أضف إلى المفضلة
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024


مصارحة حزبية ضرورية

بقلم : د. رحيّل غرايبة
25-01-2015 12:57 AM
مبدأ العمل الحزبي في المجال السياسي يقوم ابتداءً على تكريس مبدأ التنافس داخل دائرة استراتيجية واحدة، والتحاكم إلى منظومة معايير عادلة مشتقة من مرجعية عليا تحظى بالتوافق الجمعي الحاسم، التي لا يجوز التمرد عليها، ولا يصلح القفز فوق سقوفها، لأن في ذلك هلاكا جماعيا محتما، نتيجة ما يحدثه هذا القفز وهذا التمرد من فوضى عارمة وانفلات مدمر؛ لا قدرة لطرف واحد على مواجهته وضبطه.
وبناءً على ما سبق فإن الأحزاب السياسية في أي دولة ديمقراطية، ترتكز على المنظومة الحزبية، و تشترك جميعها في الانضواء تحت دستور الدولة وقوانينها وأنظمتها، وتتفق في الرؤية العامة للدولة ورسالتها واستراتيجيتها العليا التي يتم التعبير عنها عبرالقيم الدستورية العليا، ومنظومة القوانين المنبثقة عنها، والتي تنظم كل مجالات الدولة، وتملك الأحزاب هوامش واسعة في الاختلاف ضمن هذا الإطار، حيث تتنافس في البرامج المشتقة منها، والرؤى التفصيلية والخطط الجزئية والسياسات المؤقتة التي تخدم رؤية الدولة ورسالتها، وتحفظ قوتها وتقدمها وتطورها.
الأحزاب والقوى السياسية والحركات والجماعات المختلفة على امتداد الساحة العربية لا تمارس العمل الحزبي وفقاً لهذه القاعدة البديهية، وإنما ينطلق كل حزب وكل حركة أو جماعة من رؤى مستقلة وفلسفات متناقضة لا يجمعها جامع أو إطار، مما يجعل أعمالها وأنشطتها وتحركاتها وتحالفاتها تستند إلى مرجعيات مختلفة، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى الارتداد نحو النظرة الحزبية الضيقة، والرؤية الفئوية المتقزمة الخاصة، التي يتم من خلالها الحكم على صوابية الأمور أو خطأها، وهذا أدى عبر السنوات السابقة إلى الضعف والتبعثر والتعصب والانغلاق، وسوف يؤدي إلى مزيد من التشتت وذهاب الريح المفضي إلى الهلاك والسقوط الحضاري.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما يجري الآن على الساحات العربية، فتجد بعض القوى تتقرب من إيران وتريد تحسين العلاقات معها، والعودة إلى الزمن الغابر بالدعم السياسي والمادي؛ ما يفرض عليها ان تغض البصر عما يجري في اليمن أو العراق أو سورية على يد إيران، انطلاقاً من مبدأ الموازنة بين الأضرار والمنافع التي تعود عليها تحديداً بشكل حزبي ضيق، ولا ينطلق من رؤية شاملة للمصلحة العربية الكبرى، ولا يستند إلى البعد الاستراتيجي بعيد المدى الذي يخص الأمة وقضاياها العامة، وانما يستند إلى مصلحة مؤقتة قصيرة النظر، هذا المثال ينطبق على معظم الأحزاب والقوى السياسية بكل اتجاهاتها وأيدولوجياتها، فتجد أحزاباً وقوى سياسية تدعي النضال من أجل الديمقراطية تقف بكل وضوح إلى جانب الانقلابات العسكرية والأنظمة الديكتاتورية المتسلطة، انطلاقاً من رؤية حزبية ضيقة تقيس من خلالها مكاسبها الفئوية من اثار التغيير والاصلاح على صعيد أفرادها وقيادتها الحزبية فحسب، ولا تنطلق من رؤية المصلحة العامة للبلاد والعباد.
نحن أمام معضلة كبرى تتجلى بغياب المشروع الاصلاحي العربي الكبير على مستوى العالم العربي كله، وتتجلى بغياب المشروع الاصلاحي القطري كذلك على صعيد كل قطر على حدة؛ ما يجعل العمل الحزبي منفلتاً من عقال المصلحة العامة، ويتجه نحو التحوصل في مصالح حزبية وفئوية ضيقة ومتنافرة، وهذا سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة علينا جميعاً بلا استثناء، لأن المشكلة ليست منحصرة في الأحزاب والقوى السياسية فحسب، بل تمتد لتشمل الأنظمة القطرية التي تعيش حالة من الانعزال والتفرد والنظرة الجزئية غير المرتبطة بالمصلحة العربية العليا التي تهم الأمة وشعوبها وأقطارها ومستقبلها بشكل جماعي.
نلحظ بوضوح مشروعاً «اسرائيلياً» يضم الأحزاب «الاسرائيلية» الكثيرة والمختلفة المتفقة على رؤية المشروع ورسالته العامة، وتجد مشروعاً ايرانياً لجميع الايرانيين وأتباعهم في المنطقة العربية، وفي الوقت نفسه ليس هناك مشروع عربي واحد، بل هناك مشاريع جزئية تابعة ومرتبطة بمشروع وافد من خارج الحدود، وتبحث عن سيّد أو مموّل او داعم، أو مغانم قريبة قصيرة النظر.
(الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012