أضف إلى المفضلة
الخميس , 28 آذار/مارس 2024
الخميس , 28 آذار/مارس 2024


الدين والسلطة

بقلم : د. رحيّل غرايبة
04-08-2015 12:37 AM
الدين عبارة عن مجموعة من المبادىء والقواعد العامة، ومجموعة من المفاهيم والقيم التي توجه العقل البشري العام نحو التفكير العلمي السليم، وتنظم الجهد المجتمعي وفقاً لقواعد المصلحة العامة، وتزكي النفس وتهذبها من أجل تقليل منسوب التوحش لدى بني الإنسان، وتخفيض حدة حب الذات لدى الأفراد، حتى تستقيم الحياة الجماعية، وينتظم سلك المعايش في التجمعات البشرية بأقل قدر من العوائق والمنغصات الناتجة عن تزاحم المصالح الفردية، وتناقض الأهواء المتعارضة.
الدين ضرورة حياتية، لأنه جاء لخدمة الناس واسعادهم، وما أقوال الفقهاء والعلماء والفلاسفة والحكماء إلا اشتقاقاً من المثل العليا التي تحظى بتوافق العقلاء وموافقة الفطرة والطبائع السليمة، ويصدقه الواقع والخبرة البشرية المتراكمة وتسنده الحوادث المنظورة عبر التاريخ البشري العملي الفعلي من خلال الممارسة، ومن هذا المنطلق فإن الدين يهذب سلوك رجال السياسة، كما يهذب ضمير رجال الاقتصاد، ويهذب سلوك أصحاب المسؤولية على وجه العموم؛ من أجل السير بحوائج الناس على صعيد العدالة المطلوبة من كل الفئات والجماعات والأفراد على حد سواء.
القول بفصل الدين عن السياسة قول غير سديد وغير منطقي، لأن السياسة عبارة عن حسن التدبير، وعن فن إدارة التجمعات البشرية بما يحقق مصلحتهم العامة، ومعيار حسن التدبير وحسن الإدارة العامة مردُّه إلى الالتزام بمعايير العدالة المشتقة من القواعد والمبادىء العامة التي تم ترسيخها في الضمير الإنساني والعقل الآدمي عبر الأديان والرسل والأنبياء، وعبر أقوال الحكماء والعلماء والفلاسفة، حيث لا يمكن لأي مجتمع الاستغناء عن مرجعية ثقافية عليا، يتم الاحتكام إليها والإذعان الجمعي لمقتضياتها، ولكل مجتمع ثقافته ومرجعيته وحضارته المستمدة من سجلّه التاريخي الممتد عبر الزمن.
السياسة بمعناها النبيل الصحيح ليست فهلوة وشطارة، وليست فساداً وسطواً على مقدرات الخلق، وليست خداعاً وتضليلاً وكذباً، وامتهاناً لقول الزور، كما أنها ليست تسلطاً على رقاب البشر وقهراً لإرادتهم، فهذا مفهوم يحاول بعضهم إلصاقه بالسياسة ظلماً وعدواناً، حيث يتم تبرير مفهوم إبعاد الدين عن السياسة من هذا المنطلق أحياناً، فالمسألة معكوسة تماماً، فالسياسة في الأصل امتلاك القدرة على تحقيق الخدمة العامة بأحسن صورها في المجتمعات المتحضرة والمتقدمة، وهذا يقتضي الالتزام بالمعايير المطلوبة نصاً وروحاً.
وفي هذا السياق ينبغي توضيح فكرة مهمة؛ أنه يجب فصل الدين عن السلطة، وليس فصل الدين عن الحياة، وليس عن السياسة بمفهومها العام، بمعنى أن السلطة ليست محصورة برجال الدين، وليست تحت وصاية الفقهاء، وأهل النصوص، لأن السلطة ملك للشعب يمنحها لمن يختاره بإرادة جمعيّة حرّة، والشعب يجب أن يتمكن من القدرة على الاختيار، ويجب أن يمكن من حسن الاختيار، بحيث يختار الأكثر كفاءة، والأكثر أمانة على تحقيق الخدمة العامة، والأكثر قوة وحفظاً لمصالح الناس.
ولذلك يمكن الذهاب في خضم الحوار الدائر بين الساسة والمثقفين في هذه المسألة إلى التوافق على مصطلح «فصل الدين عن السلطة» بهذا المعنى الذي تم توضيحه، الذي يشكل نقطة تقارب منطقية من خلال تجلية المصطلحات، وهذا يقودنا جميعاً إلى الاتفاق على أن «السلطة للشعب» ابتداءً وانتهاءً، اختياراً ومحاسبة ورقابة وعزلاً، والشعب يمارس السلطة العامة من خلال ممثليه الشرعيين الذين لا طريق لإيجادهم إلّا عبر الانتخاب الحر المباشر، القائم على التنافس بين البرامج والطروحات الفكرية والعملية التي يملكها الأحزاب والأفراد والتجمعات الشعبية المشروعة.

(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
04-08-2015 12:47 AM

نعتذر

2) تعليق بواسطة :
04-08-2015 07:47 AM

ابشر في اول تعديل ما يكونلك فكر ولا تخاف

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012