أضف إلى المفضلة
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024


جدل من نوع آخر

بقلم : د. صبري اربيحات
21-10-2016 12:27 AM
في الوقت الذي تشهد دول عربية تسابقاً على اشتقاق مسميات لحملاتها العسكرية، وتسليح فصائل مقاتلة، والبحث عن شعارات لها، وهي التي تتوالد بسرعة تفوق قدرة قاعات فنادق المفاوضات على استيعاب مفاوضيها؛ نجد العالم منشغلا بأشياء أخرى لا علاقة لها بحروبنا ومؤامراتنا وفصائلنا التي لا تعرف غير القتل والحرق والتفجير تحت ذرائع العبادة والجهاد والحرية ومحاربة الكفر. واليوم، أضحى عدد الفصائل القتالية على مساحة الأرض العربية يربو على عدد المدن والبلدات التي انطلقت منها هذه الفصائل، ويتجاوز بعشرات المرات أعداد الدول والأنظمة التي تتولى تمويلها وتدريبها وتسليحها. جميعها تبحث عن أسماء تحمل صبغة دينية أو دلالات تاريخية توحي بسلامة توجهها ومذهبها.
أما العالم الغربي الذي حصّن نفسه ضد الاقتتال والموت والدمار الذي هيمن على أجواء القارة الأوروبية ومحيطها خلال حربين عالميتين جلبتا لها وللعالم الموت والدمار، فإن انشغالاته (الغرب) لم تعد في القتل والإبادة وإنهاء وجود الآخر، بل انتقلت إلى السلم والتنمية والإعمار. فالحرب توقفت إلى غير رجعة، وتوجهت الاهتمامات والجهود نحو بناء نظام عالمي للتعاون والردع تنضوي تحت مظلته كل الأمم والشعوب الطامحة إلى التقدم والمحبة للسلام.
في النظام الأممي، وصفة يقبلها الجميع، غايتها العمل معا، وهمها إزالة الأسباب والظروف التي قادت أو قد تقود إلى الحروب. فقد سئم العالم الحروب، وأتعبه الاقتتال، وعبر عن حاجته إلى السلام والتنمية والأمن.
منذ أيام، أعلنت الأكاديمية السويدية المشرفة على إدارة برنامج جائزة نوبل لنوابغ العالم، قرارها المتعلق بمنح جائزتها في حقل الأدب للشاعر والمغني الأميركي بوب ديلن، عن إسهاماته في إدخال ابتكارات لغوية خلاقة لكلمات الأغاني التي أصبحت أكثر تأثيرا وشعبية في أوساط جمهورها من الناطقين بالإنجليزية.
لم يكن ديلن الذي أمضى أكثر من خمسة عقود في حقل الغناء والشعر الغنائي ينتظر جائزة؛ فقد خلدت كلماته وأداؤه الغنائي وانحيازه الأخلاقي للفقراء والمهمشين ذكره، فكسبت له مكانا مع المشاهير والمبدعين على جدران عشرات المتاحف الأميركية والأوروبية، وحصل على عشرات الجوائز وشهادات التقدير والتكريم في معظم قارات العالم.
لم يهرع ديلن للصحافة، ولم يعلق على قرار منحه الجائزة التي تصل قيمتها إلى ما يقارب مليون دولار؛ فهو شخص لا يأبه كثيرا بالتعليقات، وزاهد بما قد يقال عن أعماله وإنجازاته التي تأرجحت استجابة الجمهور لها بين الحماس والفتور.
القرار التاريخي للجنة الجائزة العالمية الأكثر شهرة، بتكريم أحد أشهر وربما أعظم شعراء الغناء، هو التفاتة إلى أهمية الأغاني وكلماتها في تشكيل الوجدان، والتأثير على أحاسيس واتجاهات الجماهير. الأمر الذي أدركه بوب ديلن منذ ستينيات القرن الماضي، وفي بواكير أعماله التي وقف من خلالها مناهضا للحروب، ومناصرا لحركات التحرر التي اعتبرته شاعرها ومطربها.
في ثقافتنا العربية شعراء وكتاب كلمات احتلوا مكاناتهم في قلوب وعقول ووجدان جماهيرهم، لكنهم عاشوا ورحلوا من دون أن نلتفت إلى الأثر الذي أحدثته أعمالهم في ذاكرتنا ووجداننا. لقد كان بمقدور سيدة الغناء العربي أم كلثوم، أن تحفر أسماء أحمد رامي وبيرم التونسي وأحمد شوقي، وكل الذين كتبوا كلمات القصائد التي شدت بها، في وجداننا، بالرغم من رحيلها ورحيلهم. لكننا نعجز اليوم عن تذكر اسم أي من الذين يعيدون تدوير الكلمات وتلبيسها لألحان يصعب التفريق بينها.
تحية لأرواح شعرائنا وكتابنا النابغين. وأمنياتنا بعالم عربي خال من الرصاص والديناميت الذي أهداه نوبل للبشرية، قبل أن يوصي بجوائزه التي كادت تنسينا إسهامه المدمر.

(الغد)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012