أضف إلى المفضلة
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024


كتاب السياسة الخارجية الاردنية - الحلقة الرابعة - المال والاقتصاد في السياسة الخارجية

30-07-2014 03:23 PM
كل الاردن -

ينشر موقع 'كل الاردن'، على حلقات اسبوعية متتابعة، كتاب 'السياسة الخارجية الاردنية وتطورها'، الذي صدر حديثا لمؤلفه السفير السابق فؤاد البطاينة، وأثار ضجة واسعة، لما تضمنه من خلاصة تجربة طويلة في العمل بالسلك الدبلوماسي الاردني.


وتاليا الحلقة الرابعة:

محددات السياسة الخارجية الأردنية:

المحدد الثالث: المحدد المالي - الاقتصادي ومحظوراته


إن المستعمر الأجنبي سعى لدى تأسيس الدولة بعد إخراجها من وعد بلفور إلى أن تكون دولة انتقالية وغير قابله للإستمرار وعلى سد احتياجاتها الأساسية دون مساعدة خارجية وغربية بالذات . وبأن لا تكون قادرة على تأمين متطلباتها المالية والتنموية بحدها الأدنى دون أن تلهث وراء الغرب الذي يتحكم بها وبالسماح بتقديمها ، وبأن تكون وتبقى دولة ضعيفة عسكريا إلى الحد الذي لا تستطيع معه حماية نفسها من أي دولة مجاورة أو أي جهة اخرى دون اللجوء للغرب الذي يقدم المساعدة الموجهة لها ويحميها أو يحمي نظامها ، وأن يصار إلى تكريس حالة الإتكالية والعوز هذه مستقبلا لتبقى القيادة الهاشمية والأردن كدولة في حالة الضعف ليسهل تهديدها وابتزازها وتسخيرها لخدمة السياسات الغربية الصهيونية ، ولحين تحقيق الغرض من الأردن ونظامه . بمعنى أن هناك قراراً ابتدأ بريطانيا صهيونيا وانتهى أمريكيا بأن يبقى الأردن فقيرا ضعيفا ومفتقدا لأهم ميزات البلدان الناميه وهي افتقاره لمورد أساسي يرفد موازنته ، ومهددا يبحث عن الحماية والمساعدات ، بهدف إرغام قيادته على الإنصياع إذا ما فكر بالتمرد على خدمة استراتيجيات غربية غير مواتية .

إنه محدد انطلق وطور وكرس من شح الموارد الطبيعية وصحراوية الأرض في الدولة وقلة مياهها وفقر سكانها ليصار إلى استغلال هذا الوضع ثم تكريسه مستقبلا وتكريس حالة العوز والفقر الاقتصادي والمالي والهشاشة الإجتماعية ومقاومة الخروج منها بتوجيهات سياسية أجنبية ، رهنا بتحقيق الهدف النهائي . وقد ترتب على تعامل القيادة الأردنية مع هذا المحدد ومعالجة تداعياتة ومحاولة الخروج منه اتباع سياسة غير مواتية للحصول على المال سنأتي إليها لدى حديثنا في الهدف الثاني للسياسة الخارجية . وجاء في الصفحة 330 من كتاب أسد الأردن ما نصه \ ان الأردن كما هو الأن ليس بدولة قابلة للبقاء \ . انتهى . وهو الأمر الذي انعكس على طبيعة صياغة وتشكيل السياسة الخارجية الأردنيه وتحديد أهدافها .
وأستذكر هنا بكل مراره حين اجتمع شيمون بيرس بالجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب توقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل ، حيث سأله أحد الحضور بما نصه لماذا لا تطلبوا من أمريكا والغرب تقديم المساعدات للأردن بعد توقيعه اتفاقية سلام معكم كما فعلتم مع مصر وكانت اجابة بيرس التي قمت بارسالها لوزارة الخارجية في حينه بصفتي حضرت الجلسه كقائم بأعمال البعثه حينذاك ما نصه ان مصر تستطيع أن تصنع حربا وتصنع سلاما فاستحقت المساعده . كما أن سوريا تستطيع أن تخرب السلام ، وستحصل على المساعده حين توقع معاهدة سلام معنا . أما الأردن فإنه لا يستطيع أن يصنع حربا ولا يعطل سلاما ولذلك فانه سيحصل على مساعدات مجزيه حين يوطن اللاجئين الفلسطينيين .

أما كيف تم تكريس هذا المحدد الضاغط على الأردنيين وعلى النظام فيما بعد وإلى اليوم ، فذلك من قبل الغرب ممثلا بالولايات المتحدة وأذرع الصهيونية بشتى الأساليب على شكل حصار اقتصادي ومالي وتنموي على الأردن غير معلن تمارسه وتطلب من حلفائها العرب ممارسته علاوة على محذور لجوء الأردن لدول معادية لأمريكا من أجل الحصول على المال كما سيلي . فالولايات المتحدة تمارس هذا الحصار ليس فقط من خلال عدم تقديم مساعدات كافيه وجادة لحل مشاكل الأردن واحتياجاته الأساسية والحيوية ، بل أيضا من خلال ثلاثة أساليب تغطي محظورات أو محذورات ثلاثة يلاحظها بل يعيشها المواطن الأردني وهي:

ألمحذور الأول :
يتمثل بعدم تشجيع الأشقاء من الدول العربية والصديقة للطرفين لتقديم المساعدة المطلوبة ، والإكتفاء بتقديم أو بالسماح لها بتقديم القليل كمعونات رمزية وغير استراتيجية بحدود ما يخرج النظام من أزمة خانقة للحفاظ على بقاء الدولة ، ضمن ظروف وشروط تلتقطها وتتصيد لها لدولة مقدمة المعونة كما يتصيدها النظام أيضا . ومن هنا نرى الدول العربية النفطية وهي تسارع على سبيل المثال للتبرع بالمليارات لمصر حين الانقلاب على النهج الديمقراطي مهما كانت نتائجه غير مواتية ، أو مضلله ، وكذلك منحها المليارات للبنان لتعزيز جيشه بينما لا تستطيع هذه الدول أن تقدم للأردن شيئا من هذا القبيل فيما لو كانت راغبه ، وأعتقد أن بعضها إن لم كلها تملك فائضا من الأموال وراغبه في تقديم العون الإستراتيجي المجزي للأردن . كما أنها لا تستطيع إدخال الاردن في مجلس التعاون لنفس السبب تماما كما هو الحال مع القدس وغزه فان أي زعيم خليجي يتمنى أنه يستطيع تعزيز صمود المقدسيين واغراقهم بأسباب الصمود وكذا غزة التي تعيش مأساة القرن.


المحذور الثاني :
حرص الحلف الأمريكي الصهيوني على أن ينسحب الحصار المالي والإقتصادي على الأردن ونظامه على الدول غير الصديقه للغرب حيث ان تحالف القيادة الأردنية غير المتوازن مع الغرب وما يتضمنه من محاذير ومحظورات قد حرم الأردن من فرصة قبول العروض وتلقي المعونات الكافيه لسد احتياجاته من المعسكر الأخر او من الدول غير الصديقة للغرب وللولايات المتحدة حاليا والتي كان وما زال الأردن قادرا على أن يتلقى منها ما يكفي لسد احتياجاته الأساسية أو الاستراتيجية مقابل مواقف سياسية أو عقدية أو خدمات بسيطه يقدمها لها الأردن ، رغم أنها لا ترقى إلى مستوى أدنى خدمه يقدمها الأردن للغرب ولاسرائيل بالمجان. والعروض في هذا أمام الأردن لم تنقطع لأن الدول لا توزع المال والمساعدات بالمجان ، والأردن بموقعه الجغرافي وطبيعة أرضه التاريخية يستطيع الحصول على المال وسد كل احتياجاته فيما لو كان حرا في اتخاذ القرار .

المحذور الثالث:
امتد الحصار المالي والإقتصادي إلى عدم تشجيع البحث واستكشاف واستخراج الثروات المعدنية ومصادر الطاقة لما قد يمثله ذلك من كارثة سياسية للغرب والصهيونية لكونه ينهي هذا المحدد المالي ويوفر للأردن والأردنيين وبالتالي لنظامه هامشا واسعا في تعزيز الدولة وفي حرية اتخاذ القرارات على صعيد السياستين الخارجية والداخليه من تلك التي في مصلحته وتعيق تحقيق أهداف المشروع الصهيوني . فالأردن بنظامه وكيانه السياسي ما زال دولة مرحلة بالنسبة للتحالف الغربي الصهيوني ، وقد نرى الإستثمارات والدعم المالي ينهال على الأردن في وقته إن جاء هذا الوقت ,وربما سنشهد استخراجا واستغلالا لثروات باطنية ورخاء بعد استيفاء المطلوب .

إن الغرب وممثلته الحالية الولايات المتحدة يفرضون كل ذلك على الأردن رغم ما يقدمه من خدمات للأهداف الغربية والاسرائيلية الإستراتيجية والعليا ورغم اشتراكه في الحرب على الأرهاب وتحمل تبعات هذه المشاركه . والمواطن الأردني يعلم بأن الولايات المتحدة قد أنفقت في العراق مئات المليارات من الدولارات على مدار سنين ومئات الأرواح لأسباب ومصالح تعتبر ثانوية بالنسبة لما يقدمه الأردن اذا ما استثنينا ملهاة النفط لزيفها واستثنينا اخضاع العراق لقبول فكرة الشرق الأوسط الجديد كما هو الحال مع سوريا اليوم كحقيقه . أما الشرق الأوسط الجديد الذي يعتبر العامل الرئيسي في تطور السياسة الخارجية الأردنيه فسنأتي عليه في مكانه في هذا الكتيب . وربما يدرك المتابع أن القيادة الهاشمية تعلم بهذه السياسة الغربية التي تهدف إلى الإبقاء على حالة الضيق لسكان الأردن والعوز للنظام ليبقى دوما في أمس الحاجة للمال الذي تمسك امريكا مفاتيحه ،وأستذكر هنا قولا لوزير الخارجية ورئيس الديوان الملكي الأسبق مروان القاسم في خضم الأزمة العراقية الكويتية ولوم الغرب للأردن على موقفه منها ونصه ' ان هناك قرارا بأن يبقى الأردن بغرفة الإنعاش'.
مما تقدم في المحددات السياسية الثلاثة للسياسة الخارجية الأردنية وتداعياتها فإني أستميح العذر بالقول أني أفترض بأن القيادة الهاشميه في الأردن تعرف بأنها كانت مدينة بموقعها هذا للمستعمر البريطاني المتحالف مع الوكالة اليهودية ، وتعرف بأنها كانت مستهدفة بالتغيير من الغرب والصهيونية في حالة عدم توجهها للوجهة التي أرادها المستعمر. كما أفترض بأنها ما زالت تعرف بأن هذا الإستهداف المشروط ما زال قائما برعاية الصهيونية العالمية ، وكما أفترض بأنها تعرف أن الضغط الاقتصادي والمالي والسياسي قائما على الدولة وشعبها ، وسيبقى لحين استكمال المخطط أو إفشاله رغم أنه قد وصل إلى مرحلة متقدمة من الإنجاز بقيام دولة إسرائيل وحصولها على الإعتراف العربي الرسمي ، إلا أن الظرف السياسي المتطور قد أصبح يشكل تحديا جديدا كبيرا وتاريخيا (historic) للقياده الهاشميه يتمثل في مسئوليتها في الحفاظ على الدولة الأردنية ككيان سياسي مستقل يفترض بالضرورة وجود كيان سياسي فلسطيني مستقل في فلسطين .وأن هذا التحدي يجب أن يواجه عمليا على الأرض الأردنية والفلسطينية معا كأولوية وعلى المستوى السياسي المتعدد الأطراف على صعيد الأمم المتحدة ، وباستخدام كافة أوراق الضغط في إطار جبهة داخلية موحده ومتينه ، سيما وأنها أي القيادة الهاشمية باتت اليوم في وضع دولي أفضل بكثير مما كانت عليه في بداية الدولة . وفي وضع داخلي ما زال متمسكا بها رغم اعتقاد الأردنيين بمسئوليتها المباشرة عما هم فيه وآلوا اليه من ضنك العيش وضياع الهوية .



التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012