أضف إلى المفضلة
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024


تونس الخضراء ... تزداد اخضرارا

19-01-2011 08:20 AM
كل الاردن -

دكتور مخلد الفاعوري  

البطريرك صفرانيوس  قال حين فتحت القدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( إن دولتكم باقية على الدهر ، فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة ). نذكِّر بهذه المقولة التي تَعَارف عليها أجدادُنا الأولون، رحمهم الله، وتعاقبت  التجارب الإنسانية في تاريخها الطويل على صدقِها وثباتِها، نذكِّر بها جموعَ الظلمةِ والظالمين، الذين جعلوا الظلمَ شعارَهم، الذي يحكم سلوكَهم، ويوجِّه تصرفاتِهم.. فجعلوه أساسَ حكمِهم، ومنطلقَ دولِهم، حتى عميت أبصارُهم، وغابت عقولُهم، فانقلبت في حياتهم الحقائقُ، وتعطَّلت الموازين، وضلَّت الإفهام، وانحرفت الأحكام.. فكان العدل كل العدل في فهمهم المعوج.  ونذكِّر بها أيضًا جموعَ الذين يسيرون في ركاب هؤلاء الظلمة والمجرمين، يشاركونهم ظلمهم، ويشاطرونهم أفعالَهم، ويناصرون قراراتِهم، حتى وإن كان ذلك بكلمةٍ تبريرية، أو إشارةٍ تفسيريه.                                                                   
بل لا يقل عن هؤلاء جرمًا وجريمة مَن يلوذ بجدارِ الصمت، يختفي خلفَه، ويحمي به سوءَته، ويُؤْثِرُ صمتَ الأموات، ومِثْلُ الصامت أو المشارك مَنْ لا تهزه جرائم الظالمين، فيقشعِّر لها بدنه، وينهمر من هولها دمعه، وينطلق لسانه في جوف الليالي دعاءً على هؤلاءِ الظلمةِ وأعوانهم. ونذكر هنا بالسلطان العثماني الخليفة عبد الحميد الثاني الذي كان قمة شامخة وقلعة صامدة أمام المطامع اليهودية في فلسطين  قال لهم : ( إنني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض فهي ليست ملك يميني بل ملك شعبي ، لقد قاتل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه فليحفظ اليهود ملايينهم ) ولكن ماذا قال زين العابدين وزوجته ليلي ...؟! وماذا فعلوا ...  سرقوا تونس على مدى ثلاثة وعشرون عاما .... وحتى في وقت الهرب ... طلبت من زوجها إصدار تعليماته للبنك المركزي التونسي لسرقة طن ونصف من الذهب ... لم يكتفوا بسرقة حرية الشعب التونسي ومصادره إرادته وفي كافة مناحي الحياة وعلى مدى ثلاثة وعشرون عاما.

مرة أخرى اثبت الشعب التونسي الحر الأبي والأحرار فيه, أنهم اكبر من المحن والشدائد والفتن التي لبددت سماؤه كقطع الليل المظلم .أستغفل التونسيون باسما ء و رموز وأفكار غاية في السذاجة والقدم المتهرئ ولكنهم نهضوا من جديد أقوى من كل الجبابرة والطغاة والطامعين في السلطة والثروة. لقد جسد الشعب التونسي نظرية ليو تولستوي (الكاتب الروسي العالمي الشهير) الذي حاول من خلال حياته أن يمشي حافي القدمين ويدرّس أولاد الفلاحين الفقراء القراءة والكتابة, في الوقت, الذي كان فيه كاتباً عبقرياً سليل عائلة أرستقراطية ومؤسساً لمدرسة فلسفية روحانية, تعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف, والتي تبلورت في كتابه "مملكة الرب بداخلك", العمل الذي طبع أفكار غاندي - الذي تراسل معه- كما مارتن لوثر كينغ فيما بعد في القرن العشرين عندما تنصل من الحياة فيما شحذ موته الدرامي مخيلة المعلّقين وأطلق نقاشات فاضت على حدود النخب الثقافية والتي تجسدت في الشاب التونسي أبو عزيزي والشعب التونسي الذي استمد همته من ذلك الهدف من الحياة: هو العمل الدءوب لتوفير كل المؤهلات التي تتيح لهذا التطور الشامل أن يحقق غايته, مشدداً على أن ذلك لا يتم إلا إذا أراد المرء أن يعيش بشرف وكرامة, وأن يتمتع بقوة وان يعاود الكفاح من جديد فيما لو خسر, باعتبار الخلود إلى الراحة إنما هو دناءة روحية وسقوط, وانه يجب أن نحيا حياتنا بأقصى وأعمق ما يكون, وان نجعل الدنيا نعيماً لأبناء البشر ونتحمل وحدنا المسؤولية بدلاً من إلقائها على قوات غيبية. يقال أن خلف كل دكتاتور قصة و خلف كل دكتاتور حكاية و خلف كل دكتاتور خزانة من الأسرار
أسرار خطيرة و مذهلة , يستحيل أن تنفذ إليها في حياته لأنك لو حاولت لوجدت الموت بانتظارك و من طواغيت التاريخ الذين عرفهم العالم كان موسوليني دكتاتور من طراز فريد و سلالة فريدة أخطر ما في هذه السلالة أنها لا تعترف بحق الآخر في الحياة
لا يزال إسم هذا الديكتاتور العتيد محفوراً بالتاريخ حيث استمد زين العابدين فكرة ونهجه ... والشعب التونسي استمد ونهل من المدارس العريقة والتي سوف يبقى التاريخ يستذكرها ويحتفل بها كل عام وأما الدكتاتورية فتذهب إلى مزبلة التاريخ تونس الخضراء اليوم تزداد اخضرارا وذلك بذهاب الدكتاتور ... نستذكر التاريخ لنستخلص منه العبر فاليعتبر العملاء والوكلاء والمندسين وأصحاب الأجندات الخاصة الذين تسللوا في السنوات الأخيرة وبدون وجه حق إلى مختلف المفاصل والمواقع والمراتب والمراكز الحساسة في معظم الدول العربية، وعاثوا نيابة عن أسيادهم الصهاينة والأمريكان خراباً في المؤسسات العامة، وفساداً في صنع القرار، وبؤساً في مصير البلاد والعباد.

أستاذ جامعي | جامعة فيلادلفيا * malfaouri@hotmail.com

 

 

 

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012