01-02-2011 08:24 AM
كل الاردن -
د. احمد القطامين
من تونس، ومن دون مقدمات دالة لى ما هو آت، فجأة اشعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسة ورحل.. دون ان يعلم ان ما فعله قد احدث زلزالا مدويا في مجرى تاريخ العرب له ارتدادات هائلة. فبعد ساعات قليلة من رحيلة المأساوي تفجرت الارض المكبلة بالحديد والنار افعالا بطولية.. فبعد حقب من الخوف والترهيب والشعور العارم بالمهانة والهزيمة تشكلت اللحظة التاريخية التي من رحمها انبثق فجر جديد لتونس فتدفقت حشود هائلة من البشر الى الشوارع والميادين لتبدأ مسلسل تحطيم نظام بوليسي فاسد جثم على صدر تونس وحولها الى مزرعة سادية يمارس فيها اللصوص والمجرمون من عائلة الرئيس وعائلة زوجته والاسر المتحالفة والمستفيدة منهما نهبا لموارد البلاد واذلالا لاهلها.. وما هي الا اربعة اسابيع حتى انهار النظام وغادر الرئيس وزوجته تونس تحت جنح الظلام تاركين بلادا تتكلم للمرة الاولى في تاريخها المعاصر بلغة عربية فصحى ترتقي الى مستوى لغة المتنبي.
على اثر ذلك تداعت ابواق الانظمة الفاشلة في المنطقة العربية لتؤكد ان ما جرى في تونس حالة معزولة وان الاوضاع في تلك البلدان مستقرة وان اعادة استنساخ التجربة التونسية عملية غير ممكنة. وذهب البعض الى القول ان سقوط بن علي ونظامة في تونس لم يكن يحدث لولا فشل بن علي في استخدام القوة الكافية لقمع الثورة ولولا استسلامه للخوف وبالتالي الرحيل المبكر عن تونس.
وهذا ما استفاده نظام مبارك في مصرمن تلك الاحداث، فبينما ملايين المصريين يتدفقون على شوارع المدن المصرية يهتفون: الشعب يريد اسقاط النظام، تشبث الرئيس بالسلطة لتجنب ما اعتقده خطأ بن علي الذي لم يتشبث بما يكفي بالسلطة الى ان يتم افشال الثورة.
الا ان حسابات النظام الفاشل اختلفت عن حسابات الشعب العظيم. فبينما اخذ النظام يتخبط ويرتكب جرائم ترقى الى مستوى الخيانة العظمى كجريمة اخلاء البلاد تماما من القوى الامنية لفسح المجال للصوص والقتلة والمجرمين للعبث في مقدرات البلاد واشاعة الفوضى والاضطراب ومحاولة الاساءة الى الشعب الثائر، اخذ الشعب يدفع الاحداث الى مستويات تتصاعد ساعة بعد ساعة في مشهد اسطوري اعاد الى مصر ألقها التاريخي وفتح الباب على مصراعية الى نفث حمم الثورة لتغطى المنطقة العربية من المحيط الى الخليج.
واخيرا وبعد ثلاثة عقود من التخريب عادت مصر تتكلم لغة عربية جميلة .. وعادت شادية تشدو "يا حبيبتي يا مصر..".