أضف إلى المفضلة
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024


ديمقراطية البضاعة الواحدة

بقلم : رندا حتاملة
18-01-2021 05:54 AM

يخطئ من يتصوّر أنّ ديمقراطية الغرب هي النموذج الذي يجب أن يحتذى به، ويخطئ أكثر من يصدّق فكرة التناوب على السلطة داخل الحقل السياسي الأمريكي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
ذلك أنّ أمريكا لا تحتكم في النهاية إلاّ إلى مصالحها الاقتصادية وسياساتها العميقة، وتاريخية تركيبها من مجموع أقليات متداخلة متشعّبة شكّلت الشعب الأمريكي، كما تنهض في تقديم حكمها على استغلال الدول الضعيفة وترسيخ مبدأ خلق بؤر التوتر والصدامات الإقليمية.
والمتأمل للسياسة الأمريكية لا يجد سوى اتجاها واحدا، وطريقة واحدة، تؤدي جوهر ومفهوم مصالحها الخارجية التي تسبق كل شيء، وما السياسة التي ندعوها بالديمقراطية في تناوب حزبيها على السلطة سوى القناع المتغيّر، الذي يوهم المشاهد بحالات التبدل والتحوّل، ومنه فإن الوصول إلى الرئيس جو بايدن رقم 46 في تاريخ السياسة الأمريكية ليس نتاج تغيرات ديمقراطية، بل كان قدر ترتيبات وإعدادات وتنظيمات معدّة سلفا من الدولة العميقة، أو هو في حيّز تعبير آخر أرضية السياسة الأمريكية الثابتة التي تناور بين حزب ديمقراطي مرة وآخر جمهوري مرة أخرى .
وإذا كان ترامب قد فضح تلك السياسة على رؤوس الأشهاد بما مارسه من غلوِ في التعامل والسقوط في حمأ الفضائح، والتعامل فوق الطاولة بدل تحتها، وكشف عنصريته المقيتة، والخروج في أكثر الأحيان عن نصّ السيناريو المعدّ من قبل الدولة الأمريكية العميقة.
فإنّ جو بايدن بما يحمله تاريخه السياسي يبدو أمام ترامب كالمعلم أمام التلميذ، فهو من صوّت أيام كان عضوا في مجلس الشيوخ لأجل غزو أفغانستان عام 2001، ثم صوت لضرب العراق عام 2003 كما كان وراء تقسيم العراق إلى 3 فيدراليات سنية وشيعية وكردية، وهو الذي أيّد إرسال قوات أمريكية إلى إقليم دارفور أيام أزمة السودان، كما يعتبر من أشد مناصري إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين، ولقد وعد في حملته الانتخابية بعدم التراجع عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذا نقل السفارة الأمريكية إليها، كما لم يغفل عن سياسته تجاه الشرق الأوسط انطلاقا من علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالسعودية، وفي السياسة الداخلية يتبنى بايدن قضايا الرعاية الصحية، والمهاجرين، ودعم الشواذ، والإجهاض وحقّ حمل السلاح وكلها سياسات تقليدية تخصّ الحزب الديمقراطي، ومهما يكن فالسياسة الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين لا تزيد عن اختلاف التسمية، أو هي كالبضاعة الواحدة التي يختلف تغليفها، فيتفرّق وجهها بين ديمقراطي وجمهوري لا يكاد يغني عن شرّها المقيم الذي يضع مصالح دولة أمريكا العميقة قبل كل شيء.
إنّ بايدن ما هو إلا الوجه الهادئ السمح لترامب، وإذا كانت سياسة هذا الأخير بما فيها من توتر وضجيج وصخب وعنف لفظي وتلويح بقبضة اليد وتسوّر أسوار الكونجرس (من أنصاره) فإنّ سياسة بايدن هي ذات السياسة لكن (ع البارد).
و إنها البضاعة ذاتها، لكن يختلف تغليفها بالوجوه فقط .

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012