أضف إلى المفضلة
الخميس , 18 نيسان/أبريل 2024
الخميس , 18 نيسان/أبريل 2024


المقال

بقلم : رائد علي العمايرة
03-06-2014 09:59 AM
جلس أمام حاسوبه وأخذ يقلب الصحف الإليكترونية، أصابه الغم،فلا ذكر له في أي خبر، ليس هناك من يعبؤ بهْ! سنواتٌ من العمل الحكومي،ولا أحد يعرفه- يا للخيبة !- كل ماحصل عليه،من الشهرة لا يساوي شروى نقير.
فَكَّرَ وقَدَّرْ....ثم قرَّرَ أن يكتب مقالاً،لعله يعوض ما فاته،من الشهرة،دَبَّجَ مقالاً سريعاً، عن نجاح الاستثمار في البلاد، في ظل الحكومة الموقرة.

تَحدَّث عن سهولة جني الأرباح، وعن صرامة المدراء،وليونة الموظفين،وعفاف المراسل،وسرعة القيام بالمهام على أكمل وجه،وتحدث بإسهاب عن ضلوع الحكومة، في تشجيع الاستثمار، وَشَكَرَ 'رئيس الوزراء' بامتنانٍ بالغ،وأثنى على حسن اختياره، لطاقمه الوزاري،وصَبَّ عليه زَخَّات ٍمن المديح المنهمر،ثم أرفق أرقاماً من خياله، عن حجم الاستثمار المتراكم،وأدخل من تأليفه نِسباً مئويةً، لحجم التنمية المتسارع.
ومن سيفتش عن صحة، ما أرفقه من أرقام؟! سيقول بأنه قرأه، في مجلة لا يذكر اسمها،أو طالعها في تقريرٍ منشورٍ، على موقع ٍلا يتذكره؛ وربما قرأ الرئيس ما كتبه، فأمر ألا يفتش أحدٌ، عن أية أرقام، بل ربما صدق الرئيس، تلك الأرقام، وأعجب بالمقال إجمالا.
هكذا كان يرى المشاهد المتوقعة، لما يتخيل أن تصير إليه الوقائع،بعد نشر المقال الموعود.
وبعد رؤيته للمقال منشوراً، سُرَّ أيَّما سُرور،وأبقى صفحة 'المقال' مفتوحةً،وقيد التحديث، لعله يقرأ في التعاليق، ما يثلج صدره المتأجج.
لكن لم يحدث شيء،ولم يقرأ أي تعليق، حتى بعد مضي يومٍ، على نشر المقال!.
فقرر أن يرسل، التعاليق بنفسه وبأسماء مزورة! فمن سيدري؟!
كتب تعليقا وأرسله،ظهر التعليق! فَسُرَّ به كأنه حقيقة.
المرسل- المهندس صلاح بطيخ: ...(نعم يا استاذ محروم، لقد أبدعت وأنا أعرفك منذ زمن وفي بواكير ظهورك على التلفاز، وأذكر أنك قد حصلت على جائزة الإبداع والتحدي، في عام ستة وسبعين، وعلى وسام التطبيل من الدرجة الثانية تقديرا لجهودك في رفع سوية الأمة).
أُدْرِجَ التعليق،فَسُرَّ بهِ وقال:يا سلام ! لو قرأ الرئيس هذا التعليق، لربما جعلني وزيرا للإعلام في أول تعديل، وسأصبح بالطبع الناطق باسم الحكومة.
أمر بسرعة أن يصنعوا له فنجان قهوة، ثم قام بتدبيج تعليق آخر
-المرسل- الدكتور فالح الصالح: (يا سلام يا أستاذ فجعان،أنت مثال للموظف المثالي، سنوات من الخدمة في الحكومة علمتنا من خلالها المثابرة والإصرار،وكنت مثالا للموظف الوطني المنتج النزيه).
أُدْرِجَ التعليق، فامتلأ سرورا وصدق مافيه، وصار يحدث نفسه- بصوت مسموع-نعم! لقد كنت كذلك،ليس هناك أي تزوير! ثلاثون عاماً من الخدمة، في الوظيفة الرسمية،قضيتها في البر والإحسان.
قام بتحديث صفحة المقال، فرأى التعليق مدرجاً، ولكن هناك تعليقٌ، آخر لم يرسله هُوَ!
المرسل –كلمةحق-: يا استاذ أستغرب! كيف يصفونك بالموظف المثالي! وما كنت إلا عالةً، على الوظيفة والوطن، ولم تكن في يوم نزيها،بل لقد كنت نماماً فتاناً، بغيضاً لكثرة أكاذيبك،ونفاقك المتواصل،ما كنت إلا متسلقا، ثم لم تحصل من السفينة إلا على الصاري.....ههههههه
جُنَّ جنونه،وكاد أن ينفجر، سارع إلى هاتفه فالتقطه، وبسرعة اتصل بالمحرر!
-:الو يا أخي المحرر، ألم تقرأ التعليق رقم(ثلاثة)؟! هناك من يسيء إليَّ، فكيف تُدْرِجُ تعليقا كهذا
-:في الحقيقة يا أستاذ، وقع ذلك بالخطأ، أدرجْتُهُ من غير أن أقرأ محتواه !فاعذرني سأحذفه الآن.
-: شكرا لك أخي المحرر، وأرجو أن تنتبه إلى التعاليق، فهناك من يكيد لي.
أنهى المكالمة، وسارع إلى كتابة، تعليق آخر يمدح به نفسه.
في هذه المرة أختار، اسم أنثى،فهذا ما كانت تبكي له عيناه تمنيا، أن تكثر المعجبات، فينظرن إليه بشغف،
المرسل صفاء جميل:- (يا سلام يا أستاذ حالم ما هذا الأسلوب الغض الذي تكتب به، طبعا لا عجب! فأنت بارع في اللغة العربية، وقد سودت بيديك الكريمتين من قبل آلاف الصفحات،فسحقا لكل قلم لا يستنير بمفردات لغتك،وسياق نظمك، وبناء نصك،واستقامة فكرك.

أدرج التعليق فزاد سروره،حتى أنه صدق ما فيه،وصار يفكر بصوت مسموع-: نعم ولماذا لا تعجب النساء بي،فأنا شخصية فريدة، أنا أنيق، وما زلت صالحاً،وهناك من هو أكبر مني وتطمع النساء به، ثم أن كل ماجاء في التعليق حقيقة قاطعة، فلقد طالعت كل المقالات فلم أجد مقالا بجودته، لماذا لا يكون هناك نساء كثيرات قرأن مقالي ولكن لم يعلقن، ولماذا لا يكون محرر الموقع هو الذي لم يدرج تعليقاتهن،نعم أنا لم أكذب في تعليقاتي التي وصفت بها نفسي،فكل ما قلت يقصر عن وصفي وحقيقتي،في المقال القادم سأتكلم عن رحلتي إلى إيطاليا،في مهمة رسمية،صحيح انني لم أزر إيطاليا مطلقاً،ولكن من سيدري؟،سأقول أن هذا حصل قبل ثلاثين عاما،وسأجمع عن طريق (العم جوجل) كل أوصاف مدينة البندقية،وسأدعي انني صادفت عربيا في مطعم،وقد ترجم لي كل لقائآتي هناك مع الإيطاليين.

انفتل بكرسيه الدوار قليلا أثناء محادثته لنفسه، فرأى من النافذة أحد الجيران يحمل أكياسا،فقال بغيظ:واحد اثنان ثلاثة أربعة...- يعد الاكياس-: يا لهذا الجار الحقير كم يتسوق! في كل يوم ينقل أكياسا، لعنه الله ألا يشبع، ترى ما الذي نقله في تلك الأكياس؟؟!
أشاح بنظره عنه فرأى جاره الآخر،-: انظروا إلى هذا الحقير وسيارته العالية، كيف يركب هذا مثل هذه السيارة، وأنا ما زلت اركب هذه الخردة.كم اتمنى أن يقع له حادث وتتحطم سيارته،أو تحترق تجارته فيفلس،حتى لا يبقى هكذا منفوشا....

فجأة صدح هاتفه برنَّةِ تنبيه، نظر إليه ثم انتفض -: أه هذه المذكرة إنه عرس ابنة صديقي،وقد أصر أن أكون في أوائل من يستقبل الجاهة، لابد لي من الإسراع.

وفي دقائق قليلة، كان خارج بيته متأنقا،فالتقى جاره ذا الأكياس المتعددة.
-: مرحبا يا جار –وصافحه-!
-: كم أنا مشتاق إليك يا جار الرضا، عسى أنكم بخير أنت وعيالك.
-: الحمد لله رب العالمين.
-: نراك يا جارنا إن شاء الله، اعذرني فأنا مستعجل'قالها' وهو يولي مدبرا،ثم تمتم بصوت خافت:لعنة الله عليك، وعلى جيرتك وأكياسك التي لا تنتهي.

وصل إلى بيت صديقه،استقبله صديقه عند الباب، فوجد قليلا من الضيوف، قد سبقوه،وهم يصطفون للصلاة.
أشار إليه صديقه،حتى يصلي جماعة،فقال: لا لقد سبقتكم، صلُّوا انتم، تقبل الله منكم.
جلس ينظر إليهم، تفور في أعماقه مراجل حقدٍ عليهم، ثم تمتم :يا لهؤلاء الأغبياء يقومون ويقعدون ويسجدون، ولا أدري لماذا؟! ( أكثرهم كذابون ملعونون ولصوص) لن أصلي مثل هؤلاء، وأكذب أو أحسد! يكفي أنني لم أؤذ أحداً في حياتي !.
انتهت الصلاة، صافحوه جميعا،عَرَّفَ عليه صديقه،ولكن لم يظهر أن أحدا كان يعرفه،فامتلأ غيظا.....

افتتح الحديث فورا-: في الحقيقة، كتبت بالأمس مقالاً، بعنوان 'تشجيع الاستثمار' وقد ذكرت فيه حقائق بالأرقام الموثقة و و.
بدأت أنفاسه تتقطع، والضيق يظهر في وجهه، والعرق يجلِّلُه ثم 'تأتأ' وحاول فك ياقة قميصه، بيدٍ ترتجف، لكنه لم يستطع، وبسرعة هوى إلى الأرض، مقلوباً على وجهه.

أسرع الناس إليه، وساد اللغط! قلبوه على ظهره، وحاول بعضهم إجراء اتصالٍ بالإسعاف، وآخر يفرك له صدره،ولكنه ساكن لا يتحرك؟!
أهوى إليه أحدهم، ووضع أذنه على صدره، ليسترق السمع، إلى دقات قلبه،ولكنه رفع رأسه سريعاً، وقال ...للأسف أظن بأنه قد 'مات'.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012