عبد الهادي الراجح
لقد أصابني حزن شديد وأنا أقرأ ما حملته لنا وسائل الإعلام مؤخرا من نبأ رحيل الفارس الوطني الكبير محمد باجس ألمجالي ورغم أنني لم أتشرف بمعرفته على الصعيد الشخصي وذلك لسوء الحظ ولكنني كنت من الذين يتابعون مقالاته بشغف ويحتضنون حروفه خاصة في صحيفتنا العزيزة جريدة المجد الغراء ولعل كل متابع وقارئ للفقيد الكبير أبو باجس يشعر بذلك الحنين ومدى الفاجعة برحيل هذا الفارس فهو مناضل وطنيا من نوع خاص لم تجعله الوطنية يتقوقع كالكثيرين من دعاتها وكأن الوطنية تتناقض مع القومية ولكن أبو باجس من الذين جعلوا من حب الوطن انطلاقا للقومية العربية لأن القومي الصادق هو الوطني الصادق وكذلك ألأممي الصادق لأن الانطلاق يبدأ من مصلحة الوطن أولا وأخيرا .

 وأتمنى من الذين يرفعون الشعارات القطرية الضيقة للارتزاق منها مثل الأردن أولا أن يفسروا لنا هل هذا الوطن العزيز الذي نفتديه بدمائنا صادقين وغير مزاودين كما تعلمنا من رموزنا الوطنية أمثال أبا باجس وكما فعل أبائنا وأجدادنا ، فهل وطننا جزيرة منعزلة عن عالمه العربي الذي هو جزء لا يتجزأ منه .

محمد باجس ألمجالي علما من أعلام الوطن ورمزا قوميا انتصر لقضايا أمته وشعبه وكان من أشد المؤمنين بالمشروع القومي التحرري الذي قاده جمال عبد الناصر ولقد قرأت البرقية التي رفعها فقيدنا الكبير أبو باجس للزعيم جمال عبد الناصر ونشرتها جريدة المجد الغراء منذ سنوات يؤيد قرار الزعيم بتأميم قناة السويس وتصديه للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956م .

وكما تفاعل الفقيد الكبير أبو باجس مع كل قضايا أمته وشعبه بدءا من طرد الاستعمار البريطاني من الأردن وممثله المدعو كلوب ورفضه للمعاهدة البريطانية المفروضة على شعبنا التي أسقطتها الحكومة الوطنية الأردنية برئاسة سليمان النابلسي رحمه الله بعد أيام من تشكيل تلك الحكومة الوطنية التي لم تتكرر بالأردن مع احترامنا وتقديرنا لكل صاحب جهد مخلص  ، وكما تفاعل أبو باجس مع قضايا أمتنا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي كانت همه الكبير وقد خرج في كل المظاهرات والمسيرات لدعم حركات التحرر في كل الوطن العربي وقدم بالفكر ثمرة عمره في ذلك ولم يتخلى فقيدنا الكبير عن أحلامه وتمنياته بوحدة أمتنا العربية من محيطها لخليجها ، وبقي مخلصا لذلك المشروع التحرري الوحدوي الذي قاتل من أجله جمال عبد الناصر حتى آخر نفس في حياته واستشهد من أجله صدام حسين ورفاقه الأبطال مهما اختلفنا مع سياستهم وتحاصر من أجله اليوم سوريا العروبة كآخر القلاع القومية الصامدة  .

لقد آمن الفقيد أبو باجس بقدرة شعبنا العربي على تحقيق أهدافه وأمنياته مهما طال الزمان وانطلاقا من ذلك كانت مقالاته وكتاباته النارية في المناسبات المختلفة وتصديه بشكل مبدئي لرياح الردة والخيانة التي هبت على الأمة بعد رحيل جمال عبد الناصر وظهور المرحلة النفطية السوداء التي عقبت حرب تشرين المغدورة ووصلت ذروتها بصفقة كامب ديفيد التي أبرمها يهوذا الاسخريوطي الخائن لأمته أنور بني صهيون السادات وما عقبتها بعد ذلك من صفقات الظلام والاستسلام من أوسلو إلى وادي عربة والبقية تأتي .

في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن العربي يرحل عن عالمنا المناضل أبو باجس ونحن بأشد الحاجة إليه ، لقد شكل رحيله خسارة للوطن والأمة فقد كان رجلا قولا وفعلا ومن الذين سبقت أعمالهم أقوالهم ورحيله في هذه الظروف والموت حقا ولكنه ادخل الحزن والأسى لكل من عرف معنى الوطنية والقومية الصحيحة ، وبرحيله فقد الوطن أحد أبرز رجاله وأشرفهم وفقدت الأمة العربية مناضلا صلبا ورمزا قوميا وإنسانيا لم تغيره الظروف ولا المستجدات وبقي مخلصا لوطنه وأمته ولا يسعنا هنا إلا أن ندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم أسرته الكريمة الصبر والسلوان وكما أتمنى من أسرته الكريمة نشر برقياته ورسائله ومقالاته في كتاب يحمل أسمه الكريم وقد أبلغني أخي وصديقي سياج ألمجالي بوجود تلك البرقيات والرسائل وأتمنى الاهتمام من الجهات المخلصة للوطن لأن تاريخ هذا الوطن بصراحة في خزائن من لا يعرفون قيمته ودليلي على ذلك ما تنشره وزارة الثقافة حيث الاختيار على طريقة أهل الثقة وليس أهل الخبرة .

رحم الله المناضل الكبير الشيخ محمد باجس ألمجالي وأسكنه فسيح جنانه ,الهم أهله ومحبيه وأبناء عشيرته الكرام الصبر والسلوان وسيبقى أبو باجس مدرسة للوطنية الصادقة .

alrajeh66@yahoo.com