أضف إلى المفضلة
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
بحث
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024


كلام في الممنوعات والثورات ..!!

بقلم : حسين الرواشدة
16-07-2014 01:38 AM
لماذا أصبح (الانسان) العربي بمثابة (قنبلة) جاهزة للإنفجار في أية لحظة؟ اذا افترضنا صحة هذا السؤال، وهو في اعتقادي صحيح، فإن ما دفعني الى طرحه مسألتان اثنتان: احداهما (الحالة) التي انتهت اليها بلداننا العربية (والاسلامية ايضا) منذ قرون طويلة، وهي باختصار حالة (فشل) عام سببها ونتيجتها في آن معا هو هذا ( الانسان) الذي عجزنا عن بنائه، وعن (الاستثمار) فيه ، أما المسألة الاخرى فتتعلق ( بالعنف) الذي أصبح سمة عامة لحركة الدولة والمجتمع في عالمنا العربي، وسؤال العنف هذا أصبح (محيرا) بامتياز ، لا لأننا لا نعرف أسبابه، ولا لأن امتنا دون غيرها من الأمم قد تورطت فيه ،وانما - ايضا- لأن (مصادر) تغذيته تقع أحيانا في دائرة (المقدسات) الممنوع مناقشتها او الاقتراب منها.
ربما يحاجج البعض - هنا- بأن التحولات و الثورات التي شهدها العالم العربي منذ أكثر من ثلاث سنوات تثبت عكس ما ذهبت اليه، فقد كانت سلمية في الغالب، وافرزت من الانسان العربي أفضل ما فيه، ودلت على امكانية ( التغيير) بعيدا عن الدم، لكن لدي تحفظ على التسمية أولا، فما جرى كان ( انفجارات) وليس ثورات كاملة، ثم إنها بدأت سلمية وانتهت الى احتجاجات ( عنيفة) ثم - وهذا الأهم- أنها لم تصمد أمام موجات العنف المضاد التي حاولت اجهاضها، وبالتالي فإن مشهد ( العنف) عاد مرة اخرى.. وربما بصورة اسوأ ،خاصة في سوريا و العراق و ليبا ومصر ايضا.

كل هذا يطرح سؤلا آخر وهو : هل كان الانسان العربي مؤهلا فعلا ( للتغيير)، وهل الانفجارات التي حصلت لاسقاط الانظمة السياسية (أو اصلاحها) تكفي لاخراج الانسان العربي و المجتمع بالتالي من (مشكلاته) وازماته، أم أن السياسة هي جزء من المشكلة وبالتالي فإن تغيير قواعدها لا يضمن بالضرورة بناء الانسان العربي الجديد، قبل ان أجيب على السؤالين السابقين استأذن في الاشارة الى ملاحظتين: احداهما ان من يتحمل مسؤولية (فشل) الانسان المستقيم ليس هو المواطن العربي وحده وانما تتحملها المناخات التي رافقت اقامة الدولة العربية و التي استهدفت تحطيم (المجتمع) على اعتبار ان بناء السلطة لا يتم إلا على انقاض المجتمعات، وبالتالي فإن محاولات (التفكيك) والتدمير التي اصابت بنية المحتمعات العربية افرزت - بالضرورة- انسانا (عاطلا) وكافرا بكل شيء، أما الملاحظة الثانية فهي ان المقارنة بين ما حققته الأمم و الدول الاخرى في العالم وبين ما تعاني منه أمتنا ( منذ قرون طويلة) يستوجب البحث في ( التجربة) على الطرفين، وفي العوامل المتداخلة التي افرزت الواقع بما فيه من تقدم هناك وتأخر هنا، وعليه فإن الاعتقاد بأن أمتنا -بما لدبها من خصوصيات- لا يمكن ان تخضع ( للمختبر) الانساني الذي يفحص التجارب ويحاكم العوامل الباعثة على الحضارة أو على الانتكاسة الحضارية، هذا الاعتقاد ليس صحيحا، ويحتاج الى المزيد من التدقيق و المراجعة..إن لم اقل الى التواضع و التفهم و الاعتراف بالحقيقة.
اذن، ما الذي أصاب الانسان في عالمنا العربي حتى تحول الى ( قنبلة) وما الذي سهّل مهمة الانقضاض على تجارب (التحرر) و النهضة في بلداننا،وهل الثورة ضد ( السياسة) تكفي لانتاج مجتمعات متحضرة؟
الجواب، بالطبع، لا، فالسياسة كما قلنا - في واقعنا المعاصر، جزء من المشكلة وواحدة من اسبابها، لكن لدينا مشكلات اخرى تشكل مفاتيح لازمة للانسان (العقل) العربي، وهي باختصار ثلاثة: المشكلة الدينية، والمشكلة الجنسية والثالثة السياسية، ومالم نفلح في اقتحام هذه الممنوعات، أو ننجح في (ابداع) حركة ما داخل اطاراتها، فإننا سنظل ندور على تخوم الواقع دون ان نغيره.
ما العمل، اذن ؟ لا يمكن ان نفكر في الحل الا اذا اعترفنا بأننا (مأزومون) دينيا وجنسيا وسياسيا، وبأن الاسئلة المعلقة حول هذه القضايا وتوابعها (الحرية،المرأة، الديمقراطية، العلم و الاقليات...إلخ) وما بينها من علاقات ماتزال بلا اجابات، واسـتأذن هنا في تحريراشارات، مجرد اشارات، فنحن مثلا مانزال نؤمن بأن ( الدين) هو الباعث الحضاري الاول لأمتنا، و الحاضنة لانتاج الانسان وبنائه، لكن عن أي دين نتحدث؟ وأي فهم لهذا الدين نريد، وهل نحن (موحّدون) دينيا، ولماذا لا نعترف بان الدين كما انه صالح (للبناء) فإنه يمكن ان يكون (حين يساء فهمه وتوظيفه)أقوى وسيلة للهدم، ثم آلا نحتاج الى ثورة داخل الدين نفسه، أو الى تجديد وتعريف لوظائف الدين وحركته في حياتنا..
للأسف اختزلنا مسألة (الثورة) والتغيير في السياسة، ولم ننتبه الى أن (الانسان) العربي بحاجة الى ثورات اخرى موازية و متقاطعة، ثورة من داخل الدين لفهمه وتجديده بما يتناسب مع (الانسان) الذي كلف به، وبما يحقق خلافته في الارض وعمارته لها وسعادته فيها، وثورة ضد (التقاليد) الجنسية التي اغلقت ابواب الحلال وفتحت ابواب الحرام، واورثت الانسان اسوأ أصناف القهر والكبت والخوف...
اكتب بالطبع، بعين الصحفي، لا بعين الباحث، وادرك ان المسألة تحتاج الى نقاش طويل... لكنني اتمنى ان يتحرك علماء الدين و الاجتماع ( دعك من السياسة) ليرشدونا الى الحقيقة، ذلك ان اسوأ ما يمكن ان نفعله هو ان نغلق عقولنا، ونتواطأ على انفسنا... ونجرب المجرب حتى نذبح بعضنا بعضا، و نصبح مجتمعات (كراهية) وتهددنا في أي لحظة كوابيس التجزئة والتفتيت وربما الانقراض.
(الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012