13-01-2011 08:30 PM
كل الاردن -
كل الأردن- أصدرت السيدة توجان فيصل -التي تعاني من وضع صحي غير مستقر- بياناً أعربت فيه عن أسفها لأنها لم تتمكن من المشاركة في المسيرات، وقالت فيه أن الفساد هو وراء كل ما تعاني منه الشعوب العربية، وطالبت بتشكيل حكومة انتقالية تمهد لانتخاب مجلس نواب جديد ضمن قانون حقيقي.
وتالياً نص البيان:
تمنيت أن أكون إلى جانب إخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي, المتظاهرين في غضب شعبي محق, وعلى أمل أن أكون عونا لهم في إبقاء غضبهم ذاك سلميا وضمن " غضبة الحق " التي تضع الوطن ومصالحه فوق الذات وحاجاتها, حتى لوطالت حاجاتها للبقاء تغلّب بقاء الوطن آمنا مستقرا.. ولكنها في الكرامة تتوحد معه , لأن كرامة الأوطان من كرامة مواطنيها .. " يا يعيش كريم , يا أموت كريم وأفديه بروحي وعيني "..
تمنيت لو أمكنني الوقوف معكم , ولكن المرض أعاقني , وأملي إن تعافيت أن أجد الوطن قد تعافى بحيث لا يلزمنا أن ننطلق ثانية من الجامع الحسيني متظاهرين, بل أن نصلي فيه معا شاكرين نعمة الله على هذا البلد الأمين. ولكن المرض لن يعيقني عن أن أقدم خلاصة خبرتي لعقود في قلب السياسة الأردنية, عين عليها وعين على عمقنا العربي الذي يوحّده الهمّ بعد أن ضن بعض أهله في اقتسام مواسم الفرج والفرح, فطالهم الغرم تباعا دونما غنم لأي منهم .
الفساد يقف وراء كل ما تعاني منه الشعوب العربية. فهو وراء كل ما تقوم به الحكومات لتيسير مصالح أفرادها, ولقوننة مد يدها لثروات ولجيوب مواطنيها الكادحين لتمويل بذخ المسؤولين الكافر.. والفساد وراء كل ما تمتنع الحكومات عن القيام به من واجباتها الرعائية والخدمية تجاه الشعب ولإيفاء حقوق المواطينين المادية والمعنوية. بل إن الحكومات ظلت تصادر إرادة الشعوب لتستحوذ على ثروات وطنية هي ملك للشعوب .والفساد , أيضا, وراء التفريط في سيادة العالم العربي واستقلاله بعد أن وضع الفاسدون بطاقة سعر على كل قرار سياسي.
وفي الأردن يرتفع منسوب هذه المخاوف كون أعداءه باتوا يعلنون تفاصيل مخططات معادية تستهدف وجوده ذاته. ولهذا يصعب تبرير أي تفريط أو انحناء بزعم الحاجة لمعونات تسد عجز موازنة لم يعجزها سوى سوء إدارة أو نهب من قبل أعضاء نادي الحكم المغلق على شخوص وأقرباء وأنسباء وشركاء وواجهات أعضاء ذلك النادي . ونية التجويع للتركيع لا ينفيها المانحون والمقرضون, بل أصبحت معروضة ومبوبة ومنشورة في نظرية " القاتل الإقتصادي".. والشعب الأردني يعرف كل هذا, ويعرف أن بلده غني بالموارد التي تهدر في سبيل الفساد, بما يشبه " ذبح الجمل للحصول على أُذُنه". ويتحدث عن مليارات يملكها بضعة أنفار تتجاوز عجز الموازنة, بل وتتجاوز كامل مديوينة الأردن التي تضاعفت في العقد الأخير رغم بيع أغلب أصول وثروات البلد, وحتىى بيع خدماته بما يضع المواطن ويضع أي مشروع تنموي وطني, تحت رحمة المستثمر الأجنبي. والشعب يرى عوائد تلك الاستباحة للمال العام في ثروات خيالية لطابور من المسؤولين لا مصدر آخر لثرواتهم تلك, بخاصة حين يكون هؤلاء قد أتوا من خلفيات متواضعة وتاريخهم العملي ينحصر في الوظيفة العامة واستثماراتها. وهؤلاء لا يجهدون حتى في إخفاء ثرواتهم.. والعالم أيضا من حولنا يكتب ويصورويتداول عجائب ما هو معلن من تلك الثروات, دون المخفي الأعظم في بنوك سرية .
وعلى خلفية هذا كله يأتي قيام الحكومة بتخصيص عشرين مليون دينار ل "دعم" ثلاثة مواد تموينية لعام بأكمله, تلقيها على أكثر من خمسة ملايين أردني.. أربعة دنانير لكل أردني كي يَقرّ في فقره عاما آخر, في حين أن أبناء المسؤولين يلقون بورقة العشرين دينار لمن يركن سياراتهم الفارهة في مواقف مطاعم ثمن الوجبة فيها تكفي لإطعام عدة أسر. هذا الجهل والصلف وسكرة النفوذ والمال, ستُحيل كل إجراءات هذه الحكومة التخديرية إلى أفعال استفزازية . فالهوة التي تكشفت ما بين الشعب وسلسلة حكوماته الجديدة والقديمة العائدة, يحتاج ردمها إجراء جذريا .
ما يلزم فورا هو إلغاء "قانون إشهار الذمة المالية ", وصنوه المسمى "قانون الجرائم االإقتصادية" الحاليين كونه جرى تفصيلهما للتستر على الذمم الواسعة وتحصينها, ولتجريم كل من يكشف حقيقتها. وبعدها تلزم إضافة مادة واحدة فقط لقانون العقوبات تنص على وجوب إشهار ذمم كل من هم في مواقع القرار الآن أو شغلوه سابقا ,المذكورين في قائمة المكلفين في قانون الإشهار الحالي ..وأن يكون إشهارهم هذا حقيقيا بالمعنى القانوني والشرعي بما يبين كل ما يملكونه هم وأزواجهم وأبناءهم وبناتهم , القصّر والبالغون , وأصهارهم وزوجات أبناءهم ,مع بيان متى حازوا تلك الأموال المنقولة أو غير المنقولة وممن, ونتيجة لأي نشاط. وأن ينشر الإشهار لا أن يخفى. فهذه كلها تقع ضمن الإشهار القانوني المطلوب لمكلفي الضرائب في الدول المتقدمة, وتطال أموال الأسرة الممتدة لحظة الشك في أي فساد, وقد خضع لتدقيقات أشد السجل المالي للرئيس كلنتون وزوجته هيلاري, وهو في الحكم, وخرجا فخورين بنقاء سجلاتهما. أما كيف يحاسب من تثبت سعة ذمته, فقانون العقوبات كفيل به دونما حاجة لأي تعديل. ولن نعجب إن سدّ ما يُستعاد من المال منهوب عجز موازنتنا فورا, وإن أغلقت مديونيتنا بعد عام أو اثنين.. فالمال جلّه في حوزة المقرضين, وبعضه لم يمر بنا حتى مرور ترانزيت .
وبدهي أن الحكومة ومجلس النواب الحالي لا يمكن أن يصدرا قانونا كهذا ولا أن يتطوعا لإشهار ذممهم بهذه الطريقة. ولهذا يلزم تكليف حكومة انتقالية, رئيسها وأعضاؤها ليس في ذممهم ما يخفونه, تتولى إصدار القوانين الديمقراطية الدستورية الملحة غير القابلة للتأجيل التي يطالب بها الشعب الآن, في صورة قوانين مؤقتة, وفي مقدمتها قانون انتخاب يعتمد القائمة النسبية المجمع عليها شعبيا, لإجراء انتخابات نيابية خلال المدة الدستورية (أربعة اشهر من حل المجلس الحالي), وقوانين ضريبة تصاعدية لتصحيح التجاوز الجاري على الدستور لإنعاش الموازنة فورا.. وهكذا حكومة إذ تقسم على الحفاظ على الدستور, ستقسم حتما على الدستور الأصل, وليس على الصيغة الحالية المشوهة المتناقضة مع ذاتها ومع فقه الدساتير, والتي أروثنا إياها عبث عقود من العرفية بهذا العقد الاجتماعي الذي هو وحده ضمانة خروجنا السلمي من نفق ينذر بالتفجر لطول ما حشرت فيه نفوس حرة.
حمى الله الأردن والأردنيين
13-1-2011 توجان فيصل