أضف إلى المفضلة
الخميس , 28 آذار/مارس 2024
شريط الاخبار
مصطفى يشكل الحكومة الفلسطينية الجديدة ويحتفظ بحقيبة الخارجية - اسماء الانتهاء من أعمال توسعة وإعادة تأهيل طريق "وادي تُقبل" في إربد الحنيفات: ضرورة إستيراد الانسال المحسنة من مواشي جنوب إفريقيا الاتحاد الأوروبي يتصدر قائمة الشركاء التجاريين للأردن تحويلات مرورية لتركيب جسر مشاة على طريق المطار قرض بـ 19 مليون دولار لبناء محطة معالجة صرف صحي في غرب إربد غرف الصناعة تطالب باشتراط اسقاط الحق الشخصي للعفو عن مصدري الشيكات 5 إنزالات أردنية على غزة بمشاركة مصر والإمارات وألمانيا - صور ارتفاع الإيرادات المحلية 310 ملايين دينار العام الماضي والنفقات 537 مليونا مجلس الأعيان يقر العفو العام كما ورد من النواب المحكمة الدستورية ترفع للملك تقريرها السنوي للعام 2023 وفاة سبعينية دهسا في إربد "الكهرباء الوطنية": الربط الكهربائي الأردني- العراقي سيدخل الخدمة السبت المقبل السلطات الاسرائيلية تعلن إغلاق جسر الملك حسين بعد إطلاق نار في أريحا 7.726 مليون اشتراك خلوي حتى نهاية ربع 2023 الرابع
بحث
الخميس , 28 آذار/مارس 2024


صالح أبو طويلة يكتب لـ(كل الأردن): معان التي في خاطري

09-01-2011 10:03 PM
كل الاردن -

 

 

 
 
 
صالح أبو طويلة
 
 
 كنت اتمنى في صغري ان اعرف شيئا عن تاريخ مدينتي التي أعيش فيها و حتى  عندما صدر كتاب معان دراسة في الموقع كنت اتامل صورة الغلاف بشغف وهو معروض  في الباترينا في كل مساء بعد عودتي من المدرسة  ولم استطع وانا الطالب الفقير ان اشتري هذا الكتاب والذي كنت اكتفي بتأمل صورة الغلاف لمعان القديمة المحاطة بالنخيل والماء والبيوت الترابية الشامخة  لأعيش أجواء الخيال الساحر المحلق  للقرن التاسع عشر كما عشت معاناة كبيرة في البحث عن الذات اذ كان يشغلني البحث في اصول آبائي واجدادي الذي استقروا في معان  ولم يسعفني الصغر في السن ان اجلس مع المسنين والذين اكتشفت عندما كبرت ان غالبيتهم ماتوا وماتت اسرار كثيرة بموتهم و كما اخبرني احد العارفين يوما عندما اوضحت له ما ابحث عنه فقال لي : العلم يا ولدي مثل الكنز في صدر الرجل فاذا مات ذهب معه هذا الكنز الا ان الحظ اعثرني على رجل مسن كنت اجالسة بعد العصر قريبا في حارتنا وهو من اقاربي وشهد الحرب العالمية الاولى مقاتلا ولكم اتمنى ان يعود الزمن كي استرجع معه حوادث معان في بدايات القرن العشرين لان حراكا سياسيا وعسكريا هاما كان لمعان في تلك الحرب هذا هو ما عرفته عن مدينتي استقصيت كل شيء عنها من خلال المصادر والمراجع ولكنني اكتسبت المجهول نسبيا من خلال النساء والرجال كبار السن فيما بعد والذين كانوا ادق في سرد تفاصيل الحياة الاجتماعية والسلوكية  والذين كانوا يشيرون الى معان بصيغة المذكر لا المؤنث 
هذا ومعان ما نبيعه بالرخيص    مثل الجواهر غاليات اثمانها
  مدينة صغيرة على سيف الصحراء حارة في النهار معتدلة ذات نسيم عليل في الليل حيث كان من الممكن ان نتتبع النجوم حين لم تكن الأضواء صاخبة  وحين كانت تحلو جلسات السمر والسماء غير معتكرة ، كان حركة السكان مزيجا من البدو والريف والحضر تربطهم علاقات اقتصادية واجتماعية تنفض عند المساء حيث يعود البدو إلى مضاربهم والفلاحون إلى مواطنهم في جبال الشراة كل يحمل حاجياته وكانت تلك هي دورة الحياة في معان البيع والشراء  ، إذ كانت التجارة هي إحدى مقومات وجود المدينة منذ تأسيسها فقوافل الحجيج منذ مئات السنين تتوقف في ساحات المدينة لتأخذ قسطا من الراحة وتبتاع حاجياتها من تجار المدينة الذين كانوا يجلبون البضائع من فلسطين والشام ومصر والفواكه والحبوب من القرى المحيطة ومن بساتين المدينة ولذا فقد احسن الرحالة اوغست فالن عندما قال بان معان من اكبر المراكز التجارية على طريق الحج غير ان التجارة وحدها لا تكفي لاستقرار السكان واقامتهم فجاءت الزراعة كرافد ثان للتواجد السكاني لمدينة معان فكانوا يزرعون مختلف الفواكه والخضروات والتبغ ايضا الذي كان يزرع بكميات كبيرة وقد كان البيع والشراء اقرب الى نمط المقايضة المباشرة والمداينة حيث يسدد الفلاح والبدوي ديونهم الى التاجر او العميل وحين يأتي البدوي الى المدينة يقيم احيانا عند التاجر اياما ويستضيفه التاجر ويربط جماله وقد كان هذا التمازج المباشر له الاثر الكبير في ازدواجية الثقافة لدى سكان معان الذين جمعوا بين التحضر واكتساب الطبائع البدوية حيث كان البدوي مضربا الشجاعة والفروسية والوفاء ، وبين الحضر الذين يتمتعون بالرقي والتمدن  ويا له من اثر ثقافي حيث جاء تجمع الحجيج من كل حدب وصوب ليشكل جزءا من الثقافة المحلية للمدينة، وكم رأينا البدو فرحين حينما يكون موسم الامطار جيدا هنالك يشتري البدوي كل شيء دونما حساب ويكسب التاجر كثيرا وحين يجتمع البدو في الدكاكين ويحتسون القهوة والشاي يبدأ الحديث عن الموسم والامطار والحلال والربيع والنجعات .
وكما قلنا لولا جود الطبيعة الثرة في تلك المنطقة لتي حظيت بغزارة المياه التي شكلت أسباب الحياة التي أنعشت الواحة الصحراوية فشكلت بدورها عامل جذب مهم للاستقرار والإقامة والراحة ، فالبدو يردون إليها للراحة والاستجمام وشراء الحاجيات  والتزود بالماء ويقيمون فيها أسابيع فيمتارون الحبوب والتبغ والبن والسلاح  ويصلحون ادواتهم وعددهم عند الحرفيين بينما يقدمون الماشية ومنتجاتها والفلاحون كذلك يجلبون الفواكه والخضر والحبوب على دوابهم لتباع في سوق معان كما كانت القبائل البدوية البعيدة من شمال الحجاز تمر في معان لتشتري ايضا الشعير والقمح ، فنشأت العلاقات الودية بين القبائل وأهالي المدينة الذين اقاموا علاقات مشتركة تقوم على تبادل المصالح وتوفير المناخات الآمنة لجميع مرتادي المدينة وقد اوجد السكان نظاما اجتماعيا واقتصاديا وامنيا يضمن الاستمرار في الحياة الطبيعية ومزاولة نشاطاتها ضمن قاعدة الجماعة لا الفرد فقوافلهم التجارية كانت منظمة وجماعية حماية لهم من السطو والنهب والسلب في عمق الصحراء اضافة الى نزوع الثقافة المساواتية التشاركية في جميع اعمالهم فبناء المنزل يتم بشكل جماعي والزراعة تتم بشكل جماعي والدفاع عن العشيرة والفرد يتم بشكل جماعي والتكافل الاجتماعي يضمن حدا أدنى من العيش الكريم للفقراء وحفر الآبار وصيانة القنوات وجلب الحجارة وصنع الطعام الجماعي للضيوف وممارسة طقوس الافراح والاتراح كل ذلك يتم بشكل جماعي نابع عن الارادة الحرة المعبرة عن الروح التضامنية والاختيار الطوعي وحتى توزيع الثروة كان يتم بطرق مختلفة فبعض العادات الحميدة كانت تسمى لديهم (الشريعة) يعني ان يهب الشخص بستانا لمولود جديد قد يرتبط به بصلة قرابة ويسمى النقوط  او يهب مجموعة من الاشجار للعروس الفلانية فتبقى لها مدى الحياة وهذه العادة كانت دارجة بشكل يطرح التساءل في بيئة شحيحة اقتصاديا نوعا ما وهل يعقل ان يهب فلان بستانا جميلا مليء باشجار الرمان والتين لهذا الطفل غير ان تلك الفلسفة  كانت اقرب الى المساواة حيث كل انسان يمتلك منزلا وبستانا وبئر ماء وسلاحا ولاحظت ايضا انهم ينزعون الى تمليك الطفل الصغير لتعزيز الشعور المعنوي لديه فيقولون له هذا الخروف لك وهذا الحوض لك وهذه الشجرة لك  ولذا فقد كان الترابط الاجتماعي ياخذ شكلا متقدما في حياتهم الاجتماعية وحيث ان الحياة الاجتماعية كانت قائمة على منظومة من القيم السامية كالعدل والنزوع الى المساواة ونصرة المظلوم واطعام الضيف وتقديس العمل الجماعي وتقديس الام واحترام التقاليد الفروسية العربية وتمجيد التضحية والعلم وشدة الذود عن الحريم وتقديس الصالحين والاولياء وغرس روح التحدي واثبات الذات لدى النشء الصغير واعطاء المرأة مساحة للتعبير عن نفسها في مجتمع محافظ اذ كانت النساء هي من ينظم الشعر ويحمس الرجال لمواجهة مواقف الحياة، الآن تذكرتهم جيدا في طفولتي يحملون العصي ويرتدون العباءات المقصبة والعمال منهم يلبسون السروايل الدمشقية ، كما كان لديهم نزوع الى الاستقلال ونفور من السلطة اذ كانت الدولة العثمانية تعفيهم من الضرائب لقاء ادارة شؤونهم بانفسهم ولقاء توفير اسباب الراحة لمحمل الحج وقوافل الحجيج وذكر السنوسي ذلك اثناء مروره بمعان اواخر القرن التاسع عشر ، ولم يخضعوا البتة لسطوة البدو في تعرضهم لبعض مناطق الفلاحين لياخذوا الخاوة منهم بل ويعتبر البدو ان معان لها مكانة خاصة مهيبة لديهم واقرب مثال على ذلك موقف الشيخ عودة ابو تايه في معارك معان عندما شعر بان بعض الاعاريب المشاركين في الحرب يتهيؤن لسلب ونهب المدينة فقال قولته المشهورة (معان بلدي) .
 ، لقد أقام الأنباط والرومان قنوات كبيرة ممتدة للمياه في معان وكانت المياه في معان تجري من جبال الشراه بواسطة قنوات تحت الأرض يفصل بينها فتحات للتهوية وكانت تدعي الضواوي لأنها تفضي بضوئها على قنوات الماء تحت الأرض وتكون بمثابة اعناق للتهوية والتنفيس وهي الطريقة النبطية القديمة لسحب المياه من مواقع بعيدة  فمن جبال الشراة وعلى بعد عشرة كيلوا مترات غرب معان تسيل مياه الضواوي من سفوح الجبال وتصب في بساتين معان وبركها وتزود ينابيعها بالماء فالماء هو أساس الحياة فقد كانت المياه تتجمع في برك كبيرة يتقاسمها الناس هناك تحت إشراف جماعي وضمن نظام دوري وصارم ودقيق( نظام الساعات المائية)  إلى أن يروي كل منهم أراضيه وبساتينه التي كانوا يسمونها القصائل او الوطي مفرد وطاة وهي الارض المنخفضة  ، غير ان العلاقات الحميدة كان يشوبها نوع من التنافس أحيانا ويؤدي الى المشاجرات والحرابات التي سرعان ما تنفض وتحل تحت اشراف حكماء المدينة وعقلائها فكاكي النشب الذين يؤدون أعمالهم بدون مقابل ، وحتى الجلوة كانت داخلية فمعان الحجازية مجلى أهالي الشامية والشامية مجلى لمعان الحجازية حيث كان السكان يخافون على أعراضهم ولحمتهم كما يقولون من أن تذهب إلى بعيد الأمكنة ، والبساتين المحاطة بالاسوار الترابية والابراج الاسطوانية ويفصل بينها الازقة الضيقة هي واحات غناء تجمع اصناف الطيور والعصافير واحيانا الظباء الصحراوية التي تتسلل لتشرب من مياه الينابيع .
فقديما اختار المعينيون والسبئيون معان كنقطة مهمة وكواحة ثابتة على الطريق التجاري الجنوبي الذي يربط الجزيرة العربية ببلاد الشام وافريقية واستمرت الصراعات فيما بعد ما بين سكان فلسطين والمعينيون من اجل السيطرة على تلك الواحات الخصبة.
وقد كانت معان القديمة أشبه بالقلعة الدائرية المتراصة المحصنة ببيوتها وأبراجها وعلاليها الشامخة وفي وسط هذه المدينة القديمة تكون الساحات والأزقة والمصاطب والعتبات واشجار التوت والحور والعنب والتين والنخيل والرمان  تضفي الحميمية وتلك الرايات البيضاء التي توضع على أعالي المنازل توحي بالطهر والنقاء وشكر الله على جلب الخير ومنع الشر في الساحات كان الاطفال يلعبون العاب كثيرة مثل ( الطابة ، شوبش طلياني ، الطمية ، سبع حجار ،لعبة التلول، لعبة الخريطة، لعبة حابو جيبوا، صيد العصافير بالفخاخ او المقلاع) وغيرها من الالعاب كما كانوا يستمتعون في الاعياد بمشاهدة مسرح العرائس او الساحر القادم من خارج معان وفي احتفال المولد كان اهل المولد  يأتون باحد الاشخاص الذي كنا نسميه الساحر فيقوم ببعض العاب الخداع البصري  ، اما البنات فيلعبن الحجلة وهي المربعات العشرة ونط الحبل والغميضة ويلعبن ايضا لعبة الحجارة المنتقاة (الحريدة) ويغنين 
حريدة بريدة بنت العم يا سعيدة يا هالجوز مطارق لوز يا هالحبة وثلثها
والاطفال يدرسون في المدارس وقد كان هناك مدرستان للاطفال في العهد التركي تدعى المدرسة الرشدية في الشامية واحدة وفي الحجازية وعندما قدوم الشريف الحسين بن علي الى معان عام 1926م استقبله اهالي معان عند مدخل معان الغربي (سهل سمنة) حيث اصطف الطلاب الكشافة طابورين وكانوا يلبسون الشورت القصير والقميص ) وهو لباس الكشافة ويحيون المغفور له الشريف الحسين بن علي فما كان منه الا ان تناول القطع الذهبية وهي الريال الشريفي كما يسمونه وقدم لكل طالب من طلاب الكشافة ريالين ذهبيين كمكافاة وتحفيز ثم اكمل مسيره ونزل في محطة معان قبل توجهه الى عمان ، وهناك مدرسة قديمة من العشرينيات لا زالت قائمة لحد الآن درس فيها غالبية ابناء معان ولا اعلم ان كانت هي ذاتها المدرسة الرشدية ام لا ، كما كان الاطفال يلعبون في السيوف الخشبية في استعراض جميل امام المغفور له الملك عبدالله الاول عند زياراته لمعان ، وهناك بالقرب من منزل فارس كريشان – كما حدثني المرحوم ناصر فارس كريشان- يلعب الاطفال لعبة الطابة فياتي المغفور له ويشاركهم عن قرب ويمسك الطابة ثم يذهب الى المسجد للصلاة وفي يوم من الايام ينظر عن بعد فيشاهد فرسا اصيلة كحيلة ترعى في مزرعة الشيخ فارس كريشان فيأتي للشيخ فارس ويطلب منه ان يبيعه الفرس فاجابه الشيخ فارس (كحيلة ما تنباع) ثم لما اصر المغفور له على دفع ثمنها قال له الشيخ فارس (بعد هاللحظة ترى نفسي جازت عنها ) وقدمها هدية له ، وكان المغفور له الملك المؤسس يشارك اهل معان افراحهم واتراحهم ويحضر مجالسهم ويتجول في الاسواق متنكرا كما يحضر مجالس الزاوية الصوفية في معان. 
 اما كبار السن فيتكئون مساء على المصاطب ويلعبون السيجة والطاب ويدخنون التمباك والشيشة وهي مفضلة عندهم والكثير منهم يضعون الاراجيل النحاسية في زوايا الديوان (المضافة) ويغسلون التمباك بالقماش الابيض ويضعونه للتعليلة على رؤوس الاراجيل النحاسية ويتبادلون الحديث مساءا ويوميا حيث كانوا يقولون المجالس مدارس  وحتى عندما تقام الدبكة او السحجة يؤتى بالاراجيل لعلية القوم وتقدم لهم ، جميلة تلك المضافات باحاديثها الجميلة القديمة وكبار السن الذين يتحدثون عن اسفارهم وعن الحكم والاساطير وقصص ابو زيد الهلالي وعن الحرايب التي تقع بين البدو ، ثم يعدون طعام التعليلة ويبدؤون بلعبة الفنيجيلي الحظية التي من نتائجها ان يصنع احدهم الطعام ومن يقع عليه اختيار الحظ ويكون العشاء مجللة ومشروبهم في المضافة هو القهوة وهي مشروبهم الرئيسي وعادة ما يرمزون للشيخ بمحماس القهوة فيقولون العشيرة الفلانية كان لهم سبعة محاميس أي سبعة شيوخ ويقولون فلان قلب بفتح القاف واللام للعشيرة الفلانية ثلاثة محاميس أي قتل ثلاثة رجال من الفرسان والقهوة رمز للخير والقهوة والعطاء والكيف واحيانا يشربون الشاي خصوصا اذا قدم الضيف ولكني كنت اتساءل كيف سينفق صاحب القهوة او الديوان على هذا العدد الكبير من المرتادين كل ليلة سألت احد المسنين يوما عن ذلك فأجابني : يا ولدي كنا نأتي بقطعة قماش او غربال في كل عيد ونضعه في الصباح امام جميع افراد العشيرة فيبادرون بوضع القطع النقدية فيه وتكون هذه الغلة هي مؤونة السنة لشراء القهوة والشاي طيلة العام لكن في حال قدوم ضيف فان صاحب المضافة او احد الموجودين يقومون بواجب قرى هذا الضيف كحالة استثنائية وهؤلاء الناس في معان كانوا يقدسون الطقوس الاحتفالية لدرجة كبيرة ولا يخلون بعنصر من عناصرها (الزواج ، الختان (الطهور)، ختم القرآن، عاشوراء، المولد النبوي ، الموت (البكاء الجماعي) واعداد الطعام للميت (فكة العقدة، السبوع، الاربعين) ، يؤدون الطقوس والحركات والقصائد والترانيم كما ينبغي ، حتى في الموت تتجمع النساء النائحات في منزل ويسمى هذا (مبكاة) يعني مكان البكاء على الميت لعدة ايام والبكاء يكون بعبارات مخصوصة مسجوعة وقد حصل بعد استشهاد الملك عبدالله المؤسس اذ كانت النساء تخرج الى تلة قريبة من المدينة ويبدأن في البكاء الجماعي ولعدة ايام .
واللهو كان محببا للشباب فالرقص والدبكة والسحجة والعزف على الشبابة والمجوز والمقرون وصيد الاشارات في البنادق هي هواية محببة لدى الشباب والذهاب الى الصيد في المناطق المحيطة بمعان وفي ايام الانتداب الانجليزي كانت توجد سينما في المحطة يرتادها الشباب حين كان البعض يذهبون على الدراجات الهوائية كما وجد فندق وحانة خمر يديرها رجل ارمني يدعى ابو يعقوب وحتى من يشربون الخمر كان الناس يعطفون عليهم ويقدمون لهم العنب والفواكه خصوصا اذ كانوا في منطقة البساتين ، اما الفنادق فكانت في المحطة وفي السوق القديم حيث وجدت فنادق مبنية من الطين كفندق الطائف وفندق العقايلة واما من يثري من التجار فيذهب الى الشام بقصد التسلية واللهو والترفه ويشتري البضاعة اثناء العودة ويعود في القطار.
وقد بقيت هذه المدينة على شكلها القديم الموروث منذ عدة قرون الى حد الستينيات عندما قدم الطوفان فالتهم كثيرا من هذه المنازل واصحابها وكانهم الدمى الصغيرة حيث كانت الضحايا بالمئات فاستسلمت المدينة لقدرها هناك يقف احد الناجين امام شجرة التوت العتيقة ويقول : نذرت لك كل عام ان اذبح لك شاة حيث تعلق هذا الرجل بهذه الشجرة على حافة الطريق فاتي شخص آخر ومعه حبل طويل ليرمي به في غمرة السيل وينقذ بعض الاشخاص الذي حالفهم الحظ بالنجاة  وما بقي من منازلها وآثارها التهمتها آليات الحكومة ومشاريعها حيث تم تدمير غالبية البنية المعمارية القديمة والقنوات النبطية والينابيع مما ادى الى ان تغور في باطن الارض وجفت البساتين التي استقبلت ملايين البشر من الحجيج والمسافرين عبر قرون فقد كان يردها كل عام مائة ألف جمل في موسم الحجيج كما تقول التقارير التاريخية حتى اضحت هوية المدينة وخصوصيتها شبه ملغاة ونسي الناس كيف كانت ايام زمان وانتزعت روح الحميمية والعطف والتعاون بين قاطنيها وتحولت منازل معان بتشوهاتها الاسمنتية الى امكنة شبيهة بالمخيمات حيث انتزعت جماليات المكان وروحه اضافة الى تدني مستوى الخدمات الصحية والبيئية، وقفت يوما مع احد المعمرين الاذكياء تجولت في معان القديمة لاتتبع ذاكرة المكان يشير هذا الرجل هناك قتل فلان وهذه القلعة تسلقها فلان محاولا الهرب من الاتراك فوقع فمات وهذا القصر شهد الحرايب وهذا الكتاب كان يضم عشرات الأطفال وهذا رجم فلان وهذا مذبح فلان وهذه واجة العشيرة الفلانية وهذا بستان الرملة نقوط للطفل الفلاني وهذه التوتة حصل عندها كذا وكذا وهذا قبر فلان وهذه الساحة كنا نلعب فيها ونرقص ونستقبل العائدين من الحج او من الشام او من مصر ثم يصمت ويقول كل شيء راح البركة راحت لما راحوا الطيبين واشار نحو المقبرة القديمة .
واعود الى المدينة القديمة ، لقد التصقت الأحياء القديمة ببعضها البعض في محلة معان الحجازية وامتدت من القلعة إلى الجهات الشمالية والغربية والشرقية في حين احتلت البساتين الجهة الجنوبية الشرقية للقلعة العثمانية, هذه الأحياء القديمة كانت تسمى القناطر نسبة إلى الطابع المعماري لهذه البيوت القديمة إذ أنها تميزت بوجود قنطرة تتوسط غرفة المنزل مكونة من الحجارة البيضاء الناصعة التي تكسب المنزل طابعا جماليا إسلاميا وهذه البيوت المتراصة القديمة كانت تفصل بينها أزقة متعرجة ضيقة عرضها يقارب المترين تفضي إلى بعض الساحات التي كانت فيما مضى مخصصة للاحتفالات والمناسبات الاجتماعية المختلفة فقد كان الاهالي قديما يحتفلون بعيد المولد النبوي وعاشوراء وغيرها من الاعياد ويعلقون الزينة في الشوارع السجاد والاعلام وجريد النخل واوراق الشجر ويوزع التجار الاثرياء القماش على الاطفال الفقراء عندما يصطفون طابورا امام الدكاكين في السوق القديم ثم ياتي شيخ المدينة ليقرا المولد وهو عادة احد شيوخ الكتاتيب في معان وهم كثر ويطلقون على شيخ الكتاب (خجا) بضم الخاء وهي كلمة اعجمية تعني المعلم ومنهم الحاج محمود الرواد والحاج داود ابوصالح والحاج عبدالقادر ابو جري والخجا تيم والخجا الحاج دريبيس في الشامية وهؤلاء المعلمون يدرسون مبادىء النحو متن الاجرومية والحساب والفقه المالكي والحنفي المباديء البسيطة ويتعلم الاطفال الوضوء حيث يصطحبهم الشيخ الى عين سويلم والمقابل يكون شيء يسير من الطعام بيض وخبز والملاليم والشيوخ وقد يتخرج الطفل ويعمل له حفل ويطاف به على حصان في المدينة وسط الاغاني والاهازيج وتوزع الحلوى وتهدى للشيخ عباءة لقاء تعليمه وصبره كما وجد في معان قاض ومفت يفتي على المذهب الحنفي  واستمر احفاده في تلك المهنة بعد وفاته.
 وهؤلاء الشيوخ المعلمون مباركون مكرمون دعاؤهم مستجاب اقرب الى الصوفية البسيطة والناس في معان كانوا يعتقدون بشدة في الاولياء والمجاذيب (مرحوم الوالدين، سلوم ...) كما كانوا يقدمون القرابين لقبور الاولياء في المدينة مقام الشيخ عبدالله ومقام الشيخ محمد وام جديع ويعتقدون فيهم وانهم يستجيبون الدعاء حيث كانت الخرافة والاسطورة منتشرة وعادات كثيرة هنالك بنيت على الاساطير ومن اساطيرهم الغولة التي قتلها رجل يدعى  عودة عياد ،واسطورة الجن والسكان بكسر السين وهو ما يسكن المنازل من الارواح الشريرة والسعلاة وايضا بنات نعش التي تقول الشعر احيانا وترثي الاموات وقد سمعت بعض الاشعار التي تنسب لبنات نعش في رثاء الاموات ومن جهة اخرى تقام الافراح وسط الساحات التي تضاء بواسطة اللوكسات ويبدأ الفرح باطلاق بضعة رصاصات تسمى طرد النحوس كي تكون الامور على ما يرام وتستمر الافراح اياما متتالية يصنع فيها للضيوف الطعام بتبرع من اهالي الحي او الساحة حيث توقد الطوابين داخل المنازل  ويقدم الخبز لصنع المجللة على مدار عدة ايام .
 ,  وفي الجهة الغربية لقلعة السرايا (حصن سليمان) والذي بني سنة 1559م  وعلى بعد حوالي خمسين مترا توجد بوابة كبيرة مقنطرة تنفذ على شارع القناطر وهي بدايته حيث يمتد هذا الشارع بمسافة 100 متر تقريبا إلى الجهة الغربية وينتهي ببوابة مقنطرة مماثلة للبوابة السابقة فيكون لشارع القناطر بوابتان رئيسيان غربية وشرقية  وفي أثناء المسير داخل هذا الشارع المسقوف الضيق تبدوا الفتحات موجودة في أعلى الممر بغرض التهوية والإنارة كما يوجد على ضفتي هذا الشارع الضيق أبواب المنازل التي وضع الى جوانبها قناديل زيتية تضاء ليلا فتلك الأبواب تفضي إلى هذا الشارع وهذا الشارع يفضي إلى القلعة من الجهة الشرقية ومن الجهة الغربية تنفذ بوابته الغربية إلى زقاق يؤدي إلى ساحة الفناطسة من جهة ويؤدي من الجهة الجنوبية إلى زقاق آخر يفضي الى وادي المفايض وعين سويلم  كما تتواجد القناطر في داخل هذا الشارع كلما ولجنا فيه أكثر وهو مسقوف بخشب الأشجار الحرجية ومغطى بالقصب أيضا. وقد تم هدم هذا الشارع في سبعينيات القرن الماضي وخسرت بذلك معان أجمل معلم تراثي كان يؤشر إلى طبيعة هويتها , يعتبر هذا الشارع من أروع جماليات المدينة القديمة فهو شارع مسقوف ومقنطر يحتضن في جوفه الكثير من الحميمية والروحانية كما انه يحمل ذكريات السكان القدامى حيث اللقاءات والتعاليل والمسامرات التي تجري في الدواوين الملاصقة لهذا الشارع فهناك ديوان الخوالدة الذي يلاصق الشارع من الداخل من الجهة الغربية والشارع بطوله وهناك ديوان البيك أبو عودة وديوان ابن حامد الخطيب وقهوة ابو مرعي دويرج وهناك منزل الحاج يحي شموط وهو منزل جميل جدا يشابه كثيرا البيوت الدمشقية حيث الأزهار والورود والأشجار التي تلتف في جميع أرجاء المنزل وغيره من المنازل العتيقة التي تفوح منها الأصالة والعراقة والقدم ، ويقع على الطرف الجنوبي من الشارع مباشرة كما قلنا بيوت قديمة تمتد باتجاه الغرب وتسمى شلالة عيال داود وهذه القطعة السكنية الممتدة تعود لعيال داود الفناطسه وانتقلت ملكية العديد من منازلها مع مرور الزمن الى بعض العشائر الأخرى كما ينفذ باب الغربي بطريق منحنية الى ساحة الفناطسة والتي  تسكنها بالقرب منها عشائر الفناطسة ، كما وجد مسجدان قديمان من الطين قرب القلعة احدهما يدعى مسجد الحاجة خديجة حيث كانت تقيم فيه احدى المهاجرات المغربيات وتدير شؤونه والمسجد الآخر هو مسجد الشايب وهو بمئذنة مرتفعة ثمانية الشكل وكان امامه ومؤذنه الحاج كليب الفناطسة لحد وقوع السيل .
كما قلنا بان معان الحجازية قد تشكلت من بذرة صغيرة هي قلعة سليمان القانوني التي بنيت عام 1559م ثم أتت العائلات والأسر لتستقر حولها وتمتد مساكنها إلى عدة جهات فما حول القلعة تقريبا كان لعشائر الحمادين وايضا بيوت خليل الشراري وجرار واسر من آل خطاب وحيشان البزايعة مفردها حوش وبعض الكراشين والفناطسة  ومنطقة الطور الشرقية هي سكنى عشائر الكراشين ويقال طور الكراشين والجهة المقابلة تدعى التحاتا مأخوذة من الانخفاض 
التحاتا والكراشيني    واللي يقع بينهم هافي
 
 والطور عبارة عن تلة صغيرة مرتفعة عن معان الحجازية وتكشفها بسهولة والطور موقع حصين وقد كانت عائلة الذباح تسكن في طرف الطور الجنوبي وهناك قصر الذباح وقربه قصر الكراشين وأيضا القشلة التركية وقد لاحظت بان المناطق المهمة في الطور تقع في سفحه الغربي وبالقرب من بئر الكراشين وهو البئر الذي يستقي منه الكراشين اذ ان الطبيعة الصخرية للطور تمنع من استنباط مياه الآبار و بئر الكراشين هو بئر عام تستقي منه عشائر الكراشين كان يقع في ارض منخفضة خلف السوق القديم مباشرة أي ما بين السوق القديم والطور وكانت هناك أزقة قديمة تنفذ إلى الطور منها زقاق الكراشين  قريبا من الموقع الحالي للمسجد الهاشمي كما يقع منزل حسين باشا كريشان في أسفل الطور  في تلك المنطقة ومقبرة الكراشين تقع شرق الطور والجهة الشرقية عموما تسمى قديما الشراقا اشارة الى جهة الشرق واراضي الشراقا كانت قديما تزرع وتروى بالماء الا انها تعرضت للجفاف والبوار فعادت صحراء قاحلة، وتعتبر عشيرة قباعة اقدم عشيرة في معان الحجازية  كما يذكر المسنون وقد نزل الرحالة اوغست فالن عام م1845 تقريبا في ضيافة الشيخ احمد قباعة الذي كان كما وصفه الرحالة صاحب تجارة عظيمة بين القاهرة والحجاز والشام
 
 
وكما يقول احد الشعراء
ملعون ابوك يا قعيدان جوزت بنتك قباعة
مدري هو شيخا لمعان والله  جلاب بضاعة؟؟؟
وعشائر معان الحجازية استقرارها قديم جدا ويدل الرحالة الخياري الذي زار معان اواسط القرن السابع عشر فوجدها بلدة آهلة بالسكان عامرة البيوت وافرة التجارة والزراعة ويقول انه رأى كثيرا من البدو قد استقروا في القلعة واداروا شؤونها ونعود ونقول بان العشائر القديمة حول القلعة هي( البزايعة والفناطسة وآل خطاب )
كما تسكن عشائر الصلاحات بالقرب من السوق القديم من عدة جهات ومثلها عشيرة التلاهنة والعقايلة وهذه العشائر كانت لها جزء من الواجهة الغربية لمعان اما عشيرة الرواد فاراضيها هي ما حول المنطار اضافة الى بيوت الرواد القريبة من ساحة الفناطسة  والمنطار هو مكان مرتفع كان يجلس فيه الناس ينتظرون بعضهم البعض أثناء عودتهم من أعمالهم إذ يعد ملتقى طرق وبالقرب منه منزل الشيخ إبراهيم الرواد ، و يتوسط المنطار عامود خشبي حوله دائرة من الحجارة في أعلاه فانوس للإنارة الليلية .. وهناك مدفع المنطار في رمضان وهو مدفع تركي قديم كان يستعمل فقط في شهر رمضان لتنبيه الصائمين حيث ينتظر المدفعجي رؤية المؤذن وهو يلوح بالراية البيضاء من فوق مئذنة جامع السوق ليطلق مدفعه فورا .. والانتظار عادة يكون عصرا اذ ينتظر السكان قدوم رعاة الغنم من الاودية القريبة من معان ليستلموا ماشيتهم وفي الشامية كان كبار السن يجتمعون بالعشرات بالقرب من ديوان خشمان ابو كركي قرب القلعة ينتظرون رعاة الغنم قبل الغروب ويلعبون السيجة والطاب اثناء الانتظار 
ولموقع السكن دور كبير في تحديد الواجهة العشائرية وخصوصا اثناء الحروب فعشائر آل خطاب والرواد لهم الجهة القبلية وعشائر البزايعة والفناطسة والعقايلة لهم الجهة الغربية وعشائر الشامية لهم الجهة الشمالية وعشائر الكراشين لهم الجهة الشرقية وبعضهم له واجهة المنزلة وهم عيال مرعي وعيد بن حسن  ويدل على ذلك مواطن بناء الابراج التي تسمى القصر قديما فقصر الفناطسه كان على تلة غربية (موقع المستشفى الحالي) وقصر المحاميد يقع شمال معان على الخط الصحراوي وقصر الكراشين شرق معان وقصر الرواد على رجم أم عمرو يقع جنوب القلعة ويعتبر القصر أو الرجم علامة هامة ورمز مقدس يجب أن تذود عنه العشيرة وتحميه .
أما بالنسبة للشامية فقد كانت جميع عشائرها تسكن القلعة قديما والحارة الفوقا الملاصقة للقلعة ثم انتشر السكان في بدايات القرن العشرين وهجروا القلعة أما واجهتم كما قلنا فهي الواجهة الشمالية وطريق اذرح إلى جهة الغرب وحتى تصل إلى رجم ذياب الخطيب الذي يعد من واجهة الشامية أيضا وتلك المنطقة تسمى سمنة عيال محمود.
ومما يجدر ذكره ان معان الحجازية تنخفض كلما توجهنا الى جهة الجنوب او القلعة حيث كانت هناك اودية صغيرة تتجه الى قلب المدينة القديمة وتسمى الشلالة فهناك شلالة عيال داود وشلالة الصلاحات وشلالة الكراشين والشلالة تعبير عن الشعب الصغير بكسر الشين المشددة وتصغيره الشعيب وهو الوادي الصغير الذي يسيل بالماء في فصل الشتاء وقد كانت السيول قديما تداهم المدينة وتجرف منازلها الترابية وتتسبب في تدميرها وقتل سكانها منذ أيام الأتراك العثمانيين مما حدا بالأتراك أن يقيموا سدودا غرب المدينة منعت تلك السيول المفاجئة من الدخول الى المدينة فتتوجه كلها الى وادي الشامية مباشرة والذي يصل الى قاع الجفر  ويذكر رزق الديخ في كتابه حادثة سيل بالوزة الذي جرف الكثير من منازل معان قديما وتسبب في هجرة بعض عشائر الحمادين من المدينة يقول (يروي أهل مدينة معان ان المدينة كانت قد تعرضت لكارثة فيضان قبل أكثر من مائة عام تقريبا من الصحراء الغربية للمدينة علما بان المدينة كانت تقع في ارض منخفضة وللشرق من تلك الصحراء وذلك مما سهل لدخول السيل إلى المدينة حيث جرف غالبية منازلها الترابية بما فيها من متاع ثمين وأرواح بريئة طاهرة.
كان بعض الأهلين يقومون ببناء غرف على ظهر منازلهم الترابية ويسمونها العلالي أو العلية ويقال أن منهم من شاهد إحدى تلك الغرف( العلية) تسير على ظهر ماء ذلك السيل حتى أن النور (السراج) بها كان مضاءا ولمسافة بسيطة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة ذلك السيل وارتفاع مياهه
كانت عشائر الحمادين تسكن في الأحياء المجاورة للقلعة العثمانية  السرايا  وكذلك بجوار بئر بالوزة وقت تلك الكارثة ....وبعد هذه الكارثة نزح منهم إلى وادي موسى وهم حمادين وادي موسى ومنهم إلى الكرك وهم البواليز بالنسبة إلى بئر بالوزة كما يقال 
ومن خلال اطلاعنا لجغرافية معان نجد انه من السهل ان تجتاحها السيول القادمة من الغرب وقد جاء سيل في اواخر الثلاثينات الى منطقة الشامية وهو سيل قعوار وجرف الكثير من بساتينها وسمي سيل قعوار بهذا الاسم نسبة الى شخص من دار قعوار من السلط كان موظفا اداريا في معان حيث اقتحم هذا السيل بتحد وسخرية  وهو يقود فرسه فجرفه السيل .
ومع مرور الزمن اصبح الكثير من السكان على جهل منهم يقلعون حجارة تلك السدود وخاصة الوجودة في منطقة البيارة مما تسبب في ان يقتحم طوفان عام 1966م مدينة معان ويدمرها ويغرق المئات من سكانها والحجيج فيها.
ونأتي الى السوق القديم  ,يمتد هذا السوق القديم العريق من قلعة السرايا العثمانية إلى الشمال بطول كيلومتر واحد تتوزع على جانبيه الحوانيت والبقالات الصغيرة والمقاهي كما تتفرع منه الأزقة التي تؤدي إلى مناطق سكنية أو أزقة بحوانيت تجارية أيضا
بنيت تلك الحوانيت من الطين فيما مضى وبواجهات حجرية أحيانا وأحيانا أخرى بدون واجهات حجرية بل يكتفى باللبن المجفف وهو المادة التي توفرها الطبيعة في معان وحيث تتراتب على جانبي الشارع الممتد تلك الحوانيت العتيقة بأحجارها الجميلة حيث بوابات الحوانيت تعلوها الأقواس الحجرية تارة وتارة أخرى تخلو منها.
هذا السوق قديم جدا ولا نستطيع تحديد تاريخه وكما قرات في السالنامة في اواخر القرن التاسع عشر عن وجود بلدية معان وفرن ومسلخ ودار بريد وبرق وتلغراف وغيره وأضيفت إلى السوق الكثير من البنايات في بدايات القرن العشرين الشارع ممتد مرصوف بالحجارة المصقولة يمتد من الجنوب إلى الشمال أطلق عليه عدة مسميات منها السوق القديم أو سوق معان أو سوق البدو أو سوق عقيل نسبة إلى قبائل عقيل القادمة من نجد التي كانت ترتاد هذا السوق وتقيم فيه أسابيع تمهيدا لمتابعة مسيرها نحو بلاد الشام لتبيع أصوافها وألبانها ومواشيها. 
البدو هم المرتادون الرئيسيون لهذا السوق منذ القديم وحتى يومنا هذا , كانت المجموعات البدوية ترتاد هذا السوق وتجري المعاملات التجارية من بيع وشراء وتبادل سلعي بسيط ومقايضات وشتى صنوف النشاطات الاقتصادية الأولية البدائية البدو يجلبون الصوف والشعر والألبان والماشية والإبل لبيعها ويبتاعون البن والتبغ والسلاح والأقمشة والتمور ومستلزماتهم المعيشية لهم ولدوابهم وإبلهم من شعير وأعلاف وغيرها .
يستجم هؤلاء الأعراب في تلك الواحة فيريحون إبلهم في مناخاتها لأسابيع فيحبسونها أحيان كثيرة في زرائب كبيرة كانت معدة لهذا الغرض يعدها التجار الكبار في معان لزبائنهم البدو الدائمين .
لكل مجموعة من البدو عميل أي تاجر يتعاملون معه وقد يعقد بعض البدو الأثرياء صفقات تجارية كالمضاربة بينهم وبين تجار معان فمثلا كان الشيخ محمد الدحيلان أبو تايه احد شيوخ قبيلة الحويطات يعقد مثل هذه الصفقات بينه وبين تجار معان الذين يتاجرون ويتنقلون بين فلسطين والشام ومصر فقد كانت مشاركة بينه وبين محمد ذيب معتوق الفناطسه وأيضا بينه وبين سالم صلاح وقد وجدت ذلك في السجلات القديمة اواخر القرن التاسع عشر.
كما  كان أهالي معان يضعون بضائعهم في منازلهم الكبيرة ويخزنونها وأحيانا يسمونها خزين ... ثم بانتشار الحوانيت استقل كل تاجر بحانوت أو أكثر وكانت النساء ايضا تمارس التجارة من خلال دكاكين صغيرة في منازلهن كما كان يوجد ما يسمى بالبائع المتجول الذي يحمل الشنطة الكبيرة ويدور بين الاحياء ليبيع  النساء كما وجدت البائعات في مرحلة متقدمة ولحد السبعينات وكانوا يطلقون عليها البياعة وكان عدد كبير من نساء الشام يمارسن التجارة في معان  حيث ان الكثير من المعانيين كانوا يتزوجون من بلاد الشام  وقد اشتهرت بعض العائلات بالتجارة منذ أواخر القرن التاسع عشر منها أسرة آل شموط وهي أسرة شامية الأصل عريقة في التجارة كانت تحترف التجارة و آل أبو صالح أو عشيرة الصوالحة وهم تجار قدماء ومنهم آل ابو طويلة وهم من اغنى تجار معان  وهؤلاء كانوا في عمارة الارناؤوط وهي عمارة حجرية بناها الأرمن أثناء نزوحهم إلى جنوب الأردن عام 1915 ومن اشهر التجار الذين كانوا في هذا السوق قديما من أهالي معان  الصلاحات أو آل صلاح وهؤلاء كانوا قديما من كبار التجار وامتلكوا غالبية الدكاكين في سوق معان إذ كانت مساكنهم ملتصقة في السوق من الجهتين الغربية والشرقية  وبعض دكاكينهم كانت تفتح على بساتين خاصة لهم ومن أشهر رجالات الصلاحات اجتماعيا الحاج داود صلاح ويوسف صلاح والعبد صلاح  الذي كان رجلا ثريا يركب الخيل الأصيلة  وسالم صلاح والذي شاهدت اطلال منزله الكبير الذي ينم عن نعمة وثراء  ومن التجارعائلة التلهوني وهم من كبار التجار آنذاك فخليل التلهوني كانت يتعهد بتنظيم الصفقات التجارية أيام الدولة العثمانية ويؤمن القطارات بكثير من احتياجاتها كما كانت منازل التلاهنة ملاصقة للسوق من الجهة الغربية أيضا قاسم كريشان  وابو ظهير وعبدالنبي كريشان وآل الشاويش وهم من تجار الشوبك وآل ابو جري وبعض تجار العقايلة  وبعض الشوام أبو عربي جميل أبو صياح الشامي والأصفر ,, وأفراد من آل ماضي ياسين وآل الكباريتي من العقبة ومنهم علاوي الكباريتي وهؤلاء كانوا يجلبون الأسماك من العقبة ليبيعوها في معان او يقومون بتقديمها مطبوخة او مقلية في سوق معان  ومن الحجازيين صاحب المقهى درويش المكاوي واحمد منديلي لكن تجارة المواشي كان لها سوق خاص بقرب سوق معان وهو سوق الحلال إذ يجتمع فيه تجار الحلال ويعرضوا مواشيهم للبيع ثم يأتي الفلاحين من حول معان والبدو أيضا لبيع مواشيهم في هذا السوق إلى حد الثمانينيات.
كانت المقاهي تنتشر في نواحي هذا السوق فالمقاهي الشعبية كمقهى واستراحة درويش مكاوي ومقهى عيسى سمندر وتلك المقاهي  كانت توفر الاراجيل والقهوة والمشروبات التي يتعاطاها كبار القوم في معان والمسافرون النازلون للاستراحة في معان ودرويش مكاوي وهو حجازي الأصل قدم مع جند الشريف في العشرينيات وكان صاحب فكاهة ومقهاه بمثابة الخان والمطعم والحلويات وخلفه بئر ماء عام  ومقهى عيسى سمندر في الجهة الشرقية للمسجد الهاشمي يمر إلى جانبه طريق ترابي وهذه المقهى كانت الاراجيل والقهوة والمشروبات التي يتعاطاها مرتادوا المقهى في معان والمسافرون أيضا...فهذا المقهى يدنو من القلعة ويقرب من مسجد علي العقايلة الذي أسس عام 1863م وهو مسجد من الطين بمأذنة طينية مرتفعة دمر في الطوفان عام 1966م ... أيضا تنتشر القهاوي التي أنشأها الناس هناك للتعاليل والسمر وإكرام الضيف ومنها قهوة محمود بن مصطفى كريشان وقهوة أبو مرعي دويرج وقهوة هويمل الخطيب وقهوة التلهوني وديوان عودة أبو تايه وديوان ومنزل محمد بن الدحيلان وديوان محمد أبو ظهير فهذه القهاوي تلاصق السوق أما باقي المضافات فتقع في قلب المدينة القديمة مثل ديوان الخوالدة بباب القناطر وقهوة ابن حامد الخطيب ديوان أبو عودة البيك بجانب القلعة وقهوة وديوان محمود حسن الحاج حسين الفناطسة وقهوة حامد باشا  الشراري وقهوة ابو برجس قريص العقايلة وديوان ابن عرار العقايلة في المنطار .
أيضا وكم سمعنا ونحن صغار اصوات الدلالين (مفردها دلال) وهو يعرض البضائع بالمزاد العلني او يبيض وجوه الشيوخ ... بيض الله وجه فلان ومن قال..... والدلال شخص مهم في السوق حيث يكون له دور اعلامي في اعلان نتائج الصلح بين العشائر وحل الخلافات او عرض البيوع المختلفة المتنازع عليها وهناك الموظف الذي ياخذ الضريبة والتي تسمى الباج حيث يتجول على معروضات التجار والفلاحين وخصوصا الماشية ويأخذ الضريبة .
يلتصق مقام الشيخ عبدالله بالسوق مباشرة من الجهة الشرقية وهذا القبر من قبور الأولياء الصالحين الذين يتبرك بهم ويتقرب أليهم السكان قديما في معان وهي ثلاثة قبور في معان هذا منها والثاني هو في قلب الواحة وهو قبر الشيخ محمد و الآخر هي صخرة أم جديع في الشامية وهذه الأماكن كانت تقام بالقرب منهم الطقوس التعبدية أثناء حفلات الختان وغيرها كإيقاد الشموع وتعليق قطع القماش الأخضر وتلطيخ الجدران بالحناء وإيقاد البخور ومقام الشيخ عبدالله بناء طيني مربع في داخله قنطرة كبيرة وبضعة قبور وفيه قبر لأحد أمراء الحج التركي المدفون في أواسط القرن التاسع عشر وحوله مجموعة من القبور التي كان السكان يدفنون للتبرك به وقد شهدت في صغري أحدى هذه الاحتفالات في هذا المقام في السبعينيات من القرن الماضي حيث كانت  زيارة الأضرحة تعتبر طقسا مهما ورئيسا في جلب البركة وحماية الأطفال وطلبا للتوفيق حيث يتم توزيع الحلوى وينتشر البخور وتوقد الشموع لتكسب المكان هيبة وجلالا كما كانت النساء يزورن ثياب العروس قبل العرس بيوم او يومين الى مقام الشيخ عبدالله او الشيخ محمد من اجل جلب البركة حيث كانت الثياب توضع في صندوق مزركش يجلب من الشام، وكان يقيم فيه بعض الدراويش من الباكستان يقومون على خدمته.
وقد قرأت نصا في إحدى المراجع يؤكد أن الشيخ عبدالله المذكور( هو الشيخ عبدالستار أفندي بن الشيخ إبراهيم الاتاسي عالم من أهل طرابلس الشام . قال الشيخ عبدالرزاق البيطار : توفي رحمه الله في معان بعد أداء الحج الشريف ودفن هناك وقبره على يسار الداخل إلى معان من جهة الحجاز وقد صين قبره بأربعة جدر من اللبن وما شاع عند أهل معان من أن صاحب هذا القبر اسمه الشيخ عبدالله فهو مما جرت به العادة بين الناس غالبا من أن كل من مات غريبا في محل وكان ذا قدر ولم يعرفوه فإنهم يسمونه بالشيخ عبدالله والتحقيق أن هذا المقام مقام مترجم الرقوم كما هو محقق عند أهالي حمص وكانت وفاته سنة خمس وأربعين بعد المائتين والألف رحمه الله تعالى )
وللعلم فإن قبور الأولياء في معان إثنان الاول هو مقام وضريح الشيخ عبدالله الذي ذكرنا آنفا وقد أزيل تماما والثاني وهو قبر الشيخ محمد وكان موضعه في قلب الواحة وسط البساتين وكان يحاط بجدار مربع طيني وقد ازيل تماما وكانت النساء قديما تزور الشيخ محمد وتتبرك به وتشاع حوله الاساطير والخرافات ومن عادات نساء معان قديما انه اذا حزبها امر او ظلمها زوجها ذهبت الى مقام قبر الشيخ محمد وقامت بكنسه وتنظيفه ثم شكت زوجها الى صاحب القبر وقد كنت أرى في صغري قطع القماش الاخضر والحناء تغطي جدران هذا القبر.
والموضع الآخر الثالث الذي يعتقد فيه الناس اعتقاداتهم هو أم جديع وهي صخرة على حافة وادي الشامية من الجهة الجنوبية الشرقية وتدور حول هذه الصخرة اساطير كثيرة منها ان امراة صالحة تدعى ام جديع دخلت في هذه الصخرة ولم تخرج ويفعل الناس عند ام جديع ما يفعلونه عند قبر الشيخ عبدالله والشيخ محمد.
 
كما تتداخل زاوية الشيخ الدباغ المدني الصوفي في الجهة الغربية من السوق و كما يقارب السوق المحكمة الشرعية القديمة بل تعد جميع المرافق الحكومية القديمة ملاصقة للسوق من بعض جهاته , وبناء بلدية معان القديمة الذي أسس سنة 1921م وهو موجود في أحد أزقة هذا السوق القديم وهو ماثل وبحالة لا بأس بها إلى الآن وهو بناء جميل من الداخل يقاربه زقاق آل صلاح وهذا الشارع يسمى شارع البلدية قديما وبلدية معان تأسست تقريبا عام 1898 م والمعاملات الحكومية كانت تدار في القشلة التركية وهو مجمع الدوائر وتجمع العسكر وايضا قلعة سليمان او السرايا والبعض كان يعد القشلة قلعة ثالثة اذ القلاع في معان كما ذكرنا هي (قلعة سليمان او السرايا ، قلعة الشامية ، القلعة التركية (القشلة)) لكن القشلة بناء من الطين بخلاف تلك القلاع الاخرى والقشلة ينفذ اليها زقاق مسقوف طويل ممتد من السوق القديم 
 
بعض الحرفيين الصغار كانوا يتوزعون في أزقة هذا السوق والذين يقدمون الخدمة للناس والبدو خاصة في الجهة الجنوبية من السوق ومنهم أبو دلول السمكري وأبو كامل اللبناني مبيض النحاس وقد هاجر في اواسط القرن التاسع عشر كثير من النحاسين والحرفيين الى معان من مدينة الخليل كما كان هناك بعض التجار الاكراد والشوام  وبالقرب من مقهى درويش مكاوي يقع بئر السبيل الذي يرتوي منه المارة والمسافرون كما يقع بئر آخر خلف ذلك المقهى وهو بئر عام أيضا.
تنبيء الحوانيت المهجورة بالتقلبات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تطيح بأولاء التجار في ذلك الزمن الغابر وتنبئ أيضا بسيرهم وحوادثهم فالسوق هو بمثابة التجمع العام لعناصر المجتمع ... التجار والحمالون والقصابون والحرفيون وكبار السن المعطلون عن العمل و أهل البادية بإبلهم ومواشيهم ومنتوجاتهم وأحيانا الحجاج الموسميون من مغاربة ومصريين وشوام وأتراك وارناؤوط وافارقة وغيرهم وأيضا يأتي الفلاحون من وادي موسى وقراها والنقب على بغالهم وحميرهم يحملون الفواكه وباقي منتوجاتهم البسيطة لتباع في ذلك السوق .
أيضا السوق يحوي في جعبته ذاكرة أليمة للمنازعات والثارات وتصفية الحسابات التي تتم عندما يلتقي البدو بالحضر والفلاحين والمهاجرين إذ السوق هو الملتقى لتصفية تلك المنازعات والثارات وكم من حالات عديدة تم فيها الأخذ بالثأر في هذا السوق وقد يستولي بعض السراق والشطار خلسة على المواشي والإبل الرابضة بالقرب من ساحات السوق وفي غفلة من أصحابها ،كما كان السوق ولحد الخمسينات موقعا هاما للمارسة النشاط السياسي يحدثني احدهم ويقول : كنا طلابا خرجنا من المدارس للتنديد بحلف بغداد واغلق جميع التجار محلاتهم باستثناء احد التجار فتدافعنا نحو دكانه واغلقناه عنوة واثناء مرورا بمنزل المرحوم الشيخ ابراهيم الرواد  خرج من المنزل يلبس جوربين بدون حذاء واصبح يهتف معنا ضد الانجليز حتى انتهت المظاهرة الطلابية عند المعكسر .
وقد كانت معان القديمة كانت عبارة عن بلدتين متقابلتين البلدة الجنوبية وهي الأكبر والرئيس والمهم وهو معان الحجازية .. والبلدة الشمالية وهي الأصغر وهو معان الشامية...اضافة الى وجود ما يسمى بمعان المصرية وهي غرب معان .
ويفصل بين المعانين سهل واسع يدعى المنزلة والمنزلة هو مكان نزول الحجيج واستراحتهم وهو ميدان واسع فسيح كان الأهالي قديما يمارسون فيه رياضاتهم وهواياتهم المختلفة من الضرب بالنار على النيشان او المسابقة بالخيل .... والمنزلة موقع خال من البيوت السكنية واول منزل بني فيه في الثلاثينيات تقريبا هو منزل الشيخ فارس كريشان ثم مبنى الاستخبارات البريطاني الذي تم انشاؤه أثناء فترة الانتداب البريطاني وقد استخدمه الملك عبدالله المؤسس كمقر إقامة له في الاربعينيات وما قبلها وهو بناء حجري ممتد لا زال قائما الى الآن وهو يختلف عن قصر الملك عبدالله المؤسس والكائن في جنوب شرق معان وفي منطقة المحطة ومن الجدير بالذكر ان البيارة وهي مزارع خصبة غناء امتدت من غرب معان من حي الجريات ولحد موقع المسجد الكبير الذي بني في اواخر الاربعينيات .
معان الشامية اسست قبل اربعة قرون تقريبا ويذكر ان اول من استصلح قلعتها هو عبدالله باشا النمر ويوسف النمر من الفرسان السوريين الذين استقروا في جبل نابلس ايضا ويعتقد بان بلدوين الصليبي جعل معان نقطة استطلاع في جنوب الاردن واستصلح فيها قلعة وقد تكون هي قلعة الشامية ... وهذا لا يعني باي حال من الأحوال انها لم تسكن قبل ذلك فالدلائل التاريخية تؤكد انها كانت مأهولة نظرا لخصوبة تربتها وجودة ثمارها وروعة مناخها, فالشامية هواؤها عليل وتربتها خصبة وماؤها غزير وثمارها أطيب من ثمار معان الحجازية فهي تشتهر بزراعة الرمان والقراصية اللذيذة والتين والعنب والمشمش واللوز والزيتون ومختلف الخضروات , وأهلها متحضرون لينو الطباع دمثو الحديث طيبو المعشر ونساؤها يمتزن بالرقي فسكان الشامية كما وصفهم بعض الرحالة سوريو الملامح في خصائصهم العرقية وسلوكياتهم ومعمارهم ..فالنمط المعماري لها فهو يماثل البيوت الدمشقية القديمة من حيث التصميم والعناية بزراعة الورود والأزهار الجميلة.
كان أهل الشامية في القرون الماضية ولحد العشرينيات من القرن العشرين يقطنون في قلعة الشامية وهي بناء حجري ضخم به عشرات المنازل تسكنها جميع الأسر في معان الشامية يلاصقها حارات صغيرة ملتفة حول القلعة تسمى الحارة الفوقا وتسمى جميعا القلعة وهي تربض على تلة مرتفعة وحولها ابراج ومتاريس قد شاهدت بقاياها في يوم من الايام وبالقرب منها كانت توجد جرون حجرية لطحن الحبوب وتون لشوي الحجر الجيري الذي يصنعون منه مادة الشيد  ... اما مع بدايات القرن العشرين فاتسعت ونمت حركة البناء التوسعية لتمتد الى الجهة الجنوبية تجاه معان الحجازية ثم اشتبكت معها فيما بعد .....
النمط المعماري في الشامية اعتمد أيضا على نظام القناطر في غير القلعة ثم تطور إلى البناء الطيني العادي بدون قناطر في بدايات القرن العشرين ونظام الطابقين كان موجودا في غالبية منازل الشامية وهي العلالي كما ذكرنا فيما مضى ....
بساتين الشامية أجمل ومناخها معتدل يريح الإنسان وماؤها عذب وغزير وغديرها يضفي جماليات الواحة الصحراوية الجميلة.... وتختلف طباع أهالي الشامية عن طباع أهالي معان الحجازية في علاقاتهم الاجتماعية .. فمنازعاتهم اقل وتكافلهم الاجتماعي أقوى وامتن وهذا يعود الى طبيعة تشكيلتهم الاجتماعية المختلفة نوعا ما عن غيرهم ...كما ان لهجة اهل الشامية تختلف نوعا ما عن لهجة أهالي الحجازية وقد كان شباب معان عامة يقصدون غدير الشامية للسباحة وهو حوض مائي واسع وعميق تحفه اشجار القصب .
كان اهالي معان قديما يسمون الشامية المغارة فتقول النساء (بدنا نفيض على المغارة) أي نريد الذهاب الى الشامية وسبب التسمية يعود الى وجود مغارات عديدة باطراف الشامية منها مغارة نمر .
اقدم العشائر التي سكنت الشامية قبل قرون هي عشيرة الخورة ومفردها خوري ,, ويعتقد بأنها من بقايا المسيحيين الذين قدموا من جبل عجلون ,, ... ولعشيرة الخورة عين ماء غزيرة تدعي عين الخورة أو الشروي وكان نصيب هذه العشيرة من الري بمياه الينابيع والبرك في الشامية يستمر لمدة خمسة أيام بلياليهن ريا متواصلا من الماء المتجمع والمتدفق من الينابيع ولعشيرة الخورة أيضا بركة قديمة هي بركة الخورة إلى الأعلى من غدير الشامية وكانوا يمتلكون بساتين كثيرة في ماضي الازمان، يقول لي احد المسنين قدم جدي من الشام حيث احضر الكثير من الحاجيات الجميلة واشترى طربوشا احمر لوالدي حيث سيتم ختانه والطفل المختون يلبس عادة ثوبا ازرق ناعما ويشترى له دمية ، فوضع جدي هذا الطربوش على راس والدي- الطفل الصغير حينها - وكانوا يومها يجلسون في احد البساتين الغناء فركض احد الاطفال ورمى الطربوش على شجرة الرمان فبكى والدي بكاءا شديدا فجاء جدي واحضر الطربوش وقال له شجرة الرمان هذه لك ولذريتك ويتحدث هذا المسن ويقول كم قطفنا واكلنا من تلك الشجرة ومن رمانها اللذيذ ، يقول: كنا ننقل قطافنا من الرمان والزيتون على الحمير ونعلق الرمان في سقف المنزل حتى اذا قدم الشتاء تناولناه بنهم واحيانا نقدمه للمريض والبعض يشتهي الرمان ويسأل من يوجد عنده رمان فيهدونه بعضا منه، ويقول كنا نزرع كل شيء وبستاننا خصب وكبير حتى اننا كنا نبيع حليب الماشية على الانجليز حيث نتجمع في الصباح الباكر وتأتي سيارة الانجليز ويشترون منا الحليب ، ويقول : الزمن تغير ، قديما الناس تحترم بعضها البعض يتمسكون بالعادات والتقاليد في كل شيء حتى في المشاجرات ... نتشاجر في النهار وينتهي كل شيء في المساء ونعود اخوة متحابين ، في الشجار يضرب الرجل وسلاحه الى جانبه ولا يمكن ان يستخدمه يقولون السلاح لا يرفع الا على وجه العدو فقط ، اذا وقع الرجل اثناء المشاجرة يحرم الوصول اليه ويعتبر هذا عيبا والجميع يقعدون للحق العشائري ويقبلون بحكم القاضي، ويضيف : كنا نستمتع بالعزف على الشبابة اوقات العصر حيث البال خال من الهموم ، ويستمر في الحديث : كان لنا جار قديم صانع للحبال يقوم هو وزوجته بجمع ليف النخيل ثم يفتلونه على مدار ايام ليصنعوا الحبال ويبيعونها وهناك حرفيات لم تعد موجودة الآن مثل( صانع التون 0الشيد) الناطور، البندقجي ، الساعاتي ، المبيض، الحداد ، السمكري، المطهر،الحكيم وهو رجل مسيحي من القدس ، الحطاب ، الراعي، الدلال، وكان الرجل منا ايضا يعالج كل شيء يعني يفهم في كل شيء تقريبا .
ونخوة اهل الشامية عيال محمود كما ان نخوة الحجازية هي عيال احمد والجميع ينتخون بنخوة أهل الجردا ... وحصلت بعض الحروب في  القرن التاسع عشر بين الشامية والحجازية وحصلت حرايب ومنازعات كثيرة طيلة القرن التاسع عشر بين البلدتين كما أن الحجازية كانت مع حلف الكرك قديما والحجازية على نقيضها إذ أنها كانت مع حلف الحويطات...
ومن اشهر عشائر الشامية آل الحصان وعشيرة المحاميد والخورة والقرامصة .....
تنتشر الساحات بين بيوت الشامية القديمة فهناك ساحة المولد التي كانت تقام بها الاحتفالات والأفراح وغيرها أيضا هناك ساحات اصغر قليلا .. والشامية بها سوق لا بأس به موقعه في ساحة المولد كما يوجد مطاحن قديمة للقمح في الشامية تدعى الواحدة منها بابور .. منها بابور عساف وبابور ابن جازي ... 
يقارب الشامية تلة مرتفعة تدعى الشعار وهي معسكر تركي قديم كما يحدها من جهة الشرق منطقة الحمام وهي منطقة رومانية قديمة بها اطلال وبركة كما يقاربه ايضا قصر اموي يدعى قصر البنت تم هدمه قبل سنوات من قبل بعض العابثين..... 
مدينتي معان ها وقد مر بي شريط الذكريات لكن غابت عني الكثير من تفاصيل الحياة الجميلة التي قضت بذهاب اهلها وقد تغير كل شيء ولم يعد الناس ايامنا هذه يحفلون بالقديم بل لا يعرفون عنه شيئا اجلس وحيدا على اطلال القناطر ومتاريس الحرب العالمية الاولى وحجارة القلاع المتهدمة واعجاز نخل معان الذي شهد  حوادث الدهر، تغيرت الحياة باسلوب عيشها وتفاصيلها المعقدة وقيمها  وغاب القديم الجميل تغير كل شيء فهذا هو زمن البزنس والغاء الهويات .
 
 
Salehss72@yahoo.com
 
 
 

 

 

 

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
09-01-2011 10:50 PM

مقال عميق ومفيد زادنا حبا بمعان . شكرا

2) تعليق بواسطة :
09-01-2011 10:55 PM

لابد وأن يكون هناك برنامج للتعاون والوحدة للخروج من الأزمة الراهنة، ولابد أن تتمحور هذه الوحدة حول كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة ولا يحتاج إلى كثير من الاستدلالات فأصل كلمة الإسلام معناها الاستسلام لله بالتوحيد، فلا حظ لنا في الإسلام إذا توحدنا على غير القرآن والسنة، قال الله تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" فلم يأمر بمجرد الاعتصام وإنما أمر الاعتصام بحبل الله وهو القرآن والسنة، فقد ورد في مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً هكذا أمامه فقال: هذا سبيل الله عز وجل وخطين عن يمينه وخطين عن شماله قال: هذا سبيل الشيطان، ثم وضع يده في الخط الأسود ثم تلاه الآية: " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" [الأنعام: 153].

3) تعليق بواسطة :
09-01-2011 11:16 PM

الله يعطيك العافيه على هذا السرد التاريخي الجميل ونتمنى على الجميع وخصوصا جامعة الحسين بن طلال العمل على عمل الدراسات والابحاث للتسلسل التاريخي لمدينه معان التي نعتز ونفتخر بانتماؤنا لها

4) تعليق بواسطة :
10-01-2011 12:27 AM

أخي العزيز صالح أبو البراء
بارك الله فيك على هذا الجهد الكبير الذي لم يأت من فراغ, بل جاء نتيجة جهودك الكبيرة المتواصلة دون كلل أو ملل برغم الظروف القاسية والحياة الصعبة التي تمر بها لكنك لم تبخل على معان يوما بجهدك ومالك من أجل كل خير.
لا شك أن هذا البحث التاريخي عن مدينة معان يعد من أروع ما كتبت, وأقدر عاليا هذا الجهد الكبير في سردك الرائع لتاريخ هذه المدينة المنسية وتاريخ أهلها العريق.. ومن هنا فأني أهيب باللجنة العليا لمدينة معان مدينة الثقافة الأردنية 2011 أن تولي بحثك العناية التي تليق وتستحق, وتتكفل بطباعته ونشره. فمثلك يا صالح بفكره وثقافته وإخلاصه لمدينته يستحق من أهلها كل تكريم,
ودمت دائما بخير ودام قلمك الحر. وشكرا لك

5) تعليق بواسطة :
10-01-2011 07:00 AM

ليت كوادر حكومة الصلعان الجدد يقرؤون ماكتبت فيخجلوا من أنفســـهم ويرحلوا عن أرض لايعرفون نطق اسمها ولم يكونوا يوما مروا بها أو عليها ولو على الخارطة (الخريطة) فهم يجهلونها تاريخا وجغرافيا

6) تعليق بواسطة :
10-01-2011 07:01 AM

مقال جميل وقد احتفظت به في اوراقي العلمية

7) تعليق بواسطة :
10-01-2011 09:22 AM

سنين أربع كنت فيها في بوابة الفتح الاسلامي على العالم , درست في جامعة أغلى الرجال راحلنا العظيم الحسين بن طلال , ما وجدنا غير الرجولة و الشهامة و الطيب من أهلها , رجالاً حقاً عند الشدائد و مؤلاً عند المحن , ما {ايت فيهم من الابتذال شيء و لا البغضاء المقيتة ...

معان ,,, لك في قلبي كل المحبة و الاحترام , نعم شهادتي فيك مجروحة و لكنها كلمة الحق أرادت الخروج ...

8) تعليق بواسطة :
10-01-2011 09:30 AM

اضافة لما قيل فقد كانت معان في السابق ملجأ للباحثين عن الامان من ثأر جائر او عسكرية تركية, والدليل على ذلك اسوار البيوت العالية و الابواب الصغيرة

9) تعليق بواسطة :
11-01-2011 06:15 AM

ستبقى معان مدينة الاحرار منذ ثورة العرب بقيادة الشريف الهاشمي
وستبقى طاهرة كطهر رمالها ونسائها ولن تكون معان الا مع الله والوطن والملك

10) تعليق بواسطة :
11-01-2011 08:00 AM

مقال طويل جدا جدا المفروض أن يكتب في صحيفة ورقية أو يوضع في ملف أكروبات و يكتفي الكاتب بالخلاصة...

11) تعليق بواسطة :
11-01-2011 01:22 PM

To Naser,Sir,,Although I agree with you but the article was like a documentary film , so smooth that I did not realize the length of it,I have a soft spot for Ma'an as my grandfather lived there for a while almost one hundred years ago

12) تعليق بواسطة :
11-01-2011 07:30 PM

اخ صالح كنت أمل ان تكون اكثر انصافا وعدلا اين ذكر ديوان ابن سعيد واين حوش ابن سعيد الذي كان يأمه ابناء البادية اتمنى عليك ان تكون اكثر عدلا وانصافا يا اخ صالح

13) تعليق بواسطة :
12-01-2011 12:27 PM

الله يعطيك الف عافية نبذة وافية من شخص وافي محب لمعان ولكل الاردن
الله يجزيك الخير .

14) تعليق بواسطة :
12-01-2011 03:43 PM

تحيه للاخ صالح على هذه المعلومات وهذا السرد التاريخي الذي يجب ان يوثق ويستفيد منه كل الاردنيين
الف تحيه ل معان الرجوله والشرف والاباء ولاهلها الاحرار الرجال الرجال

15) تعليق بواسطة :
12-01-2011 11:14 PM

أن القناعه الموجودة لدى الكثيرين بوجود (خصوصيه) لمعان .والخصوصيه هنا بمعنى (التعامل مع الشخص غير السوي بالطبطبه ) . أدت الى تكاثر اصحاب السوابق .الذين ظهروا بالمظهر الذي صدم الأردنيين وفجعهم . اننا نتعجب من حرق مؤسسات الدوله من قبل الملثمين ومن مقدار تخريبهم وانعدام انتمائهم .

16) تعليق بواسطة :
14-01-2011 01:03 AM

نرجو من شباب معان استلهام الماضي ومحاوله المحافظه على سمعه المدينه بعد ان اصبح اسم معان مرافقاً للعنف والمشاكل والمشاجرات والخروج عن القانون , ويجب على الدوله تخليص السكان من الخارجين عن القانون والمتعاطين بعد أن اصبحت البلد تمتليء بهم .

17) تعليق بواسطة :
14-01-2011 08:31 PM

الاخ صالح ابوطويلة نشكرك على هذا الجهد الطيب لماذا لم تذكر من الذي بنا المسجد لتذكير فقط الذي بنا المسجد هو الحاج علي العقايله ولقب بالشايب لانه لم يرزق بالذكور الا بعد كبر سنه

18) تعليق بواسطة :
14-03-2011 01:34 PM

الف شكر لك يا ابو البراةء

19) تعليق بواسطة :
28-05-2011 01:31 PM

مشكوووووووووووووور

20) تعليق بواسطة :
19-07-2011 06:00 PM

احسنت يا استاذ صالح ابوطويله و لك كل الشكر على هذا الجهد العظيم في اعطاء صورة رائعة عن تاريخ معان واتمنى على المعنيين في التوثيق و الدراسات المتعلقة بالاردن الاهتمام بك و بجهودك

21) تعليق بواسطة :
29-03-2013 05:30 PM

انا اشكرك على هذه الكلم ممكن اتواصل معك لئن اريدمعلومات عن جدي

22) تعليق بواسطة :
03-12-2013 11:28 AM

اتمنى من الاخ صالح ابو طويله ان ينشر صورا لرجالات معان كامثال الشيخ فهمى والحاج كليب والشيخ وحيد وغيرهم رحمهم الله جميعا

23) تعليق بواسطة :
04-11-2016 08:04 PM

رغم هذا كله الا أن محافظة معان بشكل عام ومدينة معان تحيدا بشكل خاص هي مظلومه من كل الحكومات المتعاقبه وكل مشاكلها هي منها أي أن كل مشاكل مدينة معان هو مخطط لها من الحكومات مسبقا !!!!!!!!!!!!! لماذا لست أدري حقا !!!!!!!!!!!!!!!! مع أنها هي العاصمة الأولى للأردن

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012