03-01-2011 01:12 AM
كل الاردن -
سعد الفاعور
'يريدونني أسيراً أو طريداً أو شريداً وأنا بئؤلهم شهيداً، شهيداً شهيدا'. كانت هذه الكلمات الأخيرة التي لطالما أحببت ولا زلت أحب أن أجترها وأنا أتذكر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. والذي بلا شك أننا ومهما اختلفنا معه، ومهما سجلنا من ملاحظات وعتب على تاريخه وما ارتكبه من أخطاء بشعة بحق القضية الفلسطينية وبحق الشعب الأردني، إلا أنه يظل رمزاً فلسطينياً حظي بحب واحترام وتقدير أبناء شعبه.
تذكرت رغماً عني تلك الكلمات التي خلدت الزعيم الراحل وأيامه الأخيرة وهو محاصر في المقاطعة في عام 2002، والدبابات والمجنزرات والمدرعات الإسرائيلية والطائرات المروحية تحيط به وتحكم الحصار عليه من كل جهة، وتمنعه حتى من رؤية ضوء الشمس، بينما 'الختيار' - كما يحلو لأنصاره أن يطلقوا عليه – قابض على رشاشه الشخصي بيده التي تسللت إليها رعشة مرضية، ناجمة عن حادثة سقوط طائرته في الصحراء الليبية في وقت سابق.
تذكرت تلك الكلمات، والرجل متمسك بحقه في المقاومة، وإن كانت مقاومة سلمية، تمثلت برفضه بعض الخيارات المؤلمة والموجعة التي وضعها الطرف الإسرائيلي أمامه على طاولة المفاوضات، وحاول بقوة سوط (الكاوبوي) راعي البقر الأمريكي فرضها عليه، وإلا فعليه مواجهة مصير مجهول. فاختار 'الختيار' بكرامة وإباء أن يختار 'إلا'.
تذكرت تلك الكلمات، وأنا أرى الأشقاء الفلسطينيين يحتفلون بمرور ستة وأربعون عاماً على انطلاقة ما يسمونه 'ثورة'!. تذكرت تلك الكلمات، وأنا أرى الثورة وبكل أسف لا تزال تراوح مكانها، وتتشبث باجترار أخطاء الماضي المر، دون أن تحقق على الأرض شيئاً!. بينما ثروات قادتها وقادة فصائلها تخطت المليارات!.
تذكرت تلك الكلمات وأنا أرى قادة عسكريون وسياسيون وأمنيون يبرقون إلى من يصفونه بـ 'الرئيس المناضل' محمود عباس، مهنئين بالذكرى الوطنية الفلسطينية التي حررت الفلسطيني من أسر المخيمات وقهر اللجوء وحولته إلى ثائر يحمل بندقية ويقاوم المحتل الإسرائيلي!.
تذكرت ذلك وأكثر، وأنا اقرأ رسالة من قائد عسكري فلسطيني في الشتات – يقيم في بلد عربي وبداخل أحد المخيمات المدججة بالأسلحة، وبصورة تلغي هوية الدولة التي يقيم فيها – وهو يخاطب بها الرئيس 'أبو مازن' بمناسبة مرور ستة وأربعون عاماً على الثورة، ويثني فيها على ما وصفه بسياسيات وتكتيكات الرئيس التي حيرت العدو الإسرائيلي!. - على حد زعمه - والتي أطلق عليها اسم 'المقاومة المتدحرجة'!. إي والله، هكذا وصفها 'مقاومة متدحرجة'!. أنا بصراحة لا زلت أحاول أن أفهم طبيعة هذه المقاومة المتدحرجة التي ابتدعها أبو مازن، بينما كل المؤشرات تقول: إنها تنازلات مؤلمة وبلا أي مقابل، إلا إذا اعتبرنا حفنة الدولارات التي تأتي من هنا ومن هناك وتتلقاها السلطة الفلسطينية هي الثمن.
وعلى سيرة الدولارات والمليارات وثروات قادة الفصائل الفلسطينية بعد مرور ستة وأربعون عاماً على عمر 'الثورة'. فقد اجترت ذاكرتي وبطريقة عفوية وكما اجترت كلمات الراحل أبو عمار، حقائق مؤلمة تقول: إن رئيس الوزراء الفلسطيني السابق أبو علاء أحمد قريع قد نهب من أموال السلطة والتي هي أموال الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، فقط سبعمائة مليون دولار أمريكي!. فيما تذكر تقارير أخرى أن نجلي الرئيس 'أبو مازن' يديران إمبراطورية تجارية رأس مالها يقدر بالمليارات، واستثماراتها تتخطى حدود القارات، وحتى أن المدقق الحسابي القائم على مراقبة أداء ومداخيل ومصاريف الإمبراطورية يعجز عن تحديدها وكم تبلغ قيمتها، على الرغم من استعانته بطاقم كبير من المحاسبين القانونيين والمراقبين الماليين ومن شتى الجنسيات، والتي من بينها جنسيات إسرائيلية!.
تقارير أخرى تشير إلى أن عزام الأحمد أحد أبرز الشخصيات الفلسطينية القيادية القوية في حركة فتح، والذي تولى العديد من المناصب القيادية الرفيعة في السلطة وفي منظمة التحرير وفي المجلس التشريعي وغيرها، هو الآخر وبالتعاون مع شقيقه الذي يقيم في العاصمة عمان، متورطان في قضية اختلاسات مالية من أموال الشعب الفلسطيني، وأنهما يتاجران بها في سوق العقار والأراضي في الأردن!.
ناهيك عن أخبار رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني السابق روحي فتوح، الذي قبض عليه متلبساً وهو يهرب جوالات وأجهزة هواتف خلوية من الأردن إلى الضفة الغربية على أحد المعابر والجسور أثناء تفتيشه من قبل عناصر أمن إسرائيلية!. وناهيك أيضاً عن الخلافات المستعرة وتصفية الحسابات التي يمارسها 'أبو مازن' هذه الأيام ضد غريمه الحالي وحليفه بالأمس العقيد محمد يوسف دحلان!. لاسيما وأن الأخير تحوم حوله هو الآخر شبهات فساد مالي تقدر بالمليارات، بالإضافة إلى ما يحيط به من شبهات واتهامات بالتخابر مع أجهزة العدو الإسرائيلي ليس فقط ضد فصائل فلسطينية أخرى منافسة له أو لحركة 'فتح' التي ينتسب لعضويتها، أو لحركة 'شبيبة فتح' التي يرأسها، بل أيضاً ضد بعض الأنظمة العربية!.
وبالتزامن مع احتفالات الأشقاء الفلسطينيين بالذكرى السادسة والأربعين لـ 'الثورة'، كشفت تقارير وقبل عدة أيام عن خلاف حاد ما بين أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمه ومدير الجبهة فهد سليمان المشهور حركياً باسم 'شارل صوان'. ويتركز موضوع الخلاف بين الرجلين على امتناع حواتمه عن تسليم صوان تسعة ملايين دولار. وبحسب التقارير، فإن حواتمه كان قد حصل على مبلغ ثلاثة ملايين في أواخر عام 2009 من الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني، فيما حصل في ربيع العام الماضي 2010، على مبلغ ستة ملايين دولار من الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز.
وتضيف التقارير بأن الخلاف الذي نشب بين الرجلين على ما يبدو بدأ يأخذ أبعاداً دولية، حيث يقال بأن 'صوان' استقوى ببعض معارفه وأجرى اتصالات مع مسؤولين عرب وأجانب عاملين في سفارات أمريكية وغربية، وأنه قدم عريضة اتهام طويلة لتصفية حواتمه نهائياً وإبعاده عن مركز القيادة، بالاستناد إلى تجاوزات عسكرية ارتكبها حواتمه في سبعينيات القرن الماضي وطالت بعض رعايا الدول الغربية وخطفهم وتصفيتهم، وكذلك اتهامه بالسطو على عدد من البنوك العاملة في العاصمة اللبنانية بيروت والتي من بينها البنك البريطاني للشرق الأوسط، واستيلاءه على عشرات الملايين من الدولارات. وتضيف التقارير أن القضاء البريطاني باشر بالفعل في فتح ملف القضية والتحقيق فيها. وكل هذا يحدث في عمر الثورة السادس والأربعون!. أعذروني لكنني حقاً لا زلت أعجز أن أفهم عن أي 'ثورة' يتحدثون!.
في عمر الثورة السادس والأربعون. تجول في رأسي أسئلة كثيرة تتردد على ألسنة العديد من الأردنيين، ومن أبرزها: من قادنا إلى أحداث أيلول؟. - وبلا ألوان رجاءً، لا أيلول أسود ولا أيلول أبيض – الدولة الأردنية أم الثورة الفلسطينية؟. ومن قادنا إلى قمة الرباط عام 1974؟. ومن طالب باعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟. ومن مارس عمليات تصفية بحق شخصيات سياسية ودبلوماسية وأمنية أردنية في الداخل الأردني وفي عواصم عالمية وعربية؟. الدولة الأردنية أم الثورة الفلسطينية؟. ومن قادنا إلى قرار القطيعة وفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية عام 1988؟. وما نجم عنه من مآسي وآلام لا تزال تعيشها آلاف الأسر. الدولة الأردنية أم الثورة الفلسطينية؟. ومن ذهب منفرداً إلى اتفاق أوسلو؟. الدولة الأردنية أم الثورة الفلسطينية؟.
أعذروني أخوتي وأشقائي على صراحتي وقسوتي. لكنني حقاً لم أستطع أن احتفل معكم بذكرى 'الثورة'. فأنا في ضلال مبين، ولا أستطيع أن أرى ما ترون. وحتى أريحكم وحتى تريحون. لا أقول إلا 'لكم دينكم ولي دين'. اللهم انصر أهلنا في فلسطين وثبتهم حتى النصر على الحق واليقين ولا تزغ قلوبهم وأجعل لهم من كل هم مخرجاً، وأكسر شوكة الصهاينة الغاصبين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين.
صحفي أردني مقيم في الخارج
syhd91@yahoo.com