أضف إلى المفضلة
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024


بريق.. يحجب الرؤية..!!

بقلم : حسين الرواشدة
23-09-2014 12:15 AM
لو لم تكن اشاعة الذهب في عجلون واقعا لاخترعناها بانفسنا، ذلك ان الناس في بلادنا تحاول ان تهرب من وطأة الواقع، بما فيه من خوف وفقر واحباط الى عالم الحلم، بما يحمله من خيارات وقصص متخيلة، وربما “اوهام” تبعث احيانا على الرضى والغنى والاطمئنان.
لكن ما حدث كان مسأله اخرى، فقد انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي على مدى ثلاثة ايام باخبار واشاعات حول ما جرى ليلة الخميس في “خربة هرقل”، وفي غياب شهود العيان، واضطرابات الروايات التي قدمت، وجدنا انفسنا امام “لغز” لم نعثر له على “مفتاح”، وكدنا نصدق بأن وراء هذا الدخان الكثيف من “نيران” تم اشعالها بقصد وتعمد، او بسوء تدبير.
الرواية الحكومية الاولى التي جاءت على ألسنة ثلاثة متحدثين هم وزير الاعلام ووزير الاثار ومحافظ عجلون اكتفت بالنفي واختصرت الموضوع في سياقين: احدهما الانجرافات والاخر “العمليات العسكرية” فيما تعددت الروايات الشعبية لدرجة ضاعت فيها الحقيقة، حتى اننا من شدة المبالغات لم نصدق ما سمعنا.
الموضوع وصل الى البرلمان ومن المتوقع ان ينشغل اخواننا النواب في الحدث، لكن حتى كتابة هذه السطور، لم نعرف تفاصيل الحادثة، وفيما اذا كانت ستقف عند حدود ما سنسمعه من الحكومة ام ان الابواب ستظل مفتوحة امام اسئلة وإجابات وروايات اخرى.
كان يمكن ان نغلق “الملف” في الساعات الاولى وان نضع الناس في حقيقة ما جرى دون مواربة، لكن سامحهم الله هؤلاء الذين تركوا المجال للاشاعات كي تتوسع و تنتشر، وللتعليقات كي تتحول الى “ألغام” ، وللدخان حتى يتصاعد ويحجب عنا الرؤية تماما.
لا يوجد في هذه المرحلة “الصعبة” التي تحركت فيها “عفاريت” التطرف والانتقام في منطقتنا اخطر على بلدنا من الاشاعات، “ فمفاعليها” لا تقتصر فقط على دغدغة “مشاعر” الجمهور واثارة رغباتهم والتنفيس عن احتقاناتهم وانما قد تدمر هذه المفاعيل الثقة بين المجتمع والدولة، وبين المسؤول والجمهور، مما يفتح الباب أمام سيادة حالة اللامبالاة و الفوضى والشك.
الآن، يمكن أن ندقق في (بروفة) الذهب لكي نستخلص منها ما يلزم من دروس واشارات، أولها أننا ما نزال نراوح بين منطق التهوين والتهويل في تعاملنا مع الأحداث التي تمر بنا، وهذه مراوحة متطرفة تكشف عن (ارتجاج) افقي في مجتمعنا وعن احساس باللايقين حيال الحاضر والمستقبل...وثانيها ان هروب المجتمع الى (الذهب) يعكس - ايضا- حالة من الشعور - بالفقر- بأنواعه المختلفة، ومحاولة للبحث عن (منقذ) مهما كان لونه، ولا غرو فالمجتمعات التي تعاني من التهميش و الظلم غالبا ما تتحرك في احد اتجاهين : اتجاه الماضي بدافع الحنين اليه والاحتماء به أو اتجاه الغيب (الحلم) رغبة في الهروب من الواقع، وثالثها أن ذاكرة المواطن الاردني ماتزال تختزل معظم ما يمر أمامها من (ألغاز) في اطار (الفساد) وهذا الاختزال مفهوم اذا ما تذكرنا بأن هؤلاء يعتقدون بأن هذا الفساد يقف وراء (محنتهم) وبأنهم عجزوا عن فعل أي شيء تجاهه، ورابعها أن غياب ( التفسير) المقنع فتح الباب أمام افتراضات وتصورات وصلت أحيانا الى درجة اللامعقول، واذا ما قاربنا هذا المشهد بما يحدث حولنا من (جنون) فإنه يصبح جزءا من الصورة العامة التي يمكن رؤيتها في كل الاحداث التي تفاجئنا ولانجد لها اية اجوبة منطقية.
باختصار ، الذات العربية المجروحة تتطلع دائما الى البحث عن (الاسطورة) و الحلم، وتحاول ان تنتقم من الواقع بكل مالديها من وسائل ، وغالبا ما تضع نفسها في (سجن) الفكرة الواحدة وتنشغل بها، لكن هذه الذات تحولت أمام بريق ( الذهب) الى ذات لا نكاد نعرفها ، وكأنها استحضرت ما بداخلها من صور ( البؤس) مرة واحدة لادانة حالها وحال المجتمع، وتفريغ احساسها المتراكم ( بالغبن)، وبالتالي فإن من واجبنا أن ننتبه هذه المرة ...فما طرأ على شخصيتنا من إصابات يمكن ان يضعنا أمام ( مجهول) لا نعرف كيف نتصرف فيه....ولا كيف نصرف عنه ( الرصد) القابع وراء الكنز العظيم.
(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
23-09-2014 09:36 AM

بروفة الذهب والتنفيس والفضفضة عما يجول في النفس وربما رفع الصوت أحيانا ناجم عن حجم الفساد المستشري وارهاق المواطن الاردني الذي بات متألماً جداً لما الت اليه الامور .
أما عن الذات العربية المجروحة فحدث ولا حرج -أصبح واضحا جداً وفي هذة الحقبة كيف يوظف المال العربي لبسط النفوذ وشراء الذمم ،وبات المواطن العربي في ظل هذة "المعمعة" كالايتام على موائد اللئام . ولاحول ولا قوة الا بالله .

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012