11-01-2011 08:42 AM
كل الاردن -
سعد الفاعور
عذراً يا سودان. عذراً منك يا وطناً يقطع ويباع على مرأى منا. وعذراً من أهلنا الذين تكالب عليهم الأعداء. عذراً منكم، وعذراً من أبنائنا والأحفاد. عذراً منك أيها التاريخ، فما عدنا نملك إلا أن نضع رؤوسنا في التراب.
عذراً يا بلد "اللاءات الثلاثة"، عذراً يا توأم مصر، ويا منبع النيل وأصل الحياة، عذراً يا بلد الصمغ، عذراً يا بلد "الطيب صالح" و"الهادي آدم"، ويا بلد ألف شاعر وروائي وأديب. عذراً يا "سلة غذاء" الوطن العربي، فالأعداء اخترقوك ومزقوا حوافك وأوصالك، فما عدت شأناً عربياً، بل شأناً أمريكياً أو قل بريطانياً أو حتى صينياً، لا ضير، لكنك بالتأكيد ما عدت شأناً عربياً، تماماً كما سائر كل قضايانا الكبرى والثنائية والمعلقة والمستقبلية.
يا وطناً عربياً يرقصون طرباً وابتهاجاً بتقطيع أوصالك، مرة أخرى معذرة. نعتذر منك ومن الشجر ومن الحجر ومن البشر، نعتذر منك ومن الهواء ومن الماء ومن التراب. عذراً يا سودان، لكن يساورني حلم أن فجراً جديداً قادم، وأن التاريخ سينحاز إلى جانبنا، وأننا سنرى يوماً تعود فيه أمتنا سيدة عصرها، وحاكمة زمانها، وآمرة ناهية في كل شؤونها.
يساورني حلم أننا سنسود الدنيا من جديد، وأن السحابة أينما أمطرت فإن خراجها سيأتي إلى دار خلافتنا، وأن الشمس من أي ركن أشرقت، ستشرق فوق حدودنا، وأن أمة عربية عظيمة ستلد نفسها من جديد، وأن المخاض هذه المرة لن يكون سهلا، كما كل الولادات العظيمة، لا تأتي إلا من رحم الشقاء.
يساورني حلم أن جيلا عربياً جديداً سينجب قادة ومفكرين ووحدويين وسياسيين ومصنعين وعلماء واقتصاديين وأكاديميين وعباقرة في الرياضيات وفي الفضاء وفي علم البحار وفي علم المعادن والثروات الطبيعية.
يساورني حلم أن وقتاً قريباً سيأتي، لن نحتاج فيه إلى مستشارين وخبراء أجانب. وأننا سنمتلك مقدراتنا، وسنستخرج ثرواتنا من باطن الأرض بأيدينا، وبأننا سنصنع الدواء والسلاح في أقطارنا، وبأننا سنأكل مما نزرع، ونلبس مما ننسج.
يساورني حلم أن عملة عربية ستقف يوماً بوجه الدولار واليورو والين والاسترليني، وتحدد سعر صرف العملات الدولية، وترسم أحجام وحركات التداول في البورصات العالمية، وتقرر متى وكيف ولماذا يتم خفض سعر الفائدة أو رفعها في البنوك الأجنبية.
يساورني حلم أن زعيماً عربياً، سيكون الزعيم الأقوى والأوحد عالمياً، وأن كل الرؤساء سيخطبون وده، وأنه سينبش يوماً كتب التاريخ، ويحاسب الأمريكيين عن جرائم الإبادة التي ارتكبوها ضد الهنود الحمر والفيتناميين والكوريين والإندونيسيين والأفغانيين والصوماليين والعراقيين.
يساورني حلم أن وزيرة خارجية عربية سترغم الحكومة الإنجليزية في لندن على القبول بانتخابات تقرر حق الايرلنديين والاسكتلنديين بالانفصال وتقرير المصير. وبأن نظاماً عربياً جديداً وقوياً سيدعم حق المسلمين المقهورين في الصين وأشقائهم في كشمير، وغيرهم من المهمشين في الهند وسريلانكا ونيبال وتايلاند والفلبين، في تقرير المصير.
يساورني حلم، أن عصراً عربياً جديداً قادم لا محالة، يسير فيه العربي بين تونس ودمشق بلا هوية، وبلا تأشيرة. عصر يتناول فيه العربي إفطاره في بيروت، ويتناول غداءه في القاهرة، ويمضي ليله في المدينة المنورة أو في رحاب مكة المكرمة.
يساورني حلم أن عصر الطوائف والملل والعنف الديني سيندثر، وبأن هيئة أممية دولية جديدة سيتم تشكيلها في ظل النظام العربي الجديد، وأن مجلس أمن دولي جديد سينشئه أيضاً القادة العرب، وأن المقاعد دائمة العضوية فيه لن يشغلها إلا مندوبين عرب، وأن حق الفيتو فيه لن يكون إلا للعرب، وأن قراراته ستسري على الإسرائيليين، وأن قادة الكيان الغاصب سيحاكمون بموجب عقوبات البند السابع.
يساورني حلم، بأننا كعرب، لن نظل خانعين مقهورين، وأن صلاح الدين، سيقوم من بين ظهرانينا من جديد، وأن وحدتنا قائمة لا محالة. وأننا سننتصر ونمسح كل دموع الحسرة، وأننا سنداوي كل جراح الغدر التي كالتها لنا حراب الأعداء، وأن فلسطين ستحرر، وأن العراق سيعود عظيماً موحداً، وكذلك لبنان ومن قبله السودان.
صحفي أردني مقيم في الخارج
syhd91@yahoo.com