29-01-2011 07:09 PM
كل الاردن -
سعد الفاعور
بين مؤخرة روبي ومقدمة ابن خلدون، فشل الضخ الإعلامي والثقافي المنتظم والمشوه الذي مارسته الحكومات العربية طوال العقود الستة الماضية بحق شعوبها، ولم يفلح في تحقيق معادلة تغريب الشباب العربي وسلخه عن قضاياه الوطنية والقومية والمصيرية، بل إنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق استراتيجيته وبلوغ أهدافه، التي رمت إلى جعل "مؤخرة روبي أهم من مقدمة ابن خلدون".
لقد فشلت سياسات التغريب وغسل الأدمغة وسلخ الشباب عن قضاياه الوطنية، حتى وبعدما استعانت الأنظمة العربية ومن خلال فضائياتها وأسلحتها الإعلامية بمؤخرة جنيفر لوبيز الأقوى والأثمن والأكثر سحراً وجاذبية وتأثيراً. تماماً كما فشلت سياسات دغدغة مخيلة الشباب العربي العانس عبر اللعب على غرائزه المكبوتة وإغرائه وإلهائه بالملاهي الليلية الرخيصة وقنوات "يا وديع".
حاولت الأنظمة كثيراً أن تشغل الشباب عن هموم الأوطان وعن جرائم المتاجرين بثروات الشعوب، وعن التفرد بسياسة الحكم بلا مشاركة شعبية لكنها فشلت، كما فشلت كل سياسات التغريب والخصخصة والليبرالية الجديدة ومشاريع التوطين المشبوهة في إلهاء الشعوب عن نشيد أبي القاسم الشابي "إذا الشعب يوماً أراد الحياة".
الأنظمة تراءى لها لوهلة، وهي تظن أنها الوحيدة التي تملك الآلة الإعلامية، أنها حجمت الشعوب والشعراء والأدباء والروائيين والقاصين والسياسيين والمناضلين، وأنها نجحت في جعلهم نكرات لا أحد ينصت لهم، وقاماتهم لا ترتفع عن الأرض شبراً، أمام شهرة سيدات هز الوسط وما يبدر عنهن من تصريحات نارية أمام الكاميرات، وعن أحلام بعضهن بفارس لم يأت بعد، أو بعدم ممانعة أخرى في أن تصبح أماً دون زواج، أو حتى نفي أخرى لقضائها ليلة حمراء في برج عاجي مع أحد الأثرياء، أو عدم ممانعة إحدى المائعات المائلات من الارتباط بعلاقة حميمة مع (بوي فرند) والعيش معه تحت سقف واحد دون أي رابط ديني.
الأنظمة ذاتها، اعتقدت في حين غفلة - وبعدما لم تستطع أن تدرك معنى "يوتيوب" و"تويتر" و"فيسبوك" وصحافة إلكترونية - أن الشباب العربي تحول من شغوف بقراءة ومطالعة أبجديات "مقدمة ابن خلدون" والدساتير والمواثيق الدولية التي تحفظ الكرامة وتصون حرية الشعوب وحقها في التعبير، إلى أجوف منسلخ عن هويته، وإلى جيل مخنث خالي الوفاض من أي هم قطري أو قومي.
الآن وبعد أن استنفدت الأنظمة الحاكمة، وطوال العقود الستة الماضية، كل حجج التمترس خلف شعارات المقاومة والقضايا الوطنية الملحة، والخطر الأكبر، وضرورات المرحلة، وتعطيل الحياة السياسية من أجل معارك التحرير، وبعد أن تلاشت أكذوبة دول الطوق، وبعدما لم يعد هناك عدو اسمه إسرائيل بل جار وشريك تجاري نرتبط معه بمعاهدات سلام وتنسيق أمني على أعلى المستويات، فإن أقل ما يقال بأن القناع قد سقط.
نعم سقط القناع، وعار عليكم أن يستقبل بعض كبار المسؤولين في أنظمتكم نظراءهم الإسرائيليين على موائدهم وفي منازلهم وداخل عواصمنا العربية. والشعوب الآن تطالبك أيتها الأنظمة بدفع الضريبة، وبسداد الدين، وكما تنازلت طواعية عن حقوقها الدستورية والمدنية والسياسية والسيادية، من أجل نصرة شعاراتك الكاذبة، لا بدّ لك الآن من الإنصات لها، وأن تعيدي لها كرامتها.
الشعوب تحملتك أيتها الأنظمة على مدى أكثر من ستة عقود، ودفعت الدم والمال والولد، ووقفت من وراءك بكل إخلاص، ولليوم لم يتحرر شبر من الأرض، بل إنك لم تنتصري ولو في معركة سياسية داخل أروقة مجلس الأمن أو هيئة الأمم، فلماذا الكذب والإصرار على أن المواجهة مع العدو ما زالت قائمة؟، ولماذا الادعاء بأنه لا ضير من مصادرة حق الشعوب في التعبير أو المشاركة في الحكم؟.
ارحلوا عنا، فقد مللنا منكم ومن كذبكم، اتركونا ندر شؤوننا بأنفسنا، بعيداً عن سرقاتكم ومتاجراتكم ونهبكم للثروات، وبعيداً عن ضرائبكم الجائرة. اتركونا نحدث تنمية شاملة في قرانا وبوادينا وأريافنا وبأقل التكاليف، ودعونا نركم كيف يمكننا أن نؤسس مئات المشاريع الإنتاجية والحضرية والتنموية التي تعود بالخير والنفع، دون وصاية من بنك دولي، وبدون مشاركة الصهاينة أو طلب موافقتهم على استغلال ثروة في باطن الأرض أو أخذ موافقتهم لتشييد مفاعل للطاقة الذرية من أجل الاستخدامات السلمية أو حتى العسكرية.