أضف إلى المفضلة
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024
الجمعة , 29 آذار/مارس 2024


هـل يمكن أن نقوم بهذه المهمـة..؟

بقلم : حسين الرواشدة
21-04-2015 01:00 AM
كان اقصى ما يفكر به دعاة التقريب بين اتباع المذاهب الاسلامية-وانا احدهم - ان ننجح في تحويل الاختلافات المذهبية من اطارها الطائفي الى دائرتها العقلية وان يجتمع علماؤها على ارضية واحدة من التوافق والتعارف، حيث الدين واحد، والاصول ومعظم الفروع واحدة.. وحيث الفروقات الفقهية لا تتجاوز حدود الاجتهاد، وهي موجودة داخل المذهب الواحد، ناهيك عن ان معظم الائمة، سنة كانوا ام شيعة، تتلمذوا على بعضهم في حين كانت اهم مصادرهم تؤلف في ظل حكومات اسلامية لم تكن تنحاز لمذهب على حساب الاخر.. كما حدث للكليني الشيعي الذي الف كتابه ‘’الكافي’’ في الدولة العباسية السنية.. والبغدادي الذي كتب اهم مؤلفاته في الدولة الفاطمية.
لكن الذين غاظتهم تجربة التعددية التي لم يعرفها بلد في العالم كما عرفها العراق مثلا، حين كانت مواكب العلماء من كافة الاديان والمذاهب والشرائع تدخل في مواكب مهيبة لاقامة جلسات الجدل والحوار، ويطلب كل فريق من الاخر ان يتجنب الاستشهاد بما تضمنه كتابه ومعتقده، ليكون ‘’العقل’’ وحده هو الحكم والخصم في آن... هؤلاء المجرمون جعلوا امثالنا لا يرجون من دعوات التقريب اكثر من العمل على حقن الدماء.. ووقف الفتنة الطائفية، وجمع الاخوة الاعداء على صعيد ‘’الحياة’’ والامن.. فالتقارب الفقهي او الفكري لم يعد هو المشكلة، بقدر ما اصبح وقف الحرب الطاحنة والتقارب الحياتي اليومي للبقاء على قيد الحياة هو الاولوية التي تهون بعدها كل الاختلافات والشرور.
ولاننا نعرف اكثر من غيرنا ما انتهت اليه الصراعات السياسية وتراكماتها التاريخية من ‘’هوة’’ بين اتباع المذاهب الاسلامية، ومن حروب دامية خرجت من عباءة السياسة قبل ان تخرج من اطار ‘’الدين’’ المفترى عليه فاننا ندعو وبالحاح ومرارة، كافة الغيورين في بلداننا العربية والاسلامية التي دخلت حروب الاشقاء وتقاسم خرائط الدم ، للتدخل السريع وتضميد الجراح وتجميع القلوب والعقول، واذا كان التقريب بين المذاهب في سنوات الرخاء فرض كفاية على دعاته وغيرهم، فانه اليوم فريضة عين على كل المسلمين وواجب لا يجوز الاعتذار عنه.. فالدماء الاسلامية التي تتسرب من تحت رداء هذه الفتنة ستكون لعنة على كل المسلمين، والارواح التي تزهق والمساجد التي تدمر لن تقف عند حدود بلد ، اي بلد، وحسب الامة ان تغادر منصات الرفض والتنديد او مدرجات الفرجة والانتظار لتمارس واجبها وتؤدي الفريضة التي كتبت عليها، والا فان القادم الذي تخطط له قوى الشر وادواتها سيكون اخطر مما نتوقعه.
حسبنا هنا ان نتذكر بأن لبلدنا -هذا الصغير- تجربة رائدة في التقريب بين المذاهب الاسلامية وجمع اتباعها على مائدة حوارات هادئة، انتهت الى الاتفاق على ان مرجعيتنا واحدة، وأصول شريعتنا واحدة، وعلى ان الاختلاف -ان وجد في بعض المسائل والفروع- فليس الا امرا طبيعيا ألفته الامة ودعت اليه الشريعة وأقرّه قبل ذلك الخالق عز وجل، لا على صعيد تعددية الفكر والفقه والهوى وانما -ايضا- على مستوى تعددية الخلق في كل ما يتصل به من جنس او معتقد او لون وثقافة.
لا يوجد اليوم ما يمنع عن تكرار هذه التجربة، فرسالة عمان التي انطلقت من دائرة التعريف بسماحة الاسلام واعتداله ووسطيته، وتوجهت الى المسلم والآخر لفك ما التصق في اذهانهم من صور مشوهة عن ديننا، يمكن ان تتقدم خطوة اخرى على مهاد الدعوة إلى توحيد الامة، وتجسير الفجوة بين ابنائها، واعادة “الدفء” الى علاقتهم التي اختلطت فيها الالتباسات واعتراها سوء الفهم والتصرف، سواء بسبب الجفوة والبعد وعدم اللقاء، او بسبب الحروب والصراعات والاختراقات الخارجية وغيرها من الاسباب.
ولا اعتقد ان احدا في منطقتنا مؤهل للنهوض بهذا الدور اكثر من بلدنا، فقيادته تنسب الى آل البيت الكرام، وتستمد شرعيتها من التكليف الرباني الذي اناط بها مسؤولية توحيد الامة وجمع مذاهبها، وتجربة بلدنا في الاعتدال والسماحة واستيعاب الآخر -مهما كان دينه او مذهبه- تجعل اهله الذين يتعبدون بمحبة الرسول وآله الطيبين اولى من غيرهم بالدعوة الى الحوار بين المسلمين وإزالة العثرات من طريقهم وتقريب وجهات نظرهم وتمتين ما بينهم من اواصر تعاون وتكافل وتكامل.
ويا ليت ان اخواننا في العراق او في اليمن او غيرهما من اقطار الامة التي تتعدد فيها المذاهب يجدون من يجمعهم على صعيد “الحوار السياسي” او يجد علماؤهم في الحوزات السنية او الشيعية من يستضيفهم على مهاد “المشترك” الوطني، فمن حسن حظنا ان مسألة السياسة والعمل الوطني اصبحت - الآن- في بعض اوراقها بيد هؤلاء العلماء الذين يمكن ان يلتقوا على ارضية الاصول الدينية الواحدة، كما يمكن ان يخرجوا بعيدا عن التقريب المذهبي الذي لا خلاف عليه، بتقريب سياسي او بتقاسم للادوار الوطنية.
اقول يا ليت، وفي ذهني ان مجرد لقاء العلماء المسلمين على مائدة الحوار وحول اية مسألة فقهية او فكرية او قضية من قضايا الامة -وما اكثرها!- سيكون مدخلا جديدا لتدشين مرحلة الوفاق السياسي بين الاخوة والاشقاء، وموسما لتطويق الخلافات بينهم، او -ان شئت- ربيعا اسلاميا يطوي صفحة الخريف الملبد بالغبار الذي كاد ان يكشف عن الفروع اوراقها وعن الجذور “دفء” التربة الخصبة الواحدة.
(الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012