أضف إلى المفضلة
الخميس , 18 نيسان/أبريل 2024
الخميس , 18 نيسان/أبريل 2024


متعب.. الفنان الذي رثى نفسه كل مرّة

بقلم : الاعلامية دعاء العبادي
26-04-2021 05:17 AM

ما زلت أؤمن أن الانسان لا يموت دفعة واحدة

وإنما يموت بطريقة الأجزاء

كلما رحل صديق مات جزء

وكلما غادرنا حبيب مات جزء

وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء

فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة

فيحملها ويرحل

هذا ما قاله جبران ذات يوم.. لم نفهمه حينها.. اليوم أيقنا ما أراده..

متعب السقّار أيضاً.. مات على دفعات.. مات حين أصيب بالقصور الكلوي أول مرة.. ومات عند بتر قدمه ثاني مره... ومات عند كل عملية غسل للكلى كل مره.. ومات ألف ألف مره.. عندما هُمش ذكره كفنان.. ليتوّج موته أول أمس بوجهة الرحيل الأخيرة..ليقتطع تذكرة لوجهة واحدةٍ بذهاب دون عودة... متعب عاتبنا جميعاً قبل شهور... لكنه لم يمهلنا لنرد.. ليباغتنا بالذهاب سريعاً.. أليس مبكراً يا متعب...آسفون لأننا نكتب قصتنا دائماً بعد انتهاء حصة التعبير.. فلا أنت تقرأ.. ولا نحن نهنأ بما نكتب.. لكن المشاعر كانت تتدفق في كلتا الحالتين

بعيداً عن المشاعر المختلطة على رحيلك وقريباً من الحقائق فمريض القصور الكلوي أو ما يعرف بالفشل الكلوي تفشل فيه كليتيه بتصفية الفضلات الأيضية بشكل يتناسب مع الدم.. أي تعجز الكلى عن تنقية الفضلات من الدم..

هذا ما أصاب الفنان الراحل فقد عانى من القصور الكلوي وأصبح سجيناً لأجهزة الغسيل الكلوي في المستشفى..

لذا تبادر لذهني سؤال قد يكون تبادر لكم أيضاً... كيف تحل مشكلة مريض القصور الكلوي وكيف نخفف عنه ألمه إن لم نستطع إيقافه؟

ساعدني بالإجابة على هذا السؤال «الدكتور بهاء الرضاونة» وهو اختصاصي جراحة الكلى والمسالك البولية.

والذي أجاب على الشق الأول من تساؤلي بأن حل مشكلة مريض القصور الكلوي تكون إما بالغسيل الدوري (أي ما بين مرتين إلى ثلاثة مرات في الأسبوع ولساعاتٍ طويلة يقضيها في المستشفى ) وهذا لن يخفف عليه الألم بأي حالٍ من الأحوال وقد يعرضه إلى مخاطر جمة من بينها انتقال عدوىً معينة خلال عملية الغسيل عدا عن الضغط النفسي الحاصل للمريض من تشوش وغثيان ونوبات وغيبوبة في بعض الحالات...بسبب ارتفاع نسبة السموم في الجسم وبلوغها الدماغ إن تأخر المريض في الغسيل وهذا ما يزيد الطين بلة فهذا يلزم الأطباء بمتابعة المريض نفسياً وحيوياً وعضوياً أو من خلال الحل الجذري بزراعة لكلية جديدة تعمل بشكل طبيعي يعود بعدها لممارسة حياته بكل راحة.

لكن الجواب الأخير يفتح الباب على مصراعيه أمام قوانين وتشريعات ناظمة وعادات وتقاليد جامدة.. فمريض القصور الكلوي بحاجة إلى التبرع من قبل آخرين توفاهم الله فالجانب القانوني خطى الأردن فيه أولى خطواته في مجال التبرع بالأعضاء، مع أول عملية نقل كلية عام 1972، وكان قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان وتعديلاته رقم 23 قد صدر عام 1977، وتم تعديله عام 1980 و1986 لإضافة تشخيص الموت الدماغي، ليعود ويُعدل قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان عام 2000 ليستند الأردن في مسيرته التنظيمية، لتشجيع نقل وزراعة الأعضاء، على تشريعات حديثة في إطار الرأي والفقه الديني، كما تنشط الجمعيات خصوصاً الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء(من بعدي حياة ) التي قامت بإطلاق العديد من حملات التوعية والتشجيع لنبدأ جميعنا بتداول الفكرة كصدقة جارية أما الشريعة الإسلامية فأولت اهتماماً كبيراً لجسد الإنسان وصحته ليعتبر الفقهاء والشيوخ أن الصدقة في الإسلام لا تقتصر على التبرّع بالمال فحسب...بل كذلك التبرّع بالأعضاء الذي يعدّ من أسمى أنواع الصدقات وأفضلها.

وقد قرر مجلس الإفتاء بعد دراسة ومداولة بين أعضائه اعتبار التبرع بالأعضاء البشرية واحد من أعمال الخير المستحبة إذا تحققت الشروط الشرعية الواجبة، لما في هذا العمل من إنقاذ أرواح الناس وتخفيف آلامهم، وقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة/32

لكن الجانب الأهم للتبرع بالأعضاء هو بما يخص العادات والتقاليد والحرج من كلام الآخرين فقد بات لزاماً علينا إجراء حملات توعية جادة لحثّ الجميع على وهب الأعضاء واعتبار هذا التصرّف طبيعياً وإنسانياً بكل الأشكال من خلال إعادة الحياة والصحة لأجساد أنهكها المرض وخذلها.

لذا يجب التركيز على الجانب الإنساني للتبرع بالأعضاء وإخراج الظاهرة الخجولة للعلن لتصبح أمراً محموداً وطيباً..يتسابق الناس لفعله لعلّ الله يحدث بعد وفاة الفنان الطيب الذكر «متعب السقار» أمراً.. وتمد يد العون لمن يعاني ذات المرض ويتجرع مرارة الألم كل يوم.

وداعاً يا صوت السهل.. يا قمحه وكحله ونحله..ستفتقدك سنابل حوران...وتلال الرمثا.. سترثيك جبال معان.. وبيوت البلقا.. أهازيج الأعراس ستكون منقوصة.. وأرواب التخريج ستبقى معقوصة....لعلك تعود يوماً وترثي ما فات ومات..فنحن كما هدهدت لنا ذات يوم:

الله خلقنا طين ونعود للطين.... والموت كاس وكلنا شاربينه..الله معك يا متعب.

الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012