أضف إلى المفضلة
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024


السيول تجرف الثقة في حكومة الرزاز

بقلم : سامح المحاريق
02-11-2018 06:02 AM

فجع الأردن الأسبوع الماضي بحادثة غرق طلاب مدرسة فكتوريا في منطقة البحر الميت، أثناء رحلة مدرسية في منطقة خطرة في الظروف الجوية السيئة التي لم تكن سراً مع ما أعلنته الأرصاد الجوية قبل فترة كافية، وأكدته العديد من المواقع المختصة، وفي وسط الحزن الشعبي العام في الأردن تجاه هذه الحادثة الصادمة، إلا أن الأسئلة توالت حول المسؤولية التي يتوجب أن يتحملها أحد الأطراف، وكالعادة وجدت الحكومة المدرسة صيداً سهلاً لتوجيه أصابع الاتهام.
بالطبع تتحمل المدرسة حصة كبيرة من المسؤولية، ولكن ذلك لا يعفي الحكومة نفسها من المسؤولية التي توزعت مبدئياً وفي ضوء ملابسات الحادث بين وزارات التربية والتعليم والسياحة والأشغال العامة، قبل أن تدخل وزارة الصحة فوضى تحديد الخلل وتقاسم المسؤولية، وذلك لأدائها في عمليات العلاج والتعامل مع جثامين الطلبة، وتحت الضغط الشعبي وجدت الحكومة نفسها مضطرة لأن تتخذ موقفاً، وضمن البروتوكولات الأردنية الاعتيادية، تشكلت لجنة أتت للمفارقة من ضمن الحكومة نفسها، وهو الأمر الذي وضع المتهمين في مكان المحققين والقضاة في تهمة موجهة لهم.

هذه الحيلة، وتحت الضغوط الشعبية، باءت بالفشل ووضع العديد من الاستفهامات حول الذهنية الحكومية وطريقة معالجة الأمور في أروقة مجلس الوزراء، وعلى الرغم من المطالبات بالإقالة أو الاستقالة، إلا أن وزيري الصحة والسياحة، أصرا على إخلاء المسؤولية من طرفيهما، ورفضا فكرة الاستقالة، ولذلك أتى التوجيه الملكي بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ضمن مهلة زمنية محدودة.
دخلت الموسوعة السياسية الأردنية مصطلحات جديدة أثناء الأزمة، كان من أبرزها مقولة جهة الاختصاص، وهي الذريعة التي أخذ كل وزير يركلها ليضع المسؤولية عن ظهره، وهنا تبدت مشكلة أعادت الحديث عن اختيار الوزراء وكفاءتهم في المواقع التي يشغلونها، خاصة أن الوزراء ليسوا سياسيين بالمعنى الشائع، أي أنهم لا يعبرون عن قوى سياسية فاعلة في الأردن، ويفترض أن تكون مبررات قدومهم لمواقع قيادية في الدولة الأردنية قائمة على خبرات محددة تسوغ وجودهم، على أساس أنهم جزء من مرحلة انتقال إصلاحية تجاه تشكيل الحكومة النيابية أو الحزبية التي تعتبر طموحاً أردنياً معلناً.
على هامش الأزمة، وجدت الحكومة نفسها مرة أخرى أمام امتحان مؤتمر منظمة “مؤمنون بلا حدود” الذي ألغته وزارة الداخلية بناء على شكوى من نائب من التيار الإسلامي، وعلى الرغم من استخدام الباحث معاذ بني عامر مصطلحات غير موفقة في شرح ورقته التي تتحدث عن مفهوم الألوهية في الإسلام، وذلك بحذفه وصف المفهوم أو الفكرة من العنوان، واللجوء إلى ما يشبه المانشيت الصحافي تحت عنوان “ولادة الله”، وبالطبع وجدت عبارة “جهة الاختصاص” مكانها في معالجة الأزمة التي لم تكن موفقة، وأظهرت إلحاحاً من رئيس الحكومة للتملص من فكره التنويري الذي كان يزعمه طويلاً، على الرغم من أنه لم يجد ما يعززه عملياً أثناء السنوات الماضية منذ ظهور الرئيس عمر الرزاز على الساحة السياسية الأردنية، وهو ظهور أتى تحت شعار “التكنوقراط” و”الإصلاح”.
تعثرت الحكومة مرة بعد الأخرى، وأهدرت فرصة استعادة الثقة بين الحكومة والشارع مع التعديل الوزاري، الذي أتت ملامح المحاصصة والتوزيع المناطقي واضحة فيها، فبدلاً من الحديث عن الوزراء وأدائهم، وجد الأردنيون الوزراء التأزيميين أنفسهم في مواقعهم، مع خروج مجموعة من الوزراء الذين لم تتواجد ملاحظات على أدائهم، ولم تكن الوزارات التي يشغلونها عاملاً للتوتير أصلاً، وأمام الذكاء الشعبي الأردني انكشفت الهوية المناطقية للتعديل الوزاري، فأمام كل وزير يخرج كان الرزاز يقدم وزيراً من المنطقة نفسها، وبما يجعل حديثاً عن الكفاءة أمراً مستبعداً، في ظل تغيير أتى لمجرد التغيير، أو حتى لتوفير فرصة للرئيس من أجل التخلص من وزراء غير محسوبين سياسياً أو مهنياً أو شخصياً عليه.
يراهن البعض على الذاكرة القصيرة للأردنيين، ويتذرعون بعدم وجود أسبقيات للاستقالة أو الإقالة نتيجة مثل هذه الحوادث، وهو الأمر الذي دفع الذكاء الشعبي الأردني للبحث في الدفاتر القديمة والخروج بمجموعة من السوابق التي وضعت أمام الرزاز، ليعلن تحت ضغط من الملك من جهة، ومن الفعاليات الشعبية من جهة أخرى، بمسؤولية الحكومة بدون أن يحدد طبيعة هذه المسؤولية.
تدخل الملك بمقال جديد حول مواقع التواصل الاجتماعية، في محاولة للوصول إلى معادلة جديدة في هذه المواقع، التي بدأت تشكل أداة ضغط هائلة على أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية، ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود الكثير من الشائعات والحملات على مواقع التواصل، إلا أن السؤال المهم الذي يرفق بالمقال الملكي الذي تلقفته الحكومة بحفاوة في محاولة منها لتوظيفه لمصلحتها، يبقى حول القدرة على الاستجابة لتحديات الحالة الراهنة في الأردن، اتسمت بكثير من التردد والتأخير بوصفه سبباً يفتح المجال بدوره لموجة من التوتر والقلق على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن الحكومة نفسها من خلال رئيسها ونشاطه الواسع على موقع تويتر حتى قبل توليه المسؤولية الوزارية، كانت دافعاً لمنازلة الحكومة في هذه الساحة تحديداً، ولذلك، ففصل هذا المقال تحديداً عن أوراق نقاشية سابقة أصدرها الملك يعد اجتزاء خطيراً من قبل الحكومة للدخول في لعبة منحها عمراً إضافياً بالطريقة التي مارسها العديد من الحكومات السابقة.
يشعر الأردنيون بشكل أو بآخر بأن الرزاز استطاع أن يعتلي أكتاف المتظاهرين في الدوار الرابع لينقلب عليهم لدى وصوله إلى منصب رئاسة الوزراء، وهذه نتيجة مضللة للغاية، فالرئيس لا يمتلك في تاريخه الشخصي أو المهني بطولات أو منجزات تجعل الناس تؤمن بوجود ميول فعلية لديه من أجل الإصلاح والتغيير والاشتباك الايجابي مع الواقع، فهو أقرب لمواطن عالمي يؤمن بالليبرالية الاقتصادية أكثر منه مواطنا مشتبكا مع الهموم اليومية للأردنيين، ويمتلك معرفة واسعة بتوجهاتهم وأفكارهم العامة والمنعطفات التي شكلت الشخصية الأردنية، ولذلك فإن الحديث عن قدرته على التعامل مع التحديات الراهنة في الأردن يحمل طموحاً مفرطاً وأملاً ساذجاً، وأفضل ما يمكن أن يفعله الرئيس أن يعلن عن صبغته الانتقالية، وأن يحدد خطوات يتوجب اتخاذها للوصول إلى حكومة نيابية أو حزبية، تقوم على أساس الشفافية والمحاسبة، وتفعيل المشاركة السياسية للأردنيين خارج نطاق مخاوفهم التاريخية التي تشكلت في عصر الحرب الباردة، ولا تتوافق ولا تليق بعصر تكنولوجيا المعلومات الذي يعرف الرئيس، أو يفترض أنه على معرفة كافية، بشروطه وكواليسه وأنفاقه التي تستطيع أن تتعامل مع الأسوار التقليدية والعرفية التي يستخدمها الرئيس ويحاول أن يلجأ لها في أزمته الحالية.
لم يكن الأردنيون بحاجة لهذه الصدمة للتحرك، فكثير من القلق والتوتر كان يجعل العودة للحركة في الشارع مسألة وقت، ولكن الأطفال الشهداء سيضعون أنفسهم كنقطة تحول في ثقة الأردنيين في المنظومة القائمة نحو تحولات جذرية، يجب أن تجد مكانها على أرض الواقع، فسيول البحر الميت لم تأخذ في طريقها الأجساد الطرية لأطفال في عمر الورود، ولكنها جرفت أيضاً العديد من الإدعاءات التي أدمنتها الحكومات الأردنية المتعاقبة.' كاتب أردني.' القدس العربي '

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012