أضف إلى المفضلة
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024


بدران: الأردن أبعد قيادة "الإخوان" السوريين العام 1979

30-01-2015 02:18 AM
كل الاردن -
يواصل رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، روايته لأحداث ومراحل في تاريخ الأردن السياسي، ويستكمل في حلقة اليوم من حلقات 'سياسي يتذكر' مع يومية 'الغد'، روايته لمحطات في عمله مديرا للمخابرات.
ويشرح في حلقة اليوم كيف تسلم إدارة الجهاز، بعد محمد رسول الكيلاني، عندما كانت الضفة الغربية محتلة، والمنظمات الفدائية بدأت بالعمل انطلاقا من الأردن.
ويضيف ابو عماد، في روايته لصعوبة تلك المرحلة، بالقول: كان يزيد من حدة أوضاعنا الأمنية الصعبة، بأنه كان بيننا وبين سورية ما صنع الحداد، وكانت سيارة سورية قادمة من سورية، قد تفجرت في الرمثا، وكان ذلك قبل احتلال الجولان.
ويكشف بدران عن تكليفه من قبل رئيس الوزراء المرحوم بهجت التلهوني بزيارة دمشق، والسعي الجاد لترطيب العلاقات مع الجانب السوري.
ويؤكد بدران بعدها قيامه والضابطين طارق علاء الدين وهاني طبارة، بزيارة مدير المخابرات السورية، الذي عرف بالقسوة والفظاظة، العقيد عبد الكريم الجندي.
ويروي بدران في حلقة اليوم اختباره لجدية الجندي في تحسين العلاقات مع الأردن، حيث أخفى عنه قصة جوازات السفر الأردنية، وكشف الأردن لها ولمستخدميها.
ويؤكد مدير المخابرات الأسبق بدران، بأنه أخفى القصة على الجندي، ليعرف إن كان صادقا في تصفية الخلافات أم أنه سيظل على مراوغته.
وبعد مدة من الزمن، لم يقم الجندي بإعادة جوازات السفر، فما كان من بدران إلا أن أرسل مدير العمليات طارق علاء الدين، بعد تحميله لرسالة، تقضي بمعرفتنا عن أمر الجوازات، ومكان احتفاظ السوريين بها.
ويضيف بدران؛ بالفعل، غادر علاء الدين، والتقى الجندي، وسأله عن ضرورة استعادة جوازات السفر الأردنية المزورة لصالح شخصيات سورية، فنفى الأمر، وأنكر حصول ذلك، فرد عليه طارق بأن يفتح الدرج على يمينه، وسيجد جوازات السفر بمغلف ورق.
ويبدأ بدران اليوم بتناول بعض الحيثيات، خلال عمل دائرة المخابرات ضد الإسرائيليين، وزرع المصادر، وتطوير بعض مجالات العمل الاستخباراتي، وهو ما استفاد منه السوريون، ولم يتعامل معه المصريون، فكان اعتداء الإسرائيليين سهلا على سيناء في تلك المرحلة.
ويشرح بدران كيف أن دائرة المخابرات العامة وزعت أعمالها على أقسام وفروع، كقسم حزب البعث وقسم الشيوعيين، وقسم المنظمات والفصائل، ولم يكن هناك قسم لجماعة الإخوان المسلمين، 'لأنه ليس من أهدافهم الانقلاب على النظام'.
ويوضح بدران أن قسم الإخوان المسلمين تم استحداثه في المخابرات بعد شكاوى الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ضدهم، ويزيد بأن الأردن والجمهورية العربية السورية كانا على بعد قريب جدا من إعلان الوحدة، وبموجب اتفاقية الدفاع المشترك التزمت المملكة بالتقصي والتحري عن مخاوف الرئيس الأسد.
ويؤكد بدران أنه وبعد أن صارت حركة المسافرين بين الحدودين مع سورية على الهوية، وتم إلغاء العمل بجواز السفر بيننا، أخبر الاسد بأن الإخوان (السوريين) يتسللون للأردن عبر هويات مزورة، وبعد التحقق من الأمر، اكتشف الأمر، وكان الخطأ يتحمله مركز إصدار الهويات على الحدود. ويزيد بأن الحكومة الأردنية طلبت إلغاء السفر بالهويات المدنية، والعودة لجوازات السفر، فرفض الأسد، وقال: هذا حق للشعبين السوري والأردني ولن ألغيه.

وفيما يلي نص الحلقة الخامسة:
* كيف كنتم تنظرون لجماعة الاخوان المسلمين، هل كانوا حلفاء للنظام، وهل استخدمتموهم في المواجهة مع الشيوعيين واليساريين؟
- لقد كنا في دائرة المخابرات، نوزع العمل لأقسام وفروع، كقسم حزب البعث وقسم الشيوعيين، وقسم المنظمات والفصائل، لم يكن عندنا قسم لجماعة الإخوان المسلمين، لأنه ليس من أهدافهم الإنقلاب على النظام.
القسم لم يتم استحداثه إلا بعد شكاوى حافظ الأسد منهم، وقد كنا نحن والجمهورية العربية السورية على بعد قريب جدا من إعلان الوحدة. ولأن اتفاقية الدفاع المشترك وقتها كانت تجبرني على حماية الأمن السوري، فقد التزمت بالتقصي والتحري عن مخاوف الرئيس الأسد. الإخوان المسلمون كانوا نشطين في سورية، ولهم نشاط سياسي أقلق الرئيس الأسد، ولما اشتكى منهم، طلبت منه وقتا حتى أتأكد من المعلومات، التي في حوزته، لأني كنت قد نبهت إخوان الأردن فعلا، الى خطورة العبث بالأمن الداخلي السوري، وهذا مبدأ عندي في عملي السياسي، فأنا لا أتدخل بالشؤون الداخلية لدول الجوار، كما أمنعها أيضا من ممارسة ذات الأمر.
ولما جرى توقيع الاتفاقية بيننا وبين السوريين، وصارت حركة المسافرين بين الحدودين على الهوية، وتم إلغاء العمل بجواز السفر بيننا، قال لي الاسد بأن الإخوان (السوريين) يتسللون للأردن عبر هويات مزورة، دققنا في الأمر، وإذ الهويات المزورة أمر صحيح، والخطأ يتحمله مركز إصدار الهويات على الحدود، فقلت له: إذا أنت لم تستطع امساك الإخوان المسلمين الخارجين على القانون في دمشق، فكيف سأمسكهم أنا في عمان أو الزرقاء أو العقبة مثلا!.
فطلبت منه إلغاء السفر بالهويات المدنية، والعودة لجوازات السفر، فرفض الأسد، وقال: هذا حق للشعبين السوري والأردني ولن ألغيه.
في العام 1979، وبعد وفاة رئيس الوزراء
عبد الحميد شرف، وتكليفي بتشكيل الحكومة بعده، وكانت قيادات الإخوان المسلمين السوريين في الأردن قد غادرت، قال لي الراحل الحسين بأنه أبعدهم من الأردن، وهكذا، لن تواجه أي مشكلة مع السوريين، فسألته إن كان السوريون على علم بالأمر، فقال: لا. لكن قرار الحسين، زمن حكومة شرف، استند لمعلومات مخابراتية، عن اجتماع قيادات اخوانية في منزل بالزرقاء، وتخطيطهم للعمل ضد سورية من عمان، وهو ما سآتي على شرحه لاحقا.

*إذا، ماذا تقول عن جماعة الإخوان؟
-نحن لم نستخدم الإسلاميين يوما ضد أي حزب شيوعي أو بعثي أو يساري، لكن قد يكون بين تلك الأحزاب، اختلافات جذرية في الأهداف والعقيدة والبرامج، وهو السبب الرئيس في تناحرهم، سواء على السلطة أو في المظاهرات في الشارع.
الإخوان المسلمون في الأردن لم يكونوا أقوياء في الستينيات من القرن الماضي، وما قبله، ولم يكن لهم حضور لافت في مجلس النواب أو الحياة السياسية، لكن بعد احتلال الضفة الغربية العام 1967، أخذتهم قضية الجهاد، وكانت هي سبيل فرض وجودهم أمام المد الفتحاوي والقومي وقتها، لكنهم لم يملكوا يوما قيادة عسكرية في الأردن.
وهنا، لابد من التأكيد على أن الإخوان المسلمين في الأردن، لم يكونوا عدائيين للنظام، وأنا من معرفتي السابقة بهم، لم أكن اخشى منهم على النظام، فهم ليسوا دمويين أو ارهابيين، بل يملكون قيادات وطنية.

*بالعودة لسنوات تأسيس المخابرات، فقد استلمت إدارة المخابرات العام 1968، وكنت ثاني مدير للدائرة، بعد محمد رسول الكيلاني، وكانت حركة الفصائل الفلسطينية المسلحة نشطة في عمان، وكان هناك عدد من العمليات التي ينفذونها داخل الضفة الغربية بتنسيق معكم؟
- فعلا؛ لما تسلمت إدارة الجهاز بعد الكيلاني، كانت الضفة الغربية محتلة، والمنظمات الفدائية بدأت بالعمل انطلاقا من أرضنا، وكان هدفي في ذلك الوقت، بأن يكون أمامنا عدو واحد، وهو اسرائيل واحتلالها لأرض كانت تحت السيادة الأردنية.
وكان يزيد من حدة أوضاعنا الأمنية الصعبة، بأنه كان بيننا وبين سورية ما صنع الحداد، وكانت سيارة سورية قادمة من سورية، قد فجرت في الرمثا، وكان ذلك قبل احتلال الجولان.
في تلك الأيام، ومع تسلمي إدارة المخابرات، كان رئيس الوزراء بهجت التلهوني، وطلب مني زيارة سورية ومحاولة ترطيب الأجواء.
كان مدير المخابرات السورية رجل مشهور، اسمه العقيد عبد الكريم الجندي، ذهبت لزيارته ومعي طارق علاء الدين وهاني طبارة، قابلناه، وكان رجلا عرفت عنه القسوة والشدة، ووصف بأنه رجل دموي.
جلسنا معه لأكثر من ساعتين، وشرحت له موقفنا السياسي والأمني، بعد احتلال اسرائيل للضفة الغربية والجولان، وأن الأردن والملك الحسين يخططان للمستقبل، وأن علينا التوقف عن المناوشات السياسية، وموجات الاستعداء بين الأردن ومصر وسورية، وعلينا أن نوحد جبهاتنا أمام عدو واحد ومشترك وهو اسرائيل، لكن وقبل أن نقوم بذلك، علينا تسوية جميع الخلافات، حتى نصل لهدفنا في مواجهة اسرائيل، وتكون 'ظهورنا' محمية من بعضنا أولا.
وبسرعة قاطعني الجندي، وقال: لكن الشريف ناصر بن جميل، ما يزال يتآمر علينا نحن السوريين، وهو مدعوم برغبة الملك الحسين.
فأبلغته بأن هذه المسألة تم حسمها، ولن يكون هناك أي شيء من طرف الشريف ضد سورية.
وهنا، لا بد من ذكر القصة، التي أردت فيها أن أتأكد من مصداقية مدير المخابرات السورية معي، فقد كنا نطبع جوازات السفر، في احدى المطابع التجارية، وتم تهريب نحو 150 جواز سفر للسوريين، ومباشرة رصدنا أرقام تلك الجوازات، وكنا سعداء بالأمر، حتى يسهل علينا ضبط أي سوري من عملائهم دخل الأردن بجواز سفر مزور.
وبالفعل، ضبطنا عددا منهم، وإذ بالسوريين يستخدمون تلك الجوازات لضمان سفر بعض الشخصيات السورية، الممنوعة من السفر إلى الخارج، ويزورون لهم الجوازات السورية ويستبدلونها بجوازات سفر أردنية.
تلك القصة أخفيتها عن الجندي، لأعرف إن كان صادقا معي، في تصفية الخلافات أم أنه سيظل يراوغ، ويتملص من الاتفاقات، التي بنيتها معه، بمنتهى الجدية والصدق.
بعد مدة من الزمن، انتظرت خلالها أن يعيد لي جوازات السفر المتبقية عنده، لكنه لم يفعل، وكان مدير تلك العملية، من جهتنا، طارق علاء الدين، وهو ضابط ألمعي يجيد التعامل مع المصادر بذكاء وحرفية. اتصلت بالجندي، وقلت له بأن طارق علاء الدين، سيزوره حاملا رسالة مني، وقلت لطارق بأن يكشف له عن معرفتنا بمكان جوازات السفر إن أنكر الأمر.
بالفعل، غادر علاء الدين، والتقى الجندي، وسأله عن ضرورة استعادة جوازات السفر الأردنية المزورة لصالح شخصيات سورية، فنفى الأمر، وأنكر حصول ذلك. فرد عليه طارق بأن يفتح الدرج على يمينه، وسيجد جوازات السفر بمغلف ورق.
بحسب ما وصف لي طارق علاء الدين، فإن الجندي صدم، وتفاجأ من الأمر، وقال: العمى يخرب بيت قلبكم، عارفين هيك قصة ومكانها، عارفين مكتبي شو فيه!.
كان هذا اختبارا لصدق النوايا بيننا، وكان مدير تلك العملية طارق علاء الدين مبدعا في تنفيذها. كان كل قصدي من الأمر، أن نتفرغ فعلا لمواجهة اسرائيل بجبهة عربية موحدة.
بدأنا العمل على الملف الاسرائيلي، وكان مسؤول الملف نذير رشيد، وكان معه عصام صدقي الجندي. وكان الجندي ضابطا متميزا في الاستخبارات العسكرية، في قسم العمليات، وكان ذكيا جدا، وتم نقله لدائرة المخابرات للعمل على الملف الإسرائيلي.
لقد خرجنا من حرب العام 1967 محبطين، وانفسنا محطمة، ولم يتبق لنا بعد الحرب أي دعم معنوي لمواجهة الناس.
بدأنا العمل من تلك اللحظة، وكان العمل شاقا، لكن كان معنا رجال مؤمنون بالواجبات المطلوبة منهم، ومن هناك بدأنا مرحلة، أقل ما يمكن وصفها بأنها مرحلة شاقة ومتعبة.
*كيف بدأتم إذا رصد الإسرائيليين، وكيف تعاملتم مع العدو الجديد، خصوصا وأنكم محبطون، وامكانياتكم تكاد تكون معدومة؟
-لقد زادت روح التحدي عندنا، فعدونا لنا عنده ثأر، لا بل لنا عنده أرض، ونريد استرجاعها واسترجاع كرامتنا، هذه الروح التي كنا نعمل بها.
بدأنا في تلك الفترة، بتبديد كل الإشاعات، التي كان يطلقها العدو الإسرائيلي، وهي إشاعات كانت تزيد من حدة الحرب النفسية، التي أبدع الاسرائيليون بإدارتها.
بدأنا بتفنيد الأوهام حول قنبلة 'النابالم' وهي القنبلة التي كان الناس يظنون بأنها تحرق لدرجة ذوبان اللحم والعظم.
ففككنا القنبلة، وإذ بمكوناتها بسيطة، وشرحنا ذلك للجميع، واستطعنا أن نأتي بواقيات ضدها تطفئ نارها متى ما لجأت للتراب.
ثم صدمنا الإسرائيليون بأنهم كانوا يترصدون مكالمات الراحلين الملك الحسين وعبد الناصر، ويبثونها عبر أثير الإذاعة الإسرائيلية، ولقد رصدت ذلك، وسمعت هذه المكالمات فعلا، على اثير اذاعة اسرائيل. ومباشرة، جئنا بهواتف ذكية، يصعب رصدها وتتبعها، ولا يمكن تسجيل الصوت من خلالها، وكانت تكنولوجيا جديدة، استخدمناها في المنطقة العربية. بعدها، جئنا بأول جهاز حاسوب في المملكة، وكان مكانه في دائرة المخابرات العامة، واستطعنا تدريب العاملين عليه، وكانت تكنولوجيا مثلت نقلة نوعية في عملنا وتنظيم ملفاتنا.
وبقينا نتابع كل جديد في عالم التكنولوجيا الغربية، حتى استطعنا إرسال أحد الضباط لشراء كاميرا من اليابان، وكانت كاميرا بمواصفات عالية الجودة، وتعمل عن طريق أفلام (الإنفراريد)، التي كانت ممنوعة من الشراء وقتها، وكانت كاميرا ضخمة من حيث الحجم، لكنها قدمت خدمات مهمة للجهاز، واعتقد بأنها ما تزال من مقتنيات دائرة المخابرات. كما أسسنا قسم الشؤون الاسرائيلية، والذي قام لاحقا بأعمال نوعية ساعدتنا على استنباط المعلومات وتحليلها.

*هذه الكاميرا كان لها فضل كبير في كشف حركة الجيش الإسرائيلي على الحدود مع مصر وسورية؟
-فعلا، كان لهذه الكاميرا فضل كبير في المعلومات الاستخباراتية، فبعد أن قمنا بتدريب أحد المصورين المحترفين عليها، وكان فعلا يعشق مهنة التصوير، لدرجة أنه عاش مع الكاميرا وظل يجوب فيها الحدود من أقصى الشمال لأقصى الجنوب.
وكان في دائرة المخابرات فريق من الضباط المصريين، كنا نتعاون في مجال تبادل المعلومات، وسرعة إرسالها للجانب المصري.
في أحد الأيام، جاء لنا المصور بمجموعة من الصور، التقطها لميناء إيلات، وكان الميناء فارغا تماما، ثم بعث لنا بمجموعة جديدة، وإذ بالميناء ترسو فيه بواخر كبيرة؛ وكما أذكر كان عددها ثلاثا، وصعقنا من الأمر، فكيف وصلت البواخر وخليج العقبة وخليج قناة السويس مغلقان.وبدأنا تحليل الصور، وبدأ المصور يبعث لنا بمجموعات جديدة من الصور، ووصلنا لنتيجة أن البواخر صنعت في اسرائيل، في منطقة أسدود، وتم وضعها على سكة لضمان سهولة حركتها، باتجاه ميناء إيلات.
وبدأنا نقيس بالعمارات المبنية حول الميناء، وحجم النوافذ، وتعرفنا على أن البواخر صممت كحاملات دبابات، وأن لها مهمة محددة، وبدأنا نقرع أجراس الإنذار، إذ أن اسرائيل تدبر وتخطط لأمر ما.
أعطينا المعلومات كاملة للفريق المصري الموجود في عمان، وبعثنا بهم إلى مصر بسرعة، وكان ذلك في العام 1968، وفوجئنا بأن إسرائيل، بعد يومين من إرسال الفريق المصري إلى مصر، دخلت سيناء واستولت على الرادار الموجود في سيناء، وعادت لميناء إيلات.
حتى إن باخرة هنغارية، صادفت البواخر الإسرائيلية، وبعثوا لهم بإشارات التحية والسلام، فدرست الحكومة الإسرائيلية، فكرة حجز تلك الباخرة وطاقمها، حتى لا ينكشف أمر العملية الإسرائيلية، التي كانت اسرائيل تعتقد بأنها تنفذها على غفلة منا، واهتدت الحكومة الإسرائيلية لرفض الفكرة، خشية على العلاقات السياسية والدبلوماسية، وذلك قرأته فيما بعد بالصحف العبرية، التي غطت خبر الاختراق الإسرائيلي لسيناء. طبعا، اكتشفنا بأن حمل الرادار كان مهمة احدى البواخر، التي كانت تحمل طائرة عمودية، وأن وظيفة الطائرة العمودية فقط حمل الرادار بسرعة للجانب الإسرائيلي، قبل حدوث أي مواجهات، وإطلاق نار بين المصريين والإسرائيليين، ولك ان تتخيل حجم صدمتنا، فنحن نبهنا المصريين للأمر لكنهم لم يستعدوا لذلك.
في احدى الزيارات إلى القاهرة، وكان معي نذير رشيد، وحملنا معنا مجموعة من التقارير الامنية المهمة، وعندما اجتمعنا مع المخابرات المصرية، عرضت عليهم كل المعلومات العسكرية المتوفرة عن قوة الجيش الإسرائيلي، والتشكيلات العسكرية وعدد الألوية، وقدرة الإسرائيليين على تجنيد نصف مليون مجند، وتحدثت عن تفاصيل صفقة طائرات الميراج، التي ابتاعتها اسرائيل مؤخرا، وقلت لهم بأن أرقامنا دقيقة، واكتشفت بأن ليس لديهم أي معلومات عن تلك الأمور.
طلبت من المصريين مقابلة مدير الاستخبارات العسكرية، وتحدثت في ذات التفاصيل، وقلل من أهمية صفقة الميراج، وقال: لقد اسقطنا عددا من تلك الطائرات، وباغته بالسؤال عن مكان حطام الطائرات، إذ أني ابلغته بعدم اعتباري أن أي طائرة سقطت إذا لم تكن داخل الأرض والحدود المصرية.
وظل يتحدث عن امتلاك اسرائيل لـ52 طائرة فقط، واستفزني بتشدقه بالمعلومات الخاطئة، وقلت له بأننا بعثنا لكم صورا واضحة عن تشكيل سلاح الجو الإسرائيلي لنجمة داوود في السماء، وبعدد طائرات 58 طائرة من طراز ميراج، وقلت إن كانت هذه الطائرات في السماء، أفلا يكون هناك غطاء جوي آخر لحمايتها، وأكدت له بأنهم يملكون 68 طائرة. فقام نذير رشيد من مقعده فورا وقال: أبشر بالهزيمة الثانية ان كانت هذه معلوماتكم.
حتى أن المعلومات عن قدرة إسرائيل على تجنيد نصف مليون عسكري، استخدمها عبد الناصر في احدى خطاباته، وقال: إن كانت اسرائيل تستطيع تجنيد نصف مليون فالجيش المصري سيجند مليون مقاتل. لقد حاولنا توظيف كل امكانياتنا الاستخباراتية، ليس لنا وحسب، بل كانت تلك الامكانيات هديتنا أيضا لمساعدة دول الجوار، على مواجهة تحدي العدو الاسرائيلي وإضعافه.
في احدى المرات قام المصور المحترف بجولة في مرتفعات أم قيس، وعاد إلينا بصور كثيرة، واستغربت منه، فقد كان يوما عاصفا ماطرا، والضباب تكاد لا ترى عبره شيئا أمامك، فكيف صور على بعد مئات الكيلو مترات.
أتى بالصور، واجتمعنا بعد تكبيرها، وإذ بالصور ترصد حركة لواء كامل داخل إسرائيل، ويتجه إلى شمال هضبة الجولان، ولا أنسى بأن الصور كانت واضحة تماما، وأن علم اللواء رأيته بحجم علبة السجائر، وعرفت بأن العلم المحمول على مجنزرة قائد اللواء، يعود للواء 'جولاني'، وهم أهم لواء في الجيش الإسرائيلي مستعد لخوض أي حرب، وهو لواء مشهور. فورا، بعثنا الصور للسوريين، وبعثنا لهم بتقارير، تفيد بأن هناك محاولات اسرائيلية للاشتباك معكم، وفعلا تحضروا جيدا للأمر، وقرأنا بعدها بالصحف العبرية بأن الجيش الإسرائيلي تفاجأ بقدرة الجيش السوري على الاستعداد، وأنه كان باستقبال الإسرائيليين، وأوقع في صفوفهم خسائر وأضرارا كثيرة. لقد كان تحرك الجيش الإسرائيلي باتجاه شمال الجولان، تحت غطاء الظروف الجوية الصعبة، وضعف قدرة تصويرهم أو رصد تحركاتهم، وفعلا كنا من تنبأ بالهجوم على سورية في العام 1968.
على إثرها أنشأنا الجمعية العلمية الملكية، ودائرة المخابرات هي من أسسها ودفعت موازنتها للعام الأول. وشكلنا مجلسا للعلماء في الجمعية، وجئنا بأهم تكنولوجيا الرصد في وقتها، واشترينا ذلك من السوق الأميركية بمنتهى السرية، وجئنا بالمنظار الليلي، ووظفناه لخدمة الجيش العربي، الذي كان لا يملك هذه التكنولوجيا من قبل.
ولتأسيس هذا الصرح قصة كنت ربطتها فورا مع ما قاله رئيس الولايات المتحدة ذات مرة، من أن الصحافة الأميركية تنشر 95 % من المعلومات الاستخباراتية الأميركية، وتعجز فقط عن نشر 5 %. مباشرة شكلت لجنة علمية، من أكاديميين كبار، وبدأنا نعمل على تحليل كل المعلومات المنشورة في الصحف الأميركية والغربية، ونحاول بناء خلية تفكير منهجية، للوصول لأقرب تحليل ممكن عن مستقبل المنطقة.
التعليقات

1) تعليق بواسطة :
30-01-2015 09:01 AM

مع احترامي وتقديري الشديد لدولة أبو عماد الذي لم ألتقيه شخصيا إلا في عزاء آل الجمل قبل سنين قليلة
ولكن تحفظي شديد على كل السياسيين ومن تسلموا مدراء مخابرات ومنهم دولة أبو عماد حيث هم من عظم المؤامره على الأردن هوية ووطنا وشعب ومن ساهموا في حرف مسار السياسه الداخليه والخارجيه لأن تخدم نظام الحكم على حساب خدمةالوطن شعبا وهويه( كتاب السياسه الخارجيه الأردنيه وتطوراتها/السفير فؤاد البطاينه)
مهما سوقوا لأنفسهم هم من كان يعرف تفاصيل كيف نرتمي في الحضن الإسرائيلي والأمريكي .. يتبع 2

2) تعليق بواسطة :
30-01-2015 09:12 AM

مهما سوقواوألبسوا أنفسهم ثوب الوطنيه لن يغفر التاريخ ولا الأجيال لهم لأنهم ساهموا في تخريب دستور الغى سلطة الشعب وعظم حكم الفرد وهكذا كانوا تابعين في كل مماراساتهم ونهجهم الداخلي والخارجي وربطوا مصيرنا وطنا وهوية وشعب بيد الغير حتى استحال علي علينا والأجيال اللاحقه فك عقال الوطن والشعب والهويه
سرد التاريخ من وجه واحد لا يكفي دون وجود مؤرخين محايدين يحكون الحكايه من بدايتها التي أصبحت مرأية رؤيا العين لكل ذي بصر وبصيره
لا تعنيننا المذكرات من بيت الشعر الى سدة الحكم ولا مذكرات دولة ابو عماد

3) تعليق بواسطة :
30-01-2015 02:43 PM

يقول ان عبد الكريم الجندى مشهور بالقسوة والشدة فماذا عن الشخص العرفى الذى لا يعرف من حياتة الا الاعتقال والتحقيق والتعذيب وتلقين المحاكم العرفية للاحكام وتوبيخها اذا لم تكن احكامها قاسية وغير ذلك كثير

4) تعليق بواسطة :
30-01-2015 03:29 PM

قبل ما تستعجل بالتعليقات التي تداري بها تخبطاتك السياسية وترديدك لقصاصات ورقية من هنا وهناك حول " مؤامرة النظام الأردني على الدول العربية في معاركها المصيرية " . اسستمع الى نهاية المذكرات ثم علّق

5) تعليق بواسطة :
30-01-2015 04:12 PM

للأسف كل من ينتقد السيد مضر بدران فهو ومغيب عن الحقائق :: مع اني لم التقي السيد بدران ولاكني اصدقه القول امام اقزام السياسه

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012