراف صريح بتدخل أمريكا في شؤون دولهم، وأن دبلوماسييها جواسيس، ويجمعون معلومات شخصية دقيقة وخاصة جدا لا يعرف أحد كيف سيتم استخدامها.
العبرة أن لا يتعامل أحد من غير الرسميين مع الدبلوماسيين الأمريكان، ولا يجتمع معهم أو يحضر حفلاتهم أو ولائمهم التي يقيمونها، كولائم الغداء أو العشاء التي يقيمونها لشيوخ العشائر مثلا. وقد تكون هناك عبرة للرسميين أيضا ولو بشكل فردي، فليحفظ كل منكم ماء وجهه، ويلتزم بخط وخطاب دولته الرسمي، بدلا من فضيحته على الملأ.