01-02-2011 08:35 AM
كل الاردن -
هل الأردن على القائمة ؟
المرشح السابق للرئاسة الأميركية، جون ماكين، يقول بذلك صراحة. وهو توقع منتشر في الصحافة الأميركية والغربية بكثافة.لكن الشباب في الميدان ـ وليس الإخوان أو الحزاب أو الشخصيات ـ يعرفون أكثر منا جميعا أن هذا التوقع ممكن ولكنهم لا يدفعون به إحساسا بالمسؤولية الوطنية إزاء تعقيدات الوضع الجيوسياسي للبلد... ولكن
التوقع له ما يبرره موضوعيا. ومَن يقل غير ذلك ، فهو يمارس الخديعة. والدرسان التونسي والمصري ماثلان بقوّة. وعلى مَن يركن إلى قناعات قديمة أن يدرك أن التحوّل في المزاج الشعبي والإرادة الشعبية، قد يحدث في غضون ساعات، ولا يعود بالإمكان إستدراك الموقف.
إلا أن الفرصة ما تزال موجودة للتوصل إلى إصلاحات عميقة تضمن انتقالا سلميا ووديا لنظمة سياسية تنسجم مع التغييرات الكبرى التي يشهدها الوطن العربي.
الفرصة ـ من حيث الوقت ـ ضيقة ، وتحتاج الإفادة منها إلى مبادرة خلاّقة تنطوي على رؤية أكثر مما تنطوي على إجراءات. فالإجراءات ، إذا لم تكن جزءا من رؤية جديدة، سوف تتبدد.
الرؤية المطلوبة الآن تبدا من القطع كليا مع النموذج النيوليبرالي في المجال الإقتصادي الاجتماعي ومع النموذج الرئاسي في الحكم معا. وبالمقابل، يمكننا أن نقترح نموذجا أردنيا قابلا للحياة والإزدهار، يقوم على نظمة من الملكية الدستورية وإقتصاد السوق الاجتماعي.
الخطوة الأولى في تحقيق ملكية دستورية متوازنة وآمنة هي شطب التعديلات المدخلة على دستور 1952. وهذه التعديلات التي أفرغت الدستور الأردني من محتواه الملكي وحولت النظام السياسي إلى نظام رئاسي غير منتخَب ـ تمت في ظروف استثنائية، وخصوصا لإدارة أزمة إحتلال الضفة الغربية التي كانت جزءا من المملكة ولم تعد منذ 1988 كذلك. وتنبغي، إضافة ملحق دستوري يعين حدود المملكة للإنتهاء ، مرة واحدة وإلى الأبد، من المشكلات القانونية والسياسية للعلاقات والمواطنة مع الضفة الغربية التي أصبحت جزءا من الأراضي الفلسطينية التي نعترف بها أرضا وطنية للدولة الفلسطينية العتيدة.
إجرائيا، لا نريد إعادة إختراع العجلة بالمزيد من السجالات . ففي جلسة برلمانية واحدة يمكن شطب تلك التعديلات جميعا وإضافة الملحق الدستوري الخاص بحدود المملكة. وعند هذه النقطة يكون قطار الإصلاح السياسي قد إنطلق.
سوف تضمن العودة إلى دستور 52 فورا ثلاثة إصلاحات جوهرية، أولها إعادة الاعتبار لمجلسيّ النواب والأعيان ودورهما الدستوري. إذ يمنع دستور 52 حل البرلمان إلا بشرطين إستقالة الحكومة التي توصي بحله وإجراء انتخابات برلمانية جديدة في غضون 60 يوما. بذلك، تحصل مؤسسة البرلمان على قوة موازية لمؤسسة الحكومة، ويحرر النواب من الضغوط الحكومية لمنح الثقة أو سوى ذلك. كما يتحول مجلس الأعيان إلى قوة سياسية لا يمكن تجاوزها طالما أن دستور 52 لا يعطي الحق لأي سلطة بطرد العين من منصبه مدة ثماني سنوات. وهو ما سيؤدي الى انتظام رجال الدولة القدماء في هيئة قادرة على ضبط حركة الدولة.
الإصلاح الجوهري الثاني الناجم حكما عن الأول، هو منع الحكومات من إصدار قوانين مؤقتة إلا في حالة الطواريء القصوى. ففي دستور 52 لا يمكن أن تكون هنالك حكومة عاملة من دون مجلس منتخب، إلا لمدة ستين يوما تشغلها حكومة لها مهمة واحدة هي عقد الانتخابات العامة.
الإصلاح الجوهري الثالث يتعلق بالمحكمة الدستورية. صحيح أنه لا يوجد في دستور 52 محكمة دستورية بالإسم ، ولكن نصه على رئاسة المجلس العالي لتفسير الدستور من قبل القضاء لا من قبل رئيس مجلس الأعيان ، يحوّل المجلس العالي، من حيث المضمون، إلى محكمة دستورية، لن تسمح مثلا بملء مجلس الأعيان بمن هب ودب خلافا لنص الدستور وروحه.
بعد إقرار شطب التعديلات على دستور 52 يمكن أن يبدأ النقاش الجدي حول قانون انتخابات عامة يمثل الشعب الأردني ويوحّده ويسمح للمثقفين والقيادات السياسية بالدخول تحت القبة. بذلك، ستكون النخب السياسية كلها موجودة في مجلس الأمة، رجال الدولة في الأعيان ورجال المجتمع في البرلمان.
ولا بد أن ينتهي هذا التقليد المستجد السخيف بمنع الازدواج بين عضوية البرلمان والوزارة. وهو ما أحدث مفارقة توزير الراسبين في الانتخابات الأخيرة. الحكومات يجب أن تكون برلمانية من وزراء سبق انتخابهم كنواب. وهو ما سيفرض واقعيا الاستشارات النيابية. وبينما يكون الوزراء سياسيين ومتغيرين، يكون التكنوقراط في مواقع الأمانة العامة للوزارات، مسؤولين عن متابعة الخطط والإدارة.
أما منظور إقتصاد السوق الاجتماعي. فهو يتطلب إقراره كرؤية ناظمة للدولة، تزاوج بين نمط معتدل من إقتصاد السوق والأولوية الصارمة للاحتياجات الاجتماعية والوطنية والبيئية. وهي رؤية تقوم على مبدأ دستوري أساسي هو نظام ضريبي تصاعدي على الدخول والأرباح ـ بكل أنواعها ـ ينال الشرائح الاجتماعية المثرية والشركات ويعيد تدوير الثروة اجتماعيا، ويوفر للخزينة الموارد الكافية نحو الربط الفعلي والمرن للأسعار بالأجور في ظل قانون يجبر القطاع الخاص على القيام بالربط نفسه.
على أن موارد الخزينة ينبغي ألا تذهب لما يسمى المشروعات الكبرى القاتلة إقتصاديا ، ولا لتشييد بنى تحتية لخدمة المستثمرين، بل لمشاريع صغرى ومتوسطة مصممة لإحياء المحافظات والتشغيل.
إن الملكية العامة للمناجم وأراضي الدولة والأحراج والموارد الطبيعية والمرافق والمجالات الأساسية للنقل والاتصالات والطاقة، ينبغي أن تكون محمية بقانون صارم . ولا بد من استعادة ملكية الدولة في هذه المجالات من خلال تصوّر جديد ديناميكي يوازن بين حقوق الدولة والمجتمع من جهة وبين ضرورات الاستثمار من جهة أخرى.
وفي إطار رؤية إجتماعية، لا يمكن السماح بخصخصة التعليم في كل مستوياته. وتؤكد هذه الرؤية على الحق الدستوري للمواطن الأردني بالحصول على تعليم كفوء ومجاني في كل المراحل، يقوم على أساس تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا السياق، فإن إعادة الاعتبار للتعليم الرسمي لا يتم فقط من خلال زيادة المخصصات، ولكن بالدرجة الأولى من خلال تحسين مستوى معيشة المعلمين وتأكيد حضورهم في العملية التربوية. وهو ما يتطلب الإقرار بنشوء نقابة وطنية للمعلمين من دون تأخير.
كما لا يمكن السماح في إطار هذه الرؤية أن تخضع الطبابة لآليات السوق. فالعناية الصحية حق دستوري وانساني غير خاضع من حيث المبدأ للإعتبارات التجارية. وهو ما ينطبق على سلة العيش الأساسية المتوسطة للأسر. فمن غير المعقول إخضاع السلع والخدمات الأساسية لضريبة المبيعات أو السماح بإخضاعها للتجارة أو عدم تخصيص المبالغ اللازمة لتأمينها في الأسواق بأسعار مدعومة.
إن تغطية هذه المسارات الاجتماعية ممكنة من خلال الضريبة التصاعدية على الدخل والارباح ووقف الهدر والانفاق الترفي والشروع في الاستغلال الوطني للثروات الطبيعية. وإلى ذلك، وقبله وبعده، فإن توجيه ضربة نهائية لمؤسسة الفساد بما في ذلك المحاكمات العادلة ومصادرة أموال الفاسدين والتشدد القانوني والسياسي في منع الفساد الكبير أو التصرف بموارد الدولة من الأراضي والثروات، سوف يوفر الأموال اللازمة للشروع في إصلاحات الديموقراطية الاجتماعية.
إن إقتصاد السوق الاجتماعي لا تكفله الدولة بالقانون فقط، بل تسمح للعاملين ، لقوة العمل، بالحفاظ على هذا النظام. ولا يتيسر ذلك إلا من خلال إطلاق حرية تشكيل النقابات والاتحادات العمالية، من دون قيد ولا شرط، بما في ذلك حقها في تنظيم سوق العمل والموافقة على العمالة الوافدة وتنظسم الاضرابات وعقد التسويات مع الجهات المشغّلة.
المدخرات الأساسية للشعب الأردني في مؤسسة الضمان الاجتماعي مهددة ، كما حدث بالفعل، من خطرين الأول هو اعتداء الحكومات على هذه المدخرات من خلال إجبار الضمان على إقراض مستثمرين أو المشاركة في تمويل مشاريع لصالح مستثمرين على أسس سياسية. والخطر الثاني هو استثمار أموال المؤسسة على أساس المغامرة والمضاربة. أموال الضمان وقراراته الاستثمارية لا يمكن صيانتها إلا من خلال تعديل القانون لاستحداث منصب محافظ لمؤسسة الضمان الاجتماعي يتم إقرار تعيينه من قبل مجلس الأمة، ويكون مستقلا تماما عن السلطة التنفيذية وعن كل تدخل سياسي. في هذه الحالة، يمكن الاطمئنان إلى أن استعادة الحد الأدنى من مكتسبات المشتركين ستكون آمنة لجهة الحسابات الاكتوارية.
على أننا هنا نكتفي بإنارة الطريق وندرك أن هنالك الكثير مما ينبغي مناقشته في هذا المجال ولكن في إطار المباديء المذكورة أعلاه.
يبقى أن نقطة الارتكاز للدخول إلى المرحلة المقبلة هي نصب محكمة مستقلة للفساد واستعادة الأموال والموارد المنهوبة خلال فترة النيوليبرالية.